معاناة مزدوجة لفاقدي الهوية في غزة دون أفق للحل

السلطة الفلسطينية أصدرت جوازات سفر لفاقدي الهوية في قطاع غزة سميت بـ"الجواز المصفر".
السبت 2021/10/30
معضلة مركّبة

غزة – لا تتمالك الفلسطينية آلا عابد، وهي من سكان قطاع غزة، دموعها وهي تروي معاناة انتظارها منذ سنوات للحصول على بطاقة هوية تخولها السفر إلى الخارج.

وتسعى عابد، وهي في منتصف العشرينات من عمرها، لاستصدار بطاقة هوية تتيح لها الحصول على جواز سفر لتتمكن من الالتحاق بخطيبها أسامة الذي يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة.

غير أن جهودها لم تنته إلى نتيجة منذ ثلاثة أعوام، فكل ما حصلت عليه بطاقة تعريف غير رسمية لا تخولها السفر كونها غير معترف بها لدى الجهات المختصة خارج الأراضي الفلسطينية.

ندى نبيل: عدم الحصول على بطاقة هوية يسلب المتضررين حقوقهم
ندى نبيل: عدم الحصول على بطاقة هوية يسلب المتضررين حقوقهم

وتقول عابد إنها جربت كل الوسائل المتاحة لاستصدار بطاقة هوية ومن ثم السفر سواء بالتنسيق أو غيره لكنها لم تفلح في ذلك ما يجعلها حبيسة قطاع غزة حتى إشعار آخر.

وتضيف أن “أصل المنع من سفري متعلق بنوعية الجواز المصفر الذي أمتلكه وهو جواز ليس له رقم حقيقي لعدم امتلاكي هوية فلسطينية كون عائلتي من العائدين من الخارج” والذين أوقفت إسرائيل إصدار هوية لهم منذ عام 2008 فغاب لم الشمل عنهم.

وفي إطار إيجاد وثائق بديلة للهوية أصدرت سلطة حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة بطاقات تعريف (هوية زرقاء) لتسهيل المعاملات اليومية الداخلية لفاقدي الهوية في القطاع، مثل الزواج والعلاج والدراسة والتوظيف والمعاملات الحكومية.

إلا أن هذه البطاقات غير معترف بها من السلطة الفلسطينية ومن كافة مؤسساتها في غزة، كما أن حامليها لا يستطيعون السفر لأي سبب بما في ذلك العلاج أو التعليم أو أداء الشعائر الدينية.

وفي المقابل أصدرت السلطة الفلسطينية جوازات سفر لفاقدي الهوية في القطاع سميت بـ”الجواز المصفر” كونه يفتقد إلى رقم حقيقي وصحيح في خانة الهوية ويوضع بدلا منه رقم وهمي يبدأ بصفرين لكنه غير معترف به من إسرائيل ومصر والأردن ما يجعله دون قيمة في ما يتعلق بالسفر.

وبانتظار إنهاء معاناتها لا تجد عابد وسيلة سوى الاتصال عبر الإنترنت للتواصل مع خطيبها، فيما يبقى سفرها أشبه بالمستحيل الذي تعيش معه أياما جديدة من الانتظار في وقت تتشابه فيه اليوميات وكلمات الصبر.

والخشية هنا أن يصبح الانتظار المؤقت دائما، فالبطاقة زرقاء اللون التي لا تملك عابد بديلا عنها هي مجرد بطاقة تعريفية وليست هوية رسمية حيث تمكن حاملها من تسهيل أموره داخل قطاع غزة فقط ولا يتمكن من خلالها من التنقل إلى الخارج.

وتعد بطاقة تحقيق الشخصية من أهم الوثائق الوطنية الرسمية للأشخاص، حيث تحتوي على اسم الشخص وتاريخ ميلاده ومكان إقامته وجنسيته وغيرها من البيانات التي تفيد في إثبات هويته.

وبما تمثله الأهمية الكبيرة للهوية تمكن صاحبها من التمتع بامتيازاته بموجب حق المواطنة، فإن فاقدي الهوية من الفلسطينيين يحرمون من ممارسة مجموعة أساسية من حقوقهم لعدم حصولهم على الهوية.

وتقدر منظمات حقوقية أن الآلاف من الفلسطينيين بالتحديد في قطاع غزة محرومون من استصدار بطاقة هوية بسبب عدم وجودهم في الأراضي الفلسطينية أثناء إجراء السلطات العسكرية الإسرائيلية تعداد السكان للفلسطينيين في القطاع عام 1967.

ودخل هؤلاء إلى قطاع غزة إما قبل عام 2000 من خلال تصاريح الزيارة الممنوحة من السلطات الإسرائيلية وبقوا في القطاع أو بعد عام 2000، سواء كان ذلك أثناء الفترات التي تم فيها اختراق الجدار الحدودي بين مصر وغزة أو عبر الأنفاق الأرضية التي كانت منتشرة قبل عام 2014.

إيجاد وثائق بديلة للهوية
إيجاد وثائق بديلة للهوية

وتسبب عدم التمكن من استصدار بطاقة هوية شخصية في منع المتضررين جراء ذلك من ممارسة مجموعة من حقوقهم الأساسية وفي مقدمتها حرية التنقل مع ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية على مجمل حياتهم.

ويعاني فاقدو الهوية من سلسلة من المصاعب الأخرى في حياتهم منها رفض البنوك إقراضهم، أو اعتماد كفالتهم بناء على تعليمات سلطة النقد الفلسطينية، فيما لا يسمح لهم بإجراء المعاملات البنكية إلا في حدود ضيقة جدا.

وبموجب اتفاق أوسلو للسلام المرحلي الذي وقع عام 1993، فإن للسلطة الفلسطينية حق إصدار بطاقة الهوية وتحديث السجل السكاني بشرط الحصول على موافقة إسرائيل التي أوقفت هذه الإجراءات منذ عام 2009.

وتظهر إحصائيات وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية أن إسرائيل وافقت على 12326 طلبا من طلبات جمع الشمل لسكان القطاع في الفترة الممتدة من أكتوبر2007 إلى نهاية عام 2008، وأصدرت بطاقات هوية بعدد الطلبات الموافق عليها.

غير أن جميع الطلبات التي نظرت فيها السلطات الإسرائيلية لم تشمل الفلسطينيين الذين دخلوا إلى قطاع غزة بشكل غير قانوني، وإنما فقط طلبات الفلسطينيين الذين دخلوا القطاع هم وأفراد عائلاتهم بطريقة قانونية أي باستعمال تصاريح الزيارة الإسرائيلية.

ومنذ عام 2008 جمدت إسرائيل تسوية المكانة القانونية للفلسطينيين في القطاع فاقدي الهويات، وبقيت أكثر من 5000 حالة عالقة إلى اليوم.

وتؤكد الناشطة الحقوقية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ندى نبيل أن إسرائيل ملزمة باحترام القانون الدولي في جميع تعاملاتها مع السكان في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك إنهاء الرفض التعسفي لمنح بطاقات الهوية للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة.

وتبرز نبيل أن أزمة عدم الحصول على بطاقة هوية شخصية تؤثر على التركيبة السكانية في قطاع غزة وتسلب المتضررين من ذلك حقوقهم الأساسية غير القابلة للمس.

وتشدد على ضرورة إلغاء إسرائيل القيود على حق إقامة المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة وإنهاء تجميد طلبات جمع الشمل، فضلا عن ضرورة وضع السلطة الفلسطينية آلية جديدة تتمثل في استئناف وتحديث الطلبات الخاصة بفاقدي الهويات.

2