معرض الرياض للكتاب يكرس البعد الشعبي للفعل الثقافي

السعودية تراهن على الثقافة في تحقيق رؤيتها الجديدة.
الأربعاء 2022/10/05
معرض الرياض جعل الثقافة عادة اجتماعية

تستمر فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب هذه الأيام مقدمة مثالا حيا على أهمية الثقافة في قيادة المجتمع نحو التغيير والتنوير، وهو ما تتوخاه السعودية، التي لا تعد هذه التظاهرات جديدة عنها، بل هي ضاربة في القدم، وهي اليوم مثال على برنامج تحديث شامل تخوضه السعودية، والثقافة أهم ركائزه.

ما فائدة كتاب لا تلمس ورقه بأصابعك إن أنت اقتنيته أو اشتريته. والأبعد من ذلك كله: ما ضرك لو التقيت مؤلفه وناشره وقارئه، ناقشتهم محتواه، سمعت واستمتعت بمختلف الآراء والوجهات ضمن احتفالية موسمية تبعث البهجة وحب الحياة.

معارض الكتاب هي أنبل وأرقى تكريم يمكن أن تناله الثقافة بوصفها آخر وأنفس ما يحتفظ به العقل البشري في حالة النسيان المطلق، ذلك أنها فضاءات تؤسس لأشد الحوارات احتفاء بالإنسان.

البعد الشعبي

تعيش المملكة العربية السعودية هذه الأيام على إيقاع معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يقام سنويا في مدينة الرياض، ولها باع وتاريخ طويل مع مثل هذه التظاهرات الثقافية التي ما انفكت تتكرس أكثر ويعاد إليها الاعتبار بعد توضيح المسار التنويري ضمن البرنامج التحديثي الذي بدأته المملكة منذ سنوات.

ويمثّل معرض الرياض الدولي للكتاب منصة للشركات والمؤسسات والأفراد العاملين والمهتمين بقطاعات الأدب والنشر والترجمة؛ لعرض مؤلفاتهم وخدماتهم.

ويهدف هذا المعرض الذي بات مقصدا عربيا ودوليا، إلى تعزيز وتنمية شغف القراءة في المجتمع، وزيادة الوعي المعرفي والثقافي والأدبي والفني، كما يعرفه القيمون عليه، بالإضافة إلى تحفيز الأفراد على زيارة معرض الكتاب للاطلاع واقتناء المصنفات الثقافية والأدبية والتعليمية، وحضور المؤتمرات وورش العمل والندوات والمحاضرات الثقافية والأدبية والفنية والمبادرات المصاحبة للمعرض.

ويشكل المعرض حدثاً ثقافياً مهماً في المشهد الثقافي العربي؛ بوصفه أحد أهم معارض الكتب العربية من حيث عدد الزوار وحجم المبيعات وتنوع برامجه الثقافية، ومن حيث مشاركة أبرز دور النشر العربية والإقليمية والدولية.

وبالعودة إلى علاقة أرض السعودية بمثل هذه التظاهرات الثقافية، فإنه، وإذا كان للعرب من منجز تاريخي يتباهون به أمام الأمم الأخرى، فهي تلك الملتقيات الأدبية والعكاظيات الشعرية التي تنشط على هوامشها تبادلات أخرى. وتنتسب كلها في الأصل إلى سوق عكاظ، أحد أهم أسواق العرب وأشهرها منذ فترة ما قبل الإسلام.

يقع عكاظ في شمال شرقي مدينة الطائف، وهو يحمل أهمية تاريخية حيث كان العرب يجتمعون فيه للبيع والشراء، ويستمعون إلى الشعراء والخطباء، وقد سجل التاريخ لسوق عكاظ دوراً أدبياً بارزاً في صدر الإسلام وعصر بني أمية، واستمر السوق إلى منتصف القرن الثامن.

الثقافة السعودية تمضي واثقة الخطى ومتأكدة من اختياراتها، بل وستتصدر دول المنطقة في الإنتاج الفني والفكري

أعيد إحياء هذا السوق بعد انقطاع دام 12 قرنا، لتنطلق أولى دوراته عام 2007 وتم توسيع الأنشطة والمشاركات والمسابقات في الأعوام التالية، حتى أصبح الملتقى تظاهرة ثقافية عربية كبرى ذات شخصية فريدة ومميزة، وأصبحت جوائزه محط أنظار واهتمام المبدعين والمثقفين من مختلف أرجاء العالم العربي.

هذا الربط بين القديم والحديث فيما يخص الاحتفاليات الثقافية، من شأنه أن يكرس بعدا شعبيا للفعل الثقافي، ويجعله خبزا يوميا وعادة فولكلورية تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.

إن أخطر ما يصيب الثقافة هو القطيعة بينها وبين محيطها الاجتماعي، لذلك كان لا بد من جعلها متآلفة مع بيئتها فلا يحس المثقف بالغربة فيها بل ينبغي أن يشعر بأنه يخاطب أهله داخل نسق من حرية الالتقاء والاختلاف.

وكم جميل أن تتكرس هذه العادة الحميدة المتمثلة في استضافة دولة يقع تكريم ثقافتها بشكل مميز واستثنائي كما حصل مع الثقافة التونسية التي تحل ضيفا مكرما هذا العام في معرض الرياض الدولي للكتاب.

تأتي أهمية هذا الأمر من كونه تمثلا لرسالة الثقافة المتمثلة في التقارب بين الشعوب أولا، بالإضافة إلى خصوصية هذا التكريم السعودي لتونس في توأمته لثقافتين ضاربتين في التاريخ، وفي مقاربته بين تجربتين تتشابهان وتلتقيان اليوم، أكثر مما مضى، في الرغبة في التحديث والتطوير، والعزم على تطهير الإرث الثقافي من شوائب السلفية والتحجر والانغلاق.

التحديث الثقافي

معرض

لا يختلف اثنان في أن المملكة تقود اليوم، قاطرة التحديث بمنتهى الثقة والسرعة، ولكن دون تسريع وبالكثير من مراعاة الخصوصية الاجتماعية.

ومن يشكك في هذا الأمر ويرى فيه ضربا من ضروب المبالغة أو القفز على الطبيعة المجتمعية للمملكة فليلتفت إلى الوراء ببضعة عقود من الزمن، حين كانت توجد في السعودية صالات مسرح وسينما وغير ذلك من النشاطات الثقافية.

كل ما في الأمر أنه حدث بعض سوء التقدير لأهمية الانفتاح الثقافي بفعل بعض المستشارين المخطئين أو المنغلقين.

معرض الرياض الدولي للكتاب حدث ثقافي مهم في المشهد الثقافي العربي بوصفه أحد أهم المعارض العربية

الآن، وقد عاد الدر إلى معدنه، تمضي الثقافة في السعودية واثقة الخطى ومتأكدة من صحة اختياراتها بل وستتصدر دول المنطقة في الإنتاج الفني والفكري لتعم الفائدة على الجميع، فلا شيء أكثر أهمية من بلد غني بثرواته الطبيعية والبشرية.

أما تونس فلا خيار لها سوى السير على نفس الخطوات والنسج على نفس المنوال، خصوصا بعد تجربتها المريرة مع عشرية سوداء من حكم الإسلاميين وحلفائهم من الفاسدين.

معرض الرياض الدولي للكتاب، يكتسي أهميته في جعل الثقافة عادة اجتماعية لكل الطبقات والفئات العمرية، وذلك بعد أن فشل المتحجرون في جعل الانغلاق ثقافة اجتماعية.

وبعد تأسيس هيئة الأدب والنشر والترجمة ضمن الهيئات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة في السعودية، انتقلت لها مسؤولية تنظيم وإشراف المعرض، حيث تعمل على تعزيز مكتسبات ومكانة معرض الرياض الدولي للكتاب في خارطة معارض الكتب الإقليمية والدولية، وإضافة التطوير اللازم لمواكبة رؤية المملكة 2030 المعززة والمحفزة لصناعة الثقافة باعتبارها من مقومات جودة الحياة.

12