معركة ضرب المرأة والتطور الحقوقي

لماذا هناك قضايا مثل ضرب الزوجة وغيرها من العقوبات البدنية التي تثير الإشكاليات الحقوقية حاليا قد أقرت منذ أزمنة القرون الأولى للتشريع؟
الأحد 2022/02/06
قادرة على افتكاك حقوقها

تطل علينا بين الحين والآخر معارك تراثية يكون أطرافها المؤسسات الدينية والوسطيون والعامة كالمثارة حاليا حول ضرب الزوج لزوجته وأنا أراها في الحقيقة معركة للحداثة ضد ممارسات القرون الوسطى. وهي معارك صحية إلى حد بعيد إذا نظرنا إليها نظرة استشرافية. وبغض النظر عن تمسك المؤسسات الدينية بموقفها فإن هناك اتجاهات أخرى تحاول التبرير وهذا ما يدل على أن الأمر مستهجن ومحرج لديهم إلى درجة التبرير ومحاولة لي أعناق النصوص لجعل الأمر أكثر تقبلا لدى إنسان العصر الحديث. فنجد الكلام عن الضرب بالسواك أو الضرب غير المبرح أو حصر الضرب على جريمة الزنا أو الحديث عن تلذذ المرأة بالضرب وكلها محاولات واهية لأن الإنسان الحديث يجد نفسه بين شقي الرحى.

والنصوص الدينية واضحة من جهة والتطور الحقوقي في ازدياد من جهة أخرى، والمحرك الأساسي الذي يحرك هذا الاتجاه لدفع الشبهة عن الدين هو استشعاره الحرج من فكرة العقوبة البدنية التي لا يمكن أن تمر عبر ضمير حي رغم تحفظي على لفظ العقوبة كما سيتضح لاحقا. ولكن في الحقيقة هناك سؤال في غاية الأهمية وربما تكون إجابته حلا للإشكال.

لماذا هناك قضايا مثل ضرب الزوجة وغيرها من العقوبات البدنية التي تثير الإشكاليات الحقوقية حاليا قد أقرت منذ أزمنة القرون الأولى للتشريع؟ ولماذا لم يستبشعها القدماء كما يستبشعها إنسان العصر الحديث؟ ما الذي جعل تلك القضايا مسكوتا عنها سابقا ولماذا تثار حاليا؟

بالإجابة عن هذه الأسئلة نصطدم بحقيقة أن تلك القضايا بوجه عام كانت مقبولة في زمن ما، أما الآن فقد تجاوزها الزمن وتطورنا نحو الأفضل والأحسن. يجب أن نعترف بذلك لنكون موضوعيين. فباستقراء دساتير القرون القديمة والوسطى نجد أن العقوبات البدنية البشعة كانت عرفا مقبولا وغير مستهجن بين الناس في تلك الأزمنة بل كانت طبيعية وأحيانا مستحسنة حتى أن من بين فقرات تسلية الجمهور في الإمبراطورية الرومانية كان يتم إلقاء المسيحيين للأسود تفترسهم أمام الناس الذين كانوا ينتشون بتلك المشاهد ويسعدون بها، ونجد أيضا آلات التعذيب والتي كانت تستخدم على نطاق واسع لمعاقبة المذنبين وأصبحت معروضة في المتاحف الآن.

الحل يكمن في استصدار قوانين لحماية المرأة المصرية واعتبار كل عنف موجه ضدها جريمة والكف عن استجداء المؤسسات الدينية

فمع التطور والتغير في مفهوم حقوق الإنسان وارتقاء منظومة العقوبات، بل وتغير فلسفة العقوبة ذاتها أصبحت تلك القضايا مستهجنة. ولعل هذا هو ما يجعلنا نتقبل روايات وحوادث تاريخية تراثية ولكننا نرفضها عندما يجسدها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أرض الواقع لذلك يجب وضع تلك الممارسات في سياقها التاريخي لنفهم أننا يجب أن نتجاوزها ويجب علينا التطور والسير مع حركة الزمن نحو الأفضل.

هذا إذا سلمنا أساسا بأحقية الزوج في إنزال عقوبة ما بالزوجة وهو الأمر الذي أصبح هو الآخر من ممارسات القرون المتخلفة التي كان الزوج يمتلك فيها زوجته ويتصرف فيها كما يشاء. فكل إنسان هو كيان مستقل بغض النظر عن جنسه أو دينة أو عرقه أو انتمائه وله كل الحقوق وعليه كل الواجبات.

وهكذا يجب أن يتحول النقاش حول الضرب إلى نقاش حول ارتكاب جريمة اعتداء يعاقب عليها القانون وتقابل بالاستهجان. وكما قال نصر حامد أبوزيد في كتابة “دوائر الخوف”، “إن اجتثاث ملف حقوق المرأة من ملف حقوق الانسان ومناقشته من منظور ديني فقط يطمس الجانب الاجتماعي فيه”. فالمعركة مع كل الأطراف هي معركة حقوقية بحتة وليست دينية. فالمرجعية الوحيدة التي يجب أن يخضع لها الجميع هي القانون الذي يساوي بين الناس، ولكن قصور التشريع عن تغليظ عقوبات الاعتداء على المرأة والتمييز ضدها بكل أشكاله هو انعكاس للنظرة الدونية الموجودة في المجتمع. لكننا نغطي كل هذا بقشرة واهية من الحضارة وتحت شعارات التكريم نتمسح في التبرير ولي أعناق النصوص الدينية.

وعلى الرغم من أن النظرة الذكورية الأبوية للمرأة قد تطورت وتغيرت بل وتختلف من عصر إلى عصر ومن مكان إلى آخر، يبدو أن المؤسسات لدينا لا تواكب العصر إلا بعد إكراه كما حدث عند إلغاء الرق والاتجار بالبشر من العالم وتوقيع الاتفاقيات الدولية، ومن بعد ذلك بأننا نسمع ونقرأ عن أن الدين هو أول من بدأ معركة إلغاء الرق والاستعباد. لذلك فإن الطريق الصحيح هو المعارك الحقوقية والقانونية. ولكن حتى الآن فإن هناك مادة في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته السارية حتى الآن تحمي من ارتكب فعلا مجرما أصلا ولكن كانت مرجعيته الشريعة.

وينص قانون العقوبات المصري الباب التاسع تحت عنوان “أسباب الإباحة وموانع العقاب” المادة 60 “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة.”

وهذا عين التناقض، إذ كيف تحمي وتشرعن فعلا مصنفا أصلا كجريمة. هذا ما يفتح الباب لكل العنف الموجه ضد المرأة بداية من الضرب وحتى ما نسميه بجرائم الشرف وكلها جرائم تسلب المرأة حقوقها بداية من كرامتها وانتهاء بحياتها. لذلك، ولأن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، فإن المعركة الحقوقية يجب أن تخاض من آجل حماية النساء وإن الحل يكمن في استصدار قوانين لحماية المرأة واعتبار كل عنف موجه ضدها جريمة والكف عن استجداء المؤسسات الدينية على ثقة بآن هذه المؤسسات ستخضع للأمر الواقع بعد حين.

سوف نقرأ ونسمع بعد ذلك أن هناك أصولا في الدين هي التي منعت الزوج من ضرب زوجته.

17