معرض باريسي يحتفي بحكايات لافونتان بنكهة شرقيّة

 كل حكاية تحمل مغزى ما غالبا ما يكون قيميا في عوالم فانتازية عجيبة أبطالها حيوانات ناطقة.
الأربعاء 2019/04/03
شخصيات عربية كتبها لافونتان

أثّرت حكايات كليلة ودمنة في الكاتب الفرنسي الشهير لافونتان، ودفعته إلى تقليدها في كتابة خرافات أبطالها من الحيوانات التي يقع أنسنتها، وعلى غرار كليلة ودمنة، تحمل كل حكاية أو خرافة مغزى ما غالبا ما يكون قيميا، سواء تعلق الأمر بالأخلاق أو الفكر أو القيم الإنسانية، وقد مثّلت هذه الحكايات مادة خصبة للاستقاء منها، خاصة في أعمال رسم المنمنمات.

تشكّل حكايات الفرنسي جان دو لافونتان مادة مغرية للمختصين في الأدب، وخصوصا في المنطقة العربيّة التي تتغنى بـ“كليلة ودمنة” التي تشترك مع حكايات لافونتان بأن أبطالها حيوانات ناطقة، لكن الاختلاف أن كلمة Fable التي اخترنا كلمة حكاية كترجمة أوليّة لها تثير جدلا نقديا، كون هذا النوع الأدبيّ يثير العديد من التساؤلات في علاقته مع المتخيّل من جهة وعدم القدرة على التحديد بدقة ما يندرج تحته من أشكال أدبيّة من جهة أخرى.

أشهر الخرافات

مادة مغرية للمختصين في الأدب
مادة مغرية للمختصين في الأدب

ترجم البعض كلمة fable بـ”خرافة”، وعُرِّفتْ كحكاية منظومة شعرا على ألسنة الحيوانات، ويُطرح لافونتان كمثال أوروبيّ، وكليلة ودمنة كمثال عربيّ، ما سبق نقرأه في حواشي إحدى ترجمات كتاب تريستيان تودوروف “مقدمة إلى الأدب العجائبي”، وما يثير الاهتمام أن هذه “الخرافات” تُردَّد على ألسنة الكبار والصغار، لما فيها من طاقة شعريّة جماليّة، وحكمة عصيّة على تغيرات الزمن وطباع الناس، ويشير تودوروف نفسه حين قراءة هذه الحكايات إلى تردد من نوع ما لدى القارئ، إذ عليه أن يتخذ قرارا بإحالة هذه الشخصيات إلى “الواقع” أو التسليم بأنها تنتمي إلى عالم فنتازيّ، ما يجعل معنى هذا النوع الأدبيّ مهدداً بـ“التلاشي” في حال لم يتخذ القارئ موقفا واضحا وثابتا من النصوص أثناء قراءته لها.

المتحف الوطني للفنون الآسيوية بباريس يقدم منمنمات في معرض "خرافات الشرق" نتعرف فيه على حكاياتها وخصائصها

شهرة لافونتان وأثر خرافاته الجمالي والشعريّ جعلتها محط إعجاب الكثيرين، ومنهم البارون فيليكس فويية الذي كان يعمل في وزارة الخارجيّة الفرنسيّة في القرن التاسع عشر، ويحلم بأن تُرسم لوحات عن حكايات لافونتان من قبل فنانين في كل أنحاء العالم، وما حصل أنه طلب من الفنان البنجابيّ “إمام باكاش” برسمها، وما كان من الأخير إلا أن أنجز بين عاميْ 1837 و1839 ستين منمنمة لا تتجاوز أبعادها العشر سنتمترات عرضا وطولا، نشرت حين الانتهاء منها في كتاب بطبعة محدودة على شرف فويية.

المنمنمات السابقة نراها في المتحف الوطنيّ للفنون الآسيوية في باريس في معرض بعنوان “خرافات الشرق” ونتعرف فيه على حكاياتها وخصائصها الجماليّة، وكيف أنجزها باكاش على أطراف جبال الهيمالايا، كما نشاهد لوحات له يصور فيها إقليم البنجاب ورسومات شخصية للمهراجات والحرس الملكيّ والمناظر الطبيعيّة هناك.

الغرب والشرق

Thumbnail

بالرغم من محاولات باكاش الحفاظ على أصالة تجربته، والتقاط ملامح البيئة المحيطة به، إلا أن البعض يرى أن اطلاعه على الرسومات الأوروبيّة التي أنجزت لمجموعة خرافات لافونتان، جعل بعض العناصر الغربيّ تتسلل منمنماته، إذ يقال إن السفن في منمنمة “المحارة والمتخاصمين” منسوخة من أعمال الحفر الأوروبيّة التي تعود للقرن السابع عشر، ذات الشيء في منمنمة “فيبوس وبورية” التي تبنى فيها باكاش شكل العربات الرومانيّة القديمة، كذلك يلاحظ في منمنمة “السمكة والصياد” أن الصياد يرتدي ثياباً عسكريّة فرنسيّة، مشابهة لتلك التي كان يرتديها الجنود الذين انتشروا في المنطقة في تلك الفترة، مع ذلك تطغى الخصائص البصريّة الأصيلة لمنطقة البنجاب على كل المنمنمات، إذ تنتشر الجوامع في الخلفيات ونتعرف على نظام الأزياء والزخرفة الإسلامية والمغوليّة في تلك الحقبة، كما نتلمس ملامح البلاط الملكيّ والفخامة التي يتميز بها.

الخرافات تُردد على ألسنة الكبار والصغار، لما فيها من طاقة شعرية جمالية، وحكمة عصية على تغيرات الزمن والناس

أبطال هذه القصص، الحيوانات، تحمل خصائص سحريّة تتجاوز قدرتها على النطق ونشر الحكمة، إذ أضاف باكاش ميزة أخرى، وهي عدم التطابق الكلّي مع الشكل الحقيقي/ الواقعي، ففي منمنمتيْ “الأسد والجرذ” و“الأسد المريض والثعلب”، نرى الأسود بشكلها الحقيقي لكنها تحمل وبر نمر وجلده، كما غيّر باكاش من أنواع الحيوانات، فالخراف في منمنمة “الغراب السارق يقلد النسر”، أصبحت ذات رؤوس رماديّة، كتلك التي تشتهر بها المنطقة، عوضاً عن تكون فرنسيّة بيضاء بالكامل كما في الأصل.

يحافظ باكاش على العناصر الثقافيّة الإسلاميّة، ففي “العجوز والشباب الثلاثة”، نشاهد كيف استبدل الأشجار بثلاثة قبور، كتب عليها آيات من القرآن الكريم، معيداً تأويل الحكاية المشهورة بصريّاً وجعلها أكثر ميلانخوليّة، ذات الشيء في الرسومات والمنمنمات الأخرى خصوصاً تلك التي تشير أصلاً إلى الشرق، والتي أضاف عليها مسحة من الهيبة والأبهة والاعتناء بالتفاصيل كما في “الفيل والفأر”، إذ نرى الهودج وتلك الزينة التي تعلو الفيل والعناية في تصويره، والمثير للاهتمام أنه من بين الرسومات بأكملها هناك واحدة فقط، موقعة باسم باكاش بشكل مرئيّ، وهي منمنمة “الحصان والذئب”.

14