معادلة الدراما والصحافة

سأقترح معادلة إعلامية سبق وأن جربت من قبل. الدول العربية في الستينات والسبعينات جربت معادلة التأثير في الرأي العام من خلال أداتين: الراديو والصحف. كل أداة تستهدف جمهورا مختلفا. الراديو أداة شعبية للوصول إلى عموم الشعب. الصحف أداة تستهدف الطبقة المثقفة والمتعلمة. لعل مصر هي المثال الأهم في هذا الشأن، لكنها معادلة نجحت إلى حد كبير في عدد من الدول العربية.
انتشر إعلام الكاسيت ثم المنابر الدينية وبعدهما الفضائيات الإخبارية وصولا إلى السوشيال ميديا. الدول فقدت الكثير من السيطرة على الرسالة السياسية التي تريد إيصالها لشعوبها. اليوم ثمة فوضى إعلامية كبيرة، ولا توجد معادلة واضحة للوصول إلى المواطن وإقناعه بسياسات الدول.
تجرب مصر الآن التواصل مع مواطنها من خلال الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تمرر من خلال الدراما. الناس يحبون المسلسلات الدرامية. لا شك أن ثمة إحصاءات كثيرة متوفرة عن نسب المشاهدة ومستوى تأثيرها. عالمنا العربي لا يزال بسيطا فكريا، وأسلوب تمرير المعلومات أو "النصائح" من خلال الدراما هو أسلوب مغر، يشبه إلى حد كبير التواصل مع المواطن من خلال الراديو الترانزستور في الستينات والسبعينات. وسواء أكان النموذج من خلال ما يسمى الدوكيودراما (الدراما الوثائقية) أو الدراما التاريخية أو الدراما الاجتماعية، فإن بوسع بلد مثل مصر أن يمرر الكثير من الرسائل للناس.
ثمة الكثير من المحاذير لهذا الأسلوب من التواصل السياسي مع المواطن. ما إن يشم المواطن أن هذا هو الأسلوب الجديد لإقناعه، سينتبه وقد يتجاوب في البداية، لكنه سرعان ما سينفر من البروباغاندا التي تسعى السلطة لتمريرها إليه من خلال الدراما. أين ستقف السلطات؟ وهل ستفصح عن الأمر مباشرة كما حدث العام الماضي من خلال مسلسل "الاختيار" الذي ينتمي إلى الدراما الوثائقية، أم ستسعى إلى التمويه والحكاية غير المباشرة؟ سنرى. فمع الأزمة الاقتصادية الحالية، في مصر وغير مصر، تستعجل السلطات بث الرسائل طالما لا تستطيع أن توفر الخبز والوقود بأسعار رخيصة ومدعمة. باقات المسلسلات لموسم رمضان القادم سترينا إلى أي مدى يمكن تمويه الرسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأهم هل ستنجح في تحقيق الهدف منها؟
أين مقترحي إذا؟ المعادلة التي أرى أن من المناسب إعادة تأهيلها، هي عدم نسيان الصحافة. الصحافة الموضوعية والتحليلية المسؤولة والصريحة ضرورية لاستكمال الصورة. الناس، حتى ببساطتهم وقدرة الدراما على التأثير عليهم، يحتاجون إلى أكثر من الرسائل التي تمرر من خلال الدراما. هذا يستعيد معادلة الستينات المجربة.
السلم الاجتماعي في وضع كالذي نعيشه اليوم يستحق أن نسعى إلى تعزيزه من خلال ابتكار الأدوات المناسبة وتحديث ما تقادم منها. الدراما مهمة، لكنها تحتاج إلى الكثير من الوقت كي تصل مبتغاها، في حين نرى كيف أدى إهمال الصحافة إلى انفلات الشعبوية وكل ما تحمله من مخاطر. آنية الصحافة وقدرتها على الفعل السريع ينبغي أن تؤخذ بالحسبان. المقصود هو الصحافة، أي الرأي والتحليل، وليس الإعلام. هل أدلكم على تجارة؟