معارض ملفَقة من أجل المال

يدخل معرض رودان - بيكاسو الذي تشهده باريس هذه الأيام في إطار المعارض قليلة التكلفة التي تدرّ أموالا كثيرة. تلك معارض تنطوي على غاية تجارية واضحة بالرغم من أنها تعتمد على أعمال فنية هي من أكثر الأعمال روعة في التاريخ البشري.
ولقد دأبت المتاحف العالمية بين الحين والآخر على إقامة ذلك النوع من المعارض في ظل الإيهام بوجوه شبه بين فنانين عاشا ظروفا متشابهة أو عملا معا أو حملا الأفكار نفسها. وهو شبه يصدقّه الكثيرون بالرغم من عدم وجوده واقعيا.
منسقو تلك المعارض وهم غالبا ما يحتلون مناصب مهمة في المتاحف يستندون إلى حقيقة أن الجمهور يصدّقهم في كل ما يقولونه ويثق بهم. لذلك فهم عن طريق تلك الفرضية يسعون إلى تضليل وخداع الجمهور بأفكار هي من صنعهم ولا علاقة لها بما يُعرض من أعمال.
فمَن يقول إن هناك شبها في التجربة أو الأسلوب بين بيكاسو ورودان هو كمَن لم يتعرّف على عالمي الفنانين اللذين أحدثا تحوّلا عظيما، كل في مجال عمله. بيكاسو في الرسم بالرغم من أنه حاول أن يكون نحاتا وخزافا، ورودان في النحت بالرغم من أنه مارس الرسم وكان رساما جيدا. أما بالنسبة إلى الموضوعات فإنها متاحة لكل إنسان.
يمكننا أن نتحدّث عن موضوع بعينه من غير أن يفرض ذلك علينا أن نكون متشابهين في النظر إليه أو أسلوب الحديث عنه ونقل حكايته.
وإذا ما كان أوغست رودان (1840ــ1917) قد اشتهر بتمثاليه المفكر والقبلة، فإن البحث عن الموضوع ذاته لدى بابلو بيكاسو (1881ــ1973) يعدّ نوعا من العبث، كذلك من غير الممكن التفتيش بين منحوتات رودان عمّا يشبه “غورنيكا”.
عدد قليل من تلك المعارض يبدو مقنعا ويكون نجاحه بمستوى صدقيّته. من تلك المعارض المعرض الذي أقامته الأكاديمية البريطانية قبل سنوات للفنانين النمساويين إيغون شيلي وغوستاف كليمت. كانت هناك علاقة حقيقية بين الفنانين رسما وحياة. لذلك لم يكن المعرض الذي جمعهما معا قائما على فكرة ملفقّة كما هو حال المعرض الذي يجمع رودان وبيكاسو.
