معرض تشكيلي في كربلاء يبدع السلام

محنة الفن أنه الفن ذاته، ليعلن قدرته على صناعة الحياة.. ومهمة الفن أنه ليس رسالة موجهة، بل فعل وردّ الفعل معا، لأنه حين يأتي في وقته يكون قد حقّق الكثير مما يخطّط له ما بعد الموهبة التي تختلج في صور متعاطيه، وهو ما أتاه معرض فني مشترك لفنانين عراقيين من كربلاء رسموا الأمل العراقي الجديد بألوان الحياة.
الجمعة 2017/07/07
ألوان النصر

كربلاء (العراق) - نظم خمسة عشر فنانا تشكيليا كربلائيا وسط العراق معرضا أسموه “مشتركا”، ربما لم تكن له رسالة واحدة سوى أنه مقاومة الظلمة والسواد من أجل صناعة الحياة وممارسة حرية الرأي والفكر واختيار المواضيع التي يناقشها العقل وتختزنها الموهبة.

ولأن الواقع العراقي واقع حرب، فإن لا مجال لاختيار عنونة أخرى للّوحات الفنية سوى أن تمضي إلى الحرب، ولكن بطريقة الجمال، والاحتفاء بالانتصارات التي لم تأت من خلال رسم فوهات مدافع أو مشهدية للقتلى، بل من خلال مزج الألوان وتعدّد اللوحات واختيار الفكرة التي تؤدي إلى الجمال وتفتح الذاكرة على الأشياء الجميلة.

الفنانون الخمسة عشر رسموا ثلاثين لوحة، لكلّ فنانٍ لوحتان اتّسمتا بتنوع المخيال والمخيّلة وقد تحرّكوا بفرشاتهم لإعلان أن الجمال هو الذي يصنع النصر والحياة.

ولم يمنع اختلاف مدارسهم الفنية توحدّهم على جدران نقابة المعلمين التي رعت المعرض والاحتفالية المصاحبة له من كلمات وشعرٍ وعرض مسرحي وتكريم للمبدعين، والمدارس كانت ما بين التجريبية والتكعيبية والواقعية وكذلك الرمزية التعبيرية يوحدها اللون والفكرة بإضفاء الضوء على الواقع الذي يعيشه العراقي وتسارع الأحداث، وهو ما أفضى به الفنان فاضل ضامد أحد التشكيليين العراقيين مقدما لوحاته ولوحات الآخرين في قاعة العرض، حيث قال لـ”العرب” إن فناني كربلاء يسعون لرسم فرحة عراقية تبدأ من محلية المكان وتنطلق إلى مُديات أكبر، لرفد الحركة التشكيلية العراقية.

ويضيف “ما نرسمه لا يحمل رسائل فحسب، بل هو ضوءٌ يحمل قهر العراقي ذاته لكي يصل من خلال ضربة الفرشاة إلى كلّ مسؤول لكي يساهم ولو بشكل صحوة ضميرٍ في بناء العراق”.

وناقشت اللوحات جميعها كل ما يمكن ذكره عن العراق، بدءا من الملاحم الأسطورية وأسد بابل حتى الأهوار والحرب والطفولة والتجاعيد والبالونات والبساتين والخضرة، وما يمكن أن تشكّله صرخة امرأة فقدت ابنها في المعارك ضد داعش.

رسالة المعرض التشكيلي حملت رغبة الأمل النابعة من روح الفنانين التي أرادوها أقوى من أقوال سياسيّين ضيعوا البلد وتاه منهم التاريخ

وقدم الفنانون وهم فاضل ضامد وفاضل طعمة وعبدالأمير طعمة وكريم عطيوي ومحمد حاتم وعصام عبدالإله ومنصور السعيد، وكذلك جبار مهدي وأيضا عدنان شهاب وأياد زيني ومحمد جسوم وحازم الأشهب وعقيل مزعل، فضلا عن ثائر الكركوشي وعماد جواد، كلهم قدموا لوحاتهم ليس بطريقة البحث عن مناسبة لكي يكون العرض مسوقا، بل كان مخطّطا له أن يكون حاملا لروح الوطن وتطلّعه وبحثه عن ضوء المستقبل، وقد أرادوه قريبا من الناس يبحث في عيونهم عن لمسات التفكير المنغمسة في عطر الألوان وتشكلاتها التعبيرية، فكان الافتتاح كبيرا بجمهوره المتنوع الخالي من حضور المسؤولين.

وحملت رسالة المعرض التشكيلي رغبة الأمل النابعة من روح الفنانين التي أرادوها أقوى من أقوال سياسيّين ضيعوا البلد وتاه منهم التاريخ، ولم يعد أحد منهم يعرف ماذا يعني الفن؟ لذا كان جوابهم إن الفن وفي كربلاء المقدسة يعني البوح بما يمكن أن تؤدّيه اللوحة من احتماليات الأثر والتأثير في الواقع العراقي، لأن الفن يحمل بين روحه نبض الشارع ولون الحياة.

ويعد المعرض أكبر تظاهرة فنية منذ أحداث ومتغيرات عام 2003، ويأتي متزامنا مع الانتصارات العراقية، ولكن المشرفين عليه اعتبروه أيضا ليس محاولة للمغايرة بقدر ما هو محاولة للفت الانتباه إلى أن اللوحة أغنيةٌ يمكن -إن تم سماعها بشكلٍ جيد- أن تكون ذات تأثير قوي.

وانطلاقا من أهمية مفعول اللوحة اندرجت الألوان التي طغت على اللوحات بما يمكن قراءتها على أنها لوحات غائيةٌ، فأغلب الألوان كانت مفرحة، وقد تراجع اللّون الأحمر عن تسيّده لأغلب لوحات الفنانين مثلما تراجع اللّون الأسود كذلك. والمتابع للوحات يخلص إلى أن المعرض يبحث بطريقة ما عن هوية جديدة للتفاؤل، ليس من خلال المغايرة وفعل المعاكسة ومعارضة السائد والتهكّم على الواقع، بل من خلال جعل اللوحة ناطقة بالأمل، وبتأمّلها يفهم ماذا تعنيه بالمعارضة للسائد القاتم.

ولهذا حين نجد الأم وهي تبتسم أو الطفل الذي يرفع علامة النصر، أو أسد بابل وهو يعلو كلّ خطوط اللوحة المرافقة من موت النخيل والسماء الفاقعة والعربة بحمارها الذي يقوده الأطفال، أو النهر الذي

انعكس ظلّه على النهار أو حتى ما كان معنيا بالاحتجاج على مجزرة سبايكر، أو تلك الأسلاك الشائكة التي تطوّق الجمال، والوجه الأنثوي الذي استعيض عنه بعلامات دالّة على الحياة، فإن الفنان يقصد بطرح ألوانه التي زاد فيها الأخضر والأزرق والبرتقالي والأصفر، وتناوب معها اللّون الرصاصي في خاصيّة نطق الاحتجاج ذاته، العمر والبلاد، وأن يأخذ بالطفولة إلى معانٍ مختلفة، وإذا حضر اللون الأسود فإنه يعني البيئة، وإذا حضر وجه طفل متعب فإنه يعني إفساح المجال للأمل كي ينطلق، أمل حاضر في اللون والفرشاة والفكر، مثلما لا ينتج مناصرة للحرب، ولكنه يكتب بخطوط الأفكار أن الحياة بعد الحرب لا بد أن تكون بمعية صناعة السلام.

17