معركة جزائرية باردة لترتيب الفوضى المالية والاقتصادية

الحكومة تعتزم تنفيذ إصلاحات تشمل تحسين مناخ الأعمال وتطوير النظام المالي وإصلاح القطاع العام.
الأربعاء 2021/09/01
تحريك عجلات الاستثمار مهمة مضنية

يكشف الواقع المالي للجزائر مدى هشاشة خطط الإصلاح التي تنوي الحكومة القيام بها لتنويع الإيرادات إذ لا يوجد ما يوحي بأنها تسارع الخطى نحو محاصرة الفوضى الاقتصادية، والتي من أبرز علاماتها بيئة الأعمال الطاردة للاستثمار وترهل النظام المصرفي رغم إدراك المسؤولين بأن تحسين المؤشرات السلبية يحتاج بعض الوقت.

الجزائر - وضعت الأزمة المالية في الجزائر الحكومة في موقف دفاعي مليء بالصعوبات قبل إحداث هزة في اقتصاد طارد للاستثمار بسبب القوانين البالية، بعد اتساع مخاطر استمرار الاعتماد على عوائد صادرات النفط والغاز المتراجعة.

وجددت الرئاسة مرة أخرى بعد اجتماع للحكومة ترأسه الرئيس عبدالمجيد تبون مساء الاثنين الماضي التأكيد على أن السلطات ستنفذ إصلاحات لتحسين مناخ الأعمال واجتذاب استثمارات في إطار سعي البلد العضو بمنظمة أوبك لتنويع موارده.

لكن كثيرا من المهتمين بالشأن الجزائري يعتقدون أن النموذج المتبع في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي يبدو مرتبكا على الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن النمو سيصل هذا العام إلى 2.9 في المئة بعد انكماش بمعدل 6 في المئة العام الماضي جراء الأزمة الصحية.

وحددت الحكومة الخطوط العريضة للإصلاحات التي يتوقع خبراء ألا ترى النور سريعا بسبب عدة عوامل مرتبطة بالرؤية في إنعاش الاقتصاد والتي تعتقد الأوساط الشعبية أنها لا تتماشى مع تطلعاتهم رغم الإبقاء على سياسات دعم المواد الأساسية ضمن سياسة شراء السلم الاجتماعي.

ومن أهم الأولويات التي تؤكد الجزائر أنه حان الوقت للقيام بها، تحسين جاذبية مناخ الاستثمار وضمان الاستقرار القانوني والمؤسساتي مع توسيع صلاحيات الهيئة المعنية بتقديم الخدمات للمستثمرين من أجل تسهيل الإجراءات لقبول ملفات المشاريع المقدمة من قبل الشركات ورجال الأعمال.

أهم أهداف خطة الإنعاش

  • تحديث النظام المصرفي والمالي
  • إصلاح القطاع العام وحوكمة المؤسسات الحكومية
  • تحسين جاذبية مناخ الاستثمار وضمان الاستقرار القانوني والمؤسساتي
  • توسيع صلاحيات الهيئة المعنية بتقديم خدمات للمستثمرين
  • تعزيز دمج السوق الموازية ضمن الاقتصاد الرسمي
  • دعم نشاط التطوير العقاري وتحسين استغلاله
  • تحديث قطاع الزراعة والصيد البحري وتنمية المناطق الريفية
  • النهوض بصناعة الأدوية وتعزيز الإنتاج المحلي

وتأمل الحكومة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتعزيز فرص العمل واستبدال الواردات بالإنتاج المحلي، بعدما اتبعت الجزائر لسنوات سياسات حمائية لتشجيع تنمية الصناعات المحلية.

وتميل سياسات إحلال الواردات التي تستخدمها الجزائر إلى إيجاد حالة من عدم اليقين التنظيمي ونقص في الإمدادات وزيادة الأسعار والاختيارات المحدودة.

وحتى تتمكن من إقناع المستثمرين بجدوى خططها الإصلاحية تستهدف الجزائر تحديث النظام المصرفي والمالي الذي ظل بعيدا عن المساهمة في التنمية، وإصلاح القطاع العام وحوكمة المؤسسات الحكومية وتعزيز دمج السوق الموازية ضمن الاقتصاد الرسمي.

وتعهد الرئيس تبون، الذي انتخب العام الماضي، خلال الاجتماع بتطوير القطاعات الأخرى غير الطاقة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز اللذين يشكلان 94 في المئة من إجمالي إيرادات التصدير و60 في المئة من الميزانية العامة.

ولتحقيق ذلك الهدف تسعى الحكومة إلى دعم نشاط التطوير العقاري وتحسين استغلاله، وأيضا العمل على النهوض بصناعة الأدوية وتعزيز مساهمة القطاع وزيادة الإنتاج المحلي.

وتهدف خطة العمل، التي سيناقشها البرلمان، أيضا إلى تطوير قطاع الزراعة للمساعدة في خفض الإنفاق على واردات الغذاء، بما يشمل الحبوب والحليب.

وأدى هبوط الإيرادات الناتج عن جائحة كوفيد – 19 إلى كبح الطلب على الطاقة ودفع السلطات إلى تقليل الإنفاق وتأجيل بضعة مشاريع استثمارية.

ويرتبط الاقتصاد الجزائري بشكل عضوي بعائدات النفط، وقد تأثر البلد بشكل كبير بالتراجع الكبير لأسعار النفط إذ تراجعت مداخيلها إلى النصف وباتت في حدود 30 مليار دولار سنويا بعدما كانت بين 60 و70 مليار دولار قبل سبع سنوات.

وبلغت احتياطات البلد النفطي من النقد الأجنبي ذروتها منتصف 2014 عندما تجاوزت 194 مليار دولار، لكنها سرعان ما تهاوت بفعل الأزمة النفطية. وتتوقع الحكومة أن ترتفع اعتبارا من 2022 لتصل 47.5 مليار دولار ثم إلى 50 مليار دولار في 2023.

ويمثل اقتصاد البلد العضو في منظمة أوبك والذي تهيمن عليه المؤسسات الحكومية تحديا للشركات حيث يتذمر المستثمرون المحليون والأجانب على السواء من البيروقراطية وتغييرات متكررة في القوانين التي تنظم الاستثمار رغم أن القطاعات المتعددة توفر فرصا للنمو على المدى الطويل.

وكانت الجزائر قد ألغت في العام 2019 القيود على امتلاك الأجانب لأكبر أسهم في الشركات، لكن ذلك لن يشمل قطاعات استراتيجية وهي صناعات الطاقة والتعدين والأدوية.

كما أقرت قانونا للاستثمار في قطاع النفط والغاز، مما أدى إلى تحسين الشروط المالية ومرونة العقد من أجل جذب مستثمرين دوليين جدد. وقد وقعت كبرى شركات النفط العالمية مذكرات تفاهم مع شركة المحروقات الوطنية سوناطراك.

2.9

في المئة نسبة النمو المتوقعة بنهاية 2021 بعد انكماش بواقع 6 في المئة في العام الماضي

وتتعامل الشركات ورجال الأعمال مع مجموعة من التحديات بما في ذلك الإجراءات الجمركية المعقدة والصعوبات في التحويلات النقدية وأيضا المنافسة في الأسواق العالمية.

وتشكو الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر من أن القوانين واللوائح تتغير باستمرار وتطبق بشكل غير متساو، مما يزيد المخاطر التجارية على المستثمرين الأجانب.

ويخشى معظم المستثمرين المجازفة بالدخول في مشاريع استثمارية في الجزائر بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.

وتتقاطع انطباعات خبراء اقتصاد مع تقارير المؤسسات المالية الدولية في نقطة رئيسية مفادها أن حملة مكافحة الفساد المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة أدت إلى زيادة الحذر في ما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية واسعة النطاق.

وصنف آخر تقرير عن مؤشر مناخ الأعمال الصادر عن البنك الدولي الجزائر في المركز 162 من أصل 182 بلدا، متراجعة بذلك تسعة مراكز إلى الوراء مقارنة بالتقرير السابق.

وإلى جانب ذلك كله تدفع الأزمة الحكومة للبحث عن حلول للحد من البطالة البالغة نحو 11.5 في المئة من تعداد سكان يبلغ 43 مليون نسمة عبر تحفيز المشاريع الصغيرة وتشجيع رواد الأعمال رغم مطبّات البيروقراطية لتعزيز مساهمة القطاع في إنعاش النمو.

11