معرض الكويت الدولي للكتاب يناقش حال الشعر في الإمارات وسلطنة عمان

الشعراء يبحثون عن أصواتهم بين قصيدة النثر والقصائد المنبرية.
الاثنين 2024/12/02
مبارك الجابري: الشاعرات العمانيات خلقن هويتهن الخاصة

استعرض معرض الكويت الدولي للكتاب، قبل أن يسدل الستار على فعاليات دورته الـ47، والتي اختتمت السبت بعد عشرة أيام من الندوات الفكرية والثقافية، والورش الفنية، والنقاشات الأدبية حول قضايا الشعر والسرد العربييْن، جوانب من الشعر الخليجي كاشفا ملامح تطوره خاصة في الإمارات وسلطنة عمان.

قبيل اختتامه ناقش معرض الكويت الدولي للكتاب أهم القضايا الشعرية في كل من الإمارات وسلطنة عمان. فكان جمهور المعرض على موعد مع جلسة بعنوان “أبعاد الذات والموضوع في قصيدة النثر”، التي استحضرت نماذج من الشعر الإماراتي في محاضرة ألقتها بالرواق الثقافي، الكاتبة الإماراتية مريم الزرعوني.

وتحدثت الزرعوني خلال محاضرتها عن قصيدة النثر التي رأت بأنها تعرضت وما زالت ومازالت تتعرض للجدل، وتوقفت خلال محاضرتها مع نموذجين من الشعر الإماراتي.

قصيدة النثر الإماراتية

موضوع الشعر العماني بين ماضيه وحاضره ومستقبله كان مثار حوار شارك فيه شعراء عُمانيون وكويتيون وعرب

قالت الشاعرة إن قصيدة النثر حديثة، ذات أصول غير عربية، حيث إنها أتت من الغرب رغم أن البعض يحاول أن يأتي لها بأصل عربي من خلال الشعر الصوفي. وضربت مريم الزرعوني مثالاً على ذلك بتجربة الفنان الأسباني بابلو بيكاسو في الفنون التشكيلية، حيث كانت بدايته تقليدية بفضل تأثره بوالده، لذا فقد كانت لوحاته الأولى كلاسيكية، ليصل في التجريب إلى الأسلوب التكعيبي، وقصيدة النثر، في رأيها، مرت وتمر في هذا السياق، ومع ذلك فإن لها شروطا في كتابتها منها الكثافة وإشراقة المفردة وأن تكون التجربة نابعة من تجربة ذاتية حتى لو تقاطع الموضوع مع الذات.

وأجابت المحُاضِرة عن سؤال طرحته على نفسها: لماذا تناولت هذا الموضوع؟ بالقول “إن شعر النثر أدى إلى انشقاق المشهد الشعري، ولدينا في الإمارات ما تزال المسألة ساخنة لم تبرد، الأمر الآخر هو إبراز دور قصيدة النثر.”

وطرحت في حديثها عن قصيدة النثر في الإمارات نموذجين للشاعرة ميسون صقر، والشاعر أحمد راشد ثاني، من خلال علاقتهما بالذاتية والموضوعية، موضحة أن الموضوعية حيادية، لا تعكس الذات، أو جهة النظر، وعكس ذلك الذاتية التي تركز على انفعالات الشاعر وذاته، وقالت: قصيدة النثر الإماراتية عانت نوعا ما من المجابهة والمواجهة من محبي القصيدة الكلاسيكية.

وبيّنت أن تجربة الشاعرة ميسون صقر مع قصيدة النثر أسبق من تجربة أحمد راشد ثاني، لأن طبيعتها مختلفة كونها امرأة تعلمت وعاشت في مصر، حيث كانت أكثر انفتاحا، أما ثاني فقد تعلم في الإمارات وعمل فيها وكانت تجربته مختلفة. ثم تطرقت مريم الزرعوني، إلى الصراع بين الحداثة والتراث وبين الهوية والانتماء، مع المتغيرات التي حدثت في الواقع الاجتماعي والتحول من النظام القبلي إلى المدينة التي نعيش فيها بغربة أكثر.

وقرأت قصيدة محورها “البيت” للشاعر أحمد راشد ثاني: “اقتربت الساعة من الاشتعالِ،/ طيور أنفاسي تمزَّقت،/ وانطلقت بكل أصواتها المحترقة/ في سماءٍ توشكُ على التصدُّعِ:/ مرآتي./ مرآتي أيتها الذاهبة قيامة،/ أيتها النافذة/ على أعماقي”.

موضحة أن الذات حاضرة في القصيدة بثقل، وأن الشاعر عبر عن موضوع العزلة والوحدة، من خلال تجربته الذاتية، فهذا العالم مملوء بالضجيج إلا أنه وحيد، وقال الشاعر في قصيدته: بينما أنا جالس/ في ذيّاك “الحوش”،/ تحت تلك “الشريشة”/ على أمواج من قلقٍ،/ أسمعُ من خلف الجدران/ صبيان الآخرين يتراكضون. كما تحدثت – كذلك – عن قصيدة النثر التي تخلو من الإيقاع الموسيقي، وتتميز بأساليب أخرى مثل التعداد والتكرار.

واختتمت الزرعوني محاضرتها بالحديث عن قصيدة الشاعرة ميسون صقر، والتي محورها أيضا البيت، والتي ذكرت فيها صوت الأنثى المطبخ… الزيت على الجدران… والشبابيك، وأن أهم ما عند ميسون صقر التعداد فللبيت دور في تشكيل الإنسان، من خلال الذكريات، حيث إن ميسون علاقتها قوية بالبيت الذي يعود إلى والدها، أما ثاني فالبيت تعبير عن الوحدة والحزن، كما أن الإيقاع عند ميسون صقر سريع وفيه أمل وعند ثاني فيه بطء وقتامة وقلق.

الشعر في عُمان

حح

كان للشعر العُماني حضوره في فعاليات ونقاشات الشعراء والنقاد، بالدورة الـ47 من معرض الكويت الدولي للكتاب. وقد حظيت الأمسيات والندوات التي شارك فيها ضيوف المعرض من سلطنة عُمان، باهتمام الجمهور، كما كان موضوع الشعر العماني: ماضيه وحاضره ومستقبله، مثار حوار شارك فيه شعراء عُمانيون وكويتيون وعرب.

وخلال جلسة حوارية ألقى خلالها بعضا من أشعاره، وتحدث فيها عن رحلته مع الشعر، قال الشاعر العُماني حسن المطروشي، إن الأصالة في الشعر هي التجديد، وأكد على أنه “عنصر أساسي في الشعر أن يتجدد” وشدد على أن قصيدة النثر قصيدة أصيلة، وأضاف بأن أصالة الشعر تتحقق بالتجديد والوعي وتقديم “قصيدة متقدمة.”

ورأى المطروشي، خلال الجلسة التي شهدت مداخلات من الشاعر دخيل الخليفة والشاعر الدكتور النوي عبدالراضي، أنه لا بُدّ أن يكون لدى الشاعر مشروع ورؤية شعرية ويدري جيداً إلي أين تتجه خطواته.

وأضاف بأنه استطاع أن يزواج بين الأصالة والتجديد دون أن يقع في فخ المباشرة أو الإيقاع الزائد، وأن مفردات قصيدة النثر هي ذاتها التي تجدها في القصيدة العمودية، وأشار إلى أنه لا يمكن لجنس أدبي أن يقصي جنساً آخر. إلى أن الشعر حاجة روحية ماسة للإنسان.

وأوضح بأنه لا بد من لغة جديدة، رؤى جديدة للحفاظ لكي تتحقق أصالة الشعر وتبقى، وأنه لا يجب أن يظل الشعر في قوالب نسجها الأجداد، وأنه يجب أن يتم التعامل مع التراث الشعري بوعي ورؤية معاصرة.

هناك شروط لكتابة قصيدة النثر منها الكثافة وإشراقة المفردة وأن تكون نابعة من تجربة ذاتية مليئة بالتقاطعات

وتحدث الشاعر العُماني حسن المطروشي، عن بعض المفردات في شعره، مثل البحر الذي يمثل بالنسبة إليه أباً وحكيما، والمطر الذي قال بأنه يشكل له حنيناً خاصا مع مفردات أخرى مثل السفر الذي يُحبه. وفي سياق متصل، شهد معرض الكويت الدولي للكتاب، محاضرة حول “الشعر العُماني المعاصر”، ألقاها الدكتور مبارك الجابري، الذي تحدث بتوسع عن الحركة الشعرية في سلطنة عمان قديماً وحديثاً، وما تضمنته من تطوير على مستوى الشكل والمضمون، وصولاً إلى قصيدة النثر.

وقال الجابري خلال المحاضرة “سأحاول أن أمرحل الشعر العماني، وأضعه في مراحل، أبدأ فيها من المرحلة الأولى التي هي أقرب إلى المعاصرة، وهي مرحلة ناصر بن سالم البهلاني الرواحي العبسي، الذي يعرف بأبي مسلم البهلاني الذي ولد في مدينة وادي محرم ببلاد بني رواحة في عمان في سنة 1273 هجرية، وقيل في سنة 1277 هجرية، ونشأ وترعرع منذ ولادته في حضن عائلة كريمة معروفة بالعلم والصلاح حيث كان والده قاضيا في عهد الإمام عزان بن قيس، كما كان جده الرابع عبدلله بن محمد قاضيا كذلك في وادي محرم في عصر دولة اليعاربة، وتوفي عام 1920م.”

وتابع بقوله “كان لأبي مسلم علاقات بأعلام الإصلاح في عصره مثل الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي وسليمان باشا الباروني وأمحمد بن يوسف أطفيش الجزائري، وأصدر الشاعر جريدة النجاح، والتي تعد من أوائل الصحف العربية ظهورا، وترك ذخيرة كبيرة من المؤلفات.”

وأشار الدكتور مبارك الجابري، إلى أن مرحلة البهلاني مهمة في الحديث عن الشعر العماني وهو منطلق أساسي للحديث عن بعض التجارب المهمة قبل الوصول إلى قصيدة النثر، من خلال تجربة عبدالله الطائي وهو شاعر معروف وأقام في الكويت فترة من الزمن، وتجربة الشاعر عبدالله بن علي الخليلي.

ثم انتقل الجابري بالحديث إلى قصيدة النثر، وأبرز المعالم التي يمكن من خلالها إعطاء صورة واضحة لها، كما تطرق في ورقته البحثية بالحديث عن بعض التجارب النسائية للشاعرات العمانيات اللائي خلقن هويتهن الخاصة بالشعر العماني.

وفي المرحلة الأخيرة توقف المُحاضِر عند معلم مهم في الشعر العماني، وهو العودة مرة أخرى إلى الجمهور، والمنبر عبر مجموعة من الشعراء الذين عادوا إلى الشكل العمودي أو شكل التفعيلة بصورة الإيقاع الصاخب، الذي يستهوي عادة الجمهور ومنهم بعض الشعراء والأسماء التي برزت في المشهد الشعري اليوم، ومعروفة ليس في عمان فقط بل في الخليج والعالم العربي، موضحا أن بدايته انطلقت من قصيدة النثر في عمان، ولكن توسعت لاحقا لتشمل الخليج العربي بشكل عام، وأن اختصاصه تحديدا قصيدة النثر في الخليج العربي، ولديه تواصل مع بعض الشعراء المهمين في الكويت.

13