معرض تونس الدولي للكتاب يحتفي بالقارئ الصغير

بات معرض تونس الدولي للكتاب مناسبة هامة للأطفال والناشئة التونسيين، الذين يقبلون على المعرض بكثافة لاقتناء الكتب ولمواكبة الأنشطة المعرفية أو الترفيهية الموجهة لهم، وهذا من أبرز المظاهر الحضارية والمثمنة في هذه التظاهرة السنوية، لكن يبقى نشاط المعرض الموجه للأطفال سنويا تغيب عنه شريحة هامة من الأطفال التونسيين لأسباب عديدة.
ماذا أعد معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الحالية للقارئ (وكذلك الزائر) الصغير الذي يرافق أهله في تقليد بات راسخا، ويستحسنه كل من يشاهد في زحمة المعرض أطفالا يتأبطون في بهجة، كتبا ورقية وإلكترونية بلغات عربية وأجنبية.
واضح أن هذه الدورة قد أولت عناية خاصة بفئة اليافعين من خلال “برنامج الأطفال واليافعين” الذي يضم أكثر من 170 نشاطا بمشاركة 125 مشاركا من تونس وخارجها. وقال مدير الدورة الحالية لمعرض تونس الدولي للكتاب، شكري المبخوت، إن هذه الدورة تراهن على الطفل وعلى خلق مكانة خاصة لكتاب الطفل ودعمه وإضفاء البعد الدولي عليه بمشاركة 19 دولة أجنبية، وستكون بولونيا ضيفة الشرف إلى جانب محافظة بنزرت على الصعيد المحلي.
وللتحرر من مركزية هذا الحدث الثقافي الواقع في إحدى ضواحي تونس الشمالية (قصر المعارض بمنطقة الكرم)، وإضفاء الحس الاحتفالي الشعبي عليه، تضمن البرنامج الثقافي خيمة تنشيطية للأطفال في شارع الحبيب بورقيبة، أحد أكبر شوارع مدينة تونس، حملت عنوان ” شارع اقرأ” وهو فضاء مفتوح للعموم، يتميز بطابع ترفيهي احتفالي في إطار البرنامج الموازي للمعرض.
الاهتمام بالناشئة
يرى متابعون أن هذا التركيز اللافت على الأنشطة التي تخص الطفل، بالإضافة إلى الاهتمام ودقة مراقبة وانتقاء المعروضات والمواد الموجهة لهذه الفئة العمرية، تأتي بعد “الفضيحة” التي هزت أروقة منشورات معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الماضية سنة 2018 بعد الكشف في أحد الأجنحة السورية عن وجود عنوان يحرّض على العنف والقتل موجه للأطفال ويطالبهم صراحة بسفك الدماء والقتال، في خطوة اعتبرها العديد تستهدف تسميم الصغار وتشويه عقولهم وتروّج لثقافة الموت.
انفتاح الناشئة على ثقافات وفنون مختلفة، وقادمة من أماكن بعيدة في الجغرافيا، يحفز ويستنهض الانتماء الإنساني
وأكدت آنذاك، إدارة معرض تونس للكتاب، التي كان يترأسها أيضا الروائي شكري المبخوت، في بيان لها، أنه تمّ إغلاق الجناح الذي خالف ترتيبات النظام الداخلي للمعرض من طرف لجنة شؤون العارضين، بسبب حرصها الشديد على “أن تكون كل المعروضات موافقة للقيم الإنسانية السامية الواردة بالدستور التونسي، وللإعلانات والمواثيق الحقوقيّة الدولية”، مضيفة أن “مثل هذه الممارسات التي تحرّض على العنف والكراهيّة والقتل، غير لائقة بالناشر العربي، لذلك يغلق كل جناح يصدر مثل هذه المنشورات“.
ويذكر أن هذا الكتاب الذي كان قد تسبب في إغلاق الجناح السوري، وأثار من بعد ذلك ضجة في الأوساط الإعلامية والثقافية التونسية تمثلت في اتهام بعض الأسماء العاملة داخل لجان المعرض بتسهيل الترويج لمثل هده المطبوعات، هذا الكتاب لصاحبه محمد عمر الحاجي، عرض للبيع بمبلغ 5 دنانير (أقل من 2 دولار)، تضمّن محتوى صادما موجها للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، حيث ظهر على غلافه رسم لطفل صغير “يطلب الشهادة” وخلفه راية داعش، واحتوى على أفكار تدعو إلى حمل السلاح وإراقة الدماء.
وتهدد إدارة معرض تونس الدولي للكتاب بإغلاق أي جناح يعرض كتبا تدعو إلى التطرف، مضيفة على لسان مديرها أنّ “معرض تونس حداثي ومدني، وملتزم بقيم الدستور التونسي وإذا تم تسريب كتب فنحن بالمرصاد لغلق الجناح برمته”. وهنا يتساءل محللون ومتخصصون في المجال البيداغوجي والتربوي: ما هو البديل لتفادي رواج مثل هذه المنشورات؟ هل بالمنع وحده تستقيم الأمور أم علينا ملء الفراغ والإتيان بالبديل المناسب وسط شح إنتاجي وإبداعي في مجال الكتاب الموجه للطفل.
الأطفال المغيبون
محاولة منها لتفادي مثل هذه العثرات والانزلاقات، أولت إدارة الدورة الحالية للمعرض المنشورات المقدمة للأطفال، وكذلك النشاطات الموازية، اهتماما خاصا من حيث الكم والنوع، وطرق الانفتاح على ثقافات أخرى سعيا لزرع قيم التسامح والقبول بالاختلاف في ذهنية الناشئة التي من غير اللائق أن تبقى رهينة فكر من لون واحد في عصر الحاجة القصوى إلى التقارب ونبذ التطرف والانغلاق.
وفي هذا الإطار، وضمن برنامجه المخصّص للأطفال، نظّم معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الحالية عرضا فولكلوريا راقصا من تقديم فرقة ” إسلام توغاسكو” من إندونيسيا و”روفنسيك” من بيلاروسيا بهدف تمكين الأطفال من الانفتاح على ثقافات مختلفة واكتشاف عوالم أخرى وذلك الثلاثاء 09 أبريل 2019 بالبهو الرئيسي لمدينة الثقافة وسط العاصمة التونسية.
ويرى متخصصون في علم نفس الطفل، أن انفتاح الناشئة على ثقافات وفنون مختلفة، وقادمة من أماكن بعيدة في الجغرافيا، يحفز ويستنهض الانتماء الإنساني في بعده الكوني لدى الطفل، ويجعله يشعر أن البشرية عائلة واحدة مهما اختلفت اللغات والأعراق والأديان.
بعد كل هذه المؤشرات التي تبدو، في مجملها، إيجابية من حيث المظاهر الاحتفالية، يأتي السؤال الذي قد يهدد بخيبة المسعى أمام كل النوايا والجهود، وهو كم من طفل قد غُيب عن مثل هذه التظاهرات الثقافية بسبب عوامل اجتماعية ومنغصات حياتية أخرى؟
هل تمثل جحافل هؤلاء الأطفال المقبلين على بهجة المعرفة والتعلم والاحتفاء بالكتاب، كل أطفال البلاد؟
هل ينسينا نشاط موسمي مثل معرض تونس للكتاب مآسي ما تعرض ـ وما يزال يتعرض ـ له أطفال ما يعرف بـ”المدارس القرآنية” من تحرش واغتصاب ذهني وجسدي كما حصل في منطقة الرقاب وسط البلاد التونسية؟
يجب أن نعرف أن الآباء الذين يصطحبون أطفالهم للمعارض ويمكنونهم من النشاطات الثقافية ليسوا كل التونسيين، وللأسف الشديد، فهناك من ما زال يقتني لأطفاله كتبا من نوعية ذلك الكتاب “الداعشي” الذي ضُبط في الدورة الماضية للمعرض.
ثمة “معارض ونشاطات ثقافية موازية” لمعرض تونس الدولي للكتاب، يقدم عليها قسم مخيف من الناس، وقد لا تبدو واضحة للعيان. وهي نشاطات تحدث في السر والعلن، ويُعلّم فيها التطرف ومعاداة الفكر الإنساني.
أما الفئة الأوسع من الأطفال التي لا نلمحها في المعارض فهي فئة الأطفال المحرومين بفعل الفقر الذي يمثل التهديد الأكبر لمجتمع يتباهى بأنه قطع خطوات مهمة نحو المدنية والالتحاق بالأمم المتقدمة.