معاملة الوالدين الخاطئة وراء تشبه الفتيات بالأولاد

الميل للجنس المغاير لا يعود فقط لأسباب خلقية، والمجتمع يسارع لإطلاق الأحكام دون البحث في دوافع الميل للجنس الآخر.
الاثنين 2019/01/28
البيئة الأسرية أساس التوازن

تلاقي الفتاة التي تختلف عن بنات جنسها في مظهرها أو تصرفاتها نظرات منتقدة من محيطها الاجتماعي والأسري وقد تواجه العنف اللفظي والسخرية خصوصا في حال كان مظهرها شبيها بالرجال، وقد يلاقي الولد الذي يشبه في هيئته أو سلوكه الفتيات تعاملا أسوأ وازدراء يصل إلى درجة النبذ، ويرجح المختصون أن هذه الحالات ترجع إلى مشكلات نفسية مثل عدم التكيف مع الجنس والتي يعزوها مختصون إلى التنشئة والتربية ما لم يتسبب فيهما خلل بدني أو هرموني.

القاهرة - تُحاصر الفتيات اللواتي تشبهن الذكور أو الأولاد الذين يشبهون الفتيات في الشكل أو السلوك بإطلاق أبشع النعوت والصفات وبأحكام أخلاقية قاسية في المجتمعات والعائلات العربية. ولا يحاول المنتقدون والساخرون من هؤلاء الناس البحث في الدوافع والأسباب التي قد تكون بدنية وخلقية خارجة عن نطاق رغبتهم أو تكون لأسباب نفسية ارتبطت بعوامل تربوية وتنشئة أسرية واجتماعية غير متوازنة.

وبعيدا عن الحالات المرضية فإن البعض من الفتيات والشبان قد يلاقون الانتقادات بسبب المظهر لأنه يبدو شبيها بالجنس المغاير رغم أنهم اختاروه لمجرد الراحة النفسية.

وتقول نهلة وهي سكرتيرة تنفيذية “أفضل الشعر القصير والسراويل الفضفاضة والأحذية الرياضية ولا أجد وقتا للتسريحات المعقدة ولست مولعة بالماكياج، هذه الهيئة تبدو لي مريحة وعملية، أنا فتاة جادة أحاول أن أشق طريقي للعمل بعيدا عن الأحلام التقليدية وأرى أن النظرة التي تشبهني بالذكور تسيء إلى صورة الفتاة الجادة التي تسعى لتكوين شخصية قوية بعيدا عن سيطرة الرجل”.

وتعتبر أستاذة علم النفس التربوي نادية عبدالرحمن، أن هناك أكثر من سبب لعدم التكيف مع الجنس إذ نجد رجلا يشعر بالميل للأنوثة وفتاة تميل أكثر للرجولة، وأبرز أسباب ذلك التنشئة الأسرية فهي تلعب دورا محوريا في ما يتعلمه الطفل في مجال تحديد هويته الجنسية، وهو الاستخدام الصحيح للأسماء والضمائر المناسبة في التعبير عن جنس الفرد، حيث يشير الوالدان إلى جنسه في لغتهم وبمرور الوقت يميز الطفل الفرق بين الولد والبنت، وبالتالي يتمايز سلوكه ويستمر عند الكبر.

ويتطور هذا التمايز إلى حد كبير على أساس التوحد والقدوة؛ بمعنى أن الولد يتبنى سلوك والده والبنت تتبنى سلوك والدتها. وهناك دراسات في هذا الصدد أثبتت أن الأطفال الذين فصلوا عن آبائهم مدة طويلة كانت خصائص الذكورة لديهم أقل وضوحا بالقياس مع الأولاد الذين كان آباؤهم معهم بشكل مستمر وكانت درجاتهم أيضا أقرب إلى النموذج الأنثوي منه إلى الذكوري.

التنشئة الاجتماعية تلعب دورها منذ الولادة. وهنا يبرز دور الوالدين في تشكيل السلوك المناسب لجنس الطفل

وتؤكد عبدالرحمن أن هذا يبين تحديد الدور الجنسي ولا يحدث بطبيعة النمو البيولوجي وحسب، أي أنه لا يحدث لمجرد أن الولد ولد والبنت بنت، وإلا فكيف نفسر أن بعض الأولاد يكونون على درجة عالية من الذكورة وغيرهم على درجة عالية من الأنوثة؟ ويثبت ذلك أن التنشئة الاجتماعية تلعب دورها منذ الولادة وتستمر عن طريق الملاحظة والتقليد. وهنا يبرز دور الوالدين باعتبارهما المحور الأساسي في تشكيل السلوك المناسب لجنس الطفل.

وعن الحالة النفسية لهؤلاء تشير عبدالرحمن إلى أن المشكلة تتمثل في أن الشاب عندما يفقد شيئا من أعراض الرجولة الثانوية، فإنه يشعر بالضيق وعدم التوافق النفسي مع الآخرين. والقاعدة الأساسية لمثل هذه الظواهر تعتمد على الشخص نفسه إذ يجب أن يكون متقبلا لما لا يستطيع أن يغيره فكلها أعراض ليس لها علاج.

وتضيف المختصة النفسية أن هذه الحالة تعود إلى دوافع كثيرة موجودة في المجتمع وليس في التكوين النفسي للفتاة، لأننا نجد في الحياة أكثر من نموذج وليست حالة فردية واحدة وقد يكون الأمر رد فعل على ما يحدث للإناث من قهر واغتصاب قد دفع الكثيرات منهن إلى اكتساب المظهر الخشن، وفي بعض البلدان تتعلم البنت رياضات الدفاع عن النفس بما أن التغير يكون على مستوى المظهر فقط وتظل الصفات الأساسية للأنوثة كامنة؛ فالفتاة عندما تندمج في علاقة عاطفية تتنازل عن هذا السلوك لتبرز معالم أنوثتها.

التنشئة الأسرية تلعب دورا محوريا في ما يتعلمه الطفل
التنشئة الأسرية تلعب دورا محوريا في ما يتعلمه الطفل

ويرى استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية للرجال شوقي عبدالعزيز، أن علامات البلوغ عند الرجال معروفة واختلافها من شخص إلى آخر تحكمه عوامل وراثية، وهناك عوامل بيئية مؤثرة وقد يكون البالغ اكتملت فيه علامات الذكورة من صوت خشن وقوة جسدية وإنبات الشعر، ولكنها تظل كامنة بفعل عوامل نفسية أو وراثية.

ويكشف عبدالعزيز “من خلال تجربتي، فقد حضر شاب مع والدته يشكو من عدم البلوغ وبينت التحاليل أن حالته طبيعية وأن والدته التي تفتقد البنات تعامله معاملة البنات فتناديه باسم مؤنث وهكذا، فأخذ علامات الأنوثة وتطبع بها منذ صغره، مع أن تكوينه البدني تكوين رجل. وهناك أيضا الأسر المتشددة تربويّا ودينيّا والتي ينشأ فيها الولد خجولا وتهرب الفتاة للذكورة، وأيضا الطفل الذي يتربى وسط فتيات تكون طباعه ناعمة لكنه يبقى ذكرا. أما الحالات المرضية التي يتم اكتشافها من خلال الفحص وتكون نسبة هرمون الأنوثة فيها عالية فإن لها علاجا.

ويؤكد استشاري الطب النفسي ماجد الشناوي، أن الشاب الناعم في صوته أو ملامحه موجود في مجتمعاتنا ويمكن أن تظهر عليه البوادر في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الرشد ولا يعتبر معظمها اضطرابا أو مرضا إلا إذا أكدته التحاليل. وفي مرحلة الطفولة تنتشر ظاهرة الولد الناعم أكثر منها في مرحلة المراهقة والرشد؛ ويعود ذلك إلى عدم نضج الغدد الجنسية المسؤولة عن إفراز الهرمونات الجنسية التي تعطي الملامح الذكورية.

وفي المراهقة قد يتأخر البلوغ عند بعض الذكور إلى ما بعد السادسة عشرة ويسبب ذلك قلقا للبعض. ويضيف الشناوي “أستطيع أن أؤكد أن هذه الظاهرة تعود إلى عوامل وراثية وليست مرضية، وهنا لا بد من إبعاد المخاوف والأوهام لأن ذلك لا يعني نقصا في الرجولة… وحتى في مرحلة الرشد، يكون هناك رجال لا يميلون إلى العنف والحدة وبعضهم لطيف ولا يرفع صوته وبالطبع ليس هذا مرضا”.

21