مصير إبراهيم الدرسي يعيد فتح ملف الاختفاء القسري في شرق ليبيا

مجلس النواب يطالب الأجهزة الأمنية بتحديد مكان الدرسي وتأمين إطلاق سراحه الفوري.
الثلاثاء 2024/05/21
وضع أمني مقلق

بنغازي (ليبيا) - لا يزال مصير عضو مجلس النواب الليبي إبراهيم الدرسي مجهولا بعد اختطافه مساء الخميس الماضي في مدينة بنغازي، فيما أعربت بعثة الأمم للدعم في ليبيا عن قلقها البالغ إزاء الحادثة، ودعت السلطات المختصة لفتح تحقيقٍ شامل في ملابسات اختطافه.

وطلبت البعثة من السلطات الليبية تحديد مكان الدرسي وتأمين إطلاق سراحه الفوري، وإجراء تحقيق شامل في ملابسات اختفائه، وشدّدت على محاسبة الجناة بموجب القانون، مؤكدةً إدانتها كافة أشكال الاختطاف، والاحتجاز التعسفي في جميع أنحاء ليبيا؛ لأن هذه الأعمال تقوض سيادة القانون في الدولة.

وأشارت البعثة في بيان لها، إلى أهمية التزام السلطات الليبية باحترام الحريات الأساسية ودعم حقوق الإنسان لضمان سيادة القانون، بينما ردت أوساط في شرق ليبيا، اختطاف الدرسي إلى تصريحات صدرت عنه، انتقد فيها الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب والتي تدور في فلك القيادة العامة للجيش، حيث دعا إلى ضرورة مساءلتها، وقال إنه يؤيد تشكيل حكومة جديدة كما وجه انتقادات غير مباشرة إلى أبناء الجنرال خليفة حفتر، من خلال حديثه عن تهميش متعمد لأهالي برقة لصالح فئة معينة هي المستحوذة على كل المناصب، في إشارة إلى صدام وبلقاسم نجلي حفتر.

وطالب مجلس النواب الأجهزة الأمنية بالكشف عن مصير النائب بالبرلمان إبراهيم الدرسي، داعيا مكتب النائب العام إلى ضرورة تحقيق في الحادثة وتقديم المدانين إلى العدالة.

مراقبون يستبعدون أن يتم الإفراج عن إبراهيم الدرسي، ويرون أن عملية الاختطاف تعني أن الرجل كان مطلوبا حيا أو ميتا

كما طالب البرلمان في بيان بخصوص حادثة اختطاف الدرسي، الأجهزة الأمنية بضمان عودة الدرسي سالما، وقال في بيان، إنه يدين حالات الاختطاف والتغييب والاعتداء كافة، مهما اختلفت مصادرها وضحيتها.

وأعاد اختطاف الدرسي ملف عمليات الاختطاف، والإخفاء القسري في المنطقة الشرقية إلى صدارة الاهتمام، خصوصا وأنه بات من شبه المؤكد أن من يتم اختطافه لا يستعيد حريته، ولا يجد من يضمن سلامته، وإنما يحيط الغموض بمصيره إلى أجل غير مسمى.

وفتح المصير الغامض للنائب الدرسي باب الجدل على مصراعيه حول مصائر المختطفين ومن تعرضوا للإخفاء القسري بسبب مواقفهم السياسية أو تصريحاتهم الإعلامية أو تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل ما توصف بالديكتاتورية العسكرية الناشئة في البلاد.

وكانت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب، قد أعلنت اختفاء النائب إبراهيم الدرسي بمجلس النواب مؤكدة فتحها تحقيقا شاملاً في الحادثة، موضحة أن مديرية أمن بنغازي تلقت بلاغا بشأن اختفاء الدرسي “إثر الدخول إلى منزله وسرقته في ساعات متأخرة من الليل”.

وأكدت الوزارة تكليف مدير أمن بنغازي وجهاز الأمن الداخلي وجهاز البحث الجنائي بفتح تحقيق شامل وعاجل للوقوف على ملابسات اختفاء الدرسي، نافية الأخبار المتداولة على أكثر من صعيد حول مقتله.

وكان النائب عبدالمنعم العرفي، أعلن عن تشكيل مجلس النواب غرفة لمتابعة آخر مستجدات حادثة اختفاء النائب إبراهيم الدرسي منذ الخميس.

وقال العرفي إنهم يتابعون عن كثب أي معلومات تبين مصير الدرسي، مرجحا خطفه قرب موقع سكنه في منطقة القوارشة، وترك سيارته بمفترق سيدي فرج شرق مدينة  بنغازي، حيث لا توجد أي كاميرات مراقبة.

وأضاف: «لا نعلم حتى الآن إذا ما كانت عملية ابتزاز أو سطو مسلح أم أن هناك أبعادا أخرى. لكن الأجهزة الأمنية كافة باشرت أعمالها للبحث عنه، وجرى تكليف مدير الأمن ورئيس جهاز الأمن الداخلي بمتابعة الواقعة”.

وأكد مصدر برلماني، فقدان الاتصال بإبراهيم الدرسي منذ مساء الخميس. وقال إنه جرى العثور على سيارة الدرسي في منطقة سيدي فرج، فيما قالت مصادر قبلية في شرق ليبيا، أنه من الصعب الحديث عن اختطاف الدرسي بغاية السرقة، وإنما الموضوع يتعلق في غالب الأحيان بانتقادات قد يكون توجه بها لأبناء المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني.

مصير غامض
مصير غامض

وأضافت أن هناك مؤشرات على أن الدرسي حضر العرض العسكري الذي انتظم الخميس الماضي في مدينة بنغازي بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق معركة الكرامة، وتم اختطافه بعد أقل ما ساعتين في منطقة لا توجد بها كاميرات للمراقبة، واضطر لترك سيارته بمفترق سيدي فرج، وهو ما يعني أنه تم نقله إلى سيارة أخرى بهدف نقله إلى مكان مجهول.

وتابعت المصادر أن الدرسي قد يكون ظهر في حالة غضب عند حضوره الاحتفالية بسبب عدم دعوته للمنصة الرسمية التي كان يجلس إليها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة أسامة حماد والنواب والوزراء والدبلوماسيون وكبار الضباط والمسؤولين.

ويستبعد متابعون للشأن الليبي أن يتم الإفراج عن الدرسي قريبا أو أن يظهر حيّا، ويرون أن عملية الاختطاف من جهات مجهولة وفي مكان بعيد عن الرقابة الأمنية تعني أن الرجل كان مطلوبا حيا أو ميتا، وأن هناك خطة تم إعدادها للإيقاع به، ولإخفائه قسريا أو تصفيته جسديا، والإعلان لاحقا عن ثبوت مقتله على أيدي لصوص أو إرهابيين أو مسلحين خارجين عن القانون لأسباب خاصة.

وكانت منظمة “رصد الجرائم في ليبيا” أدانت ما وصفته بـ”استمرار حوادث الخطف والإختفاء القسري والاعتقال التعسفي بدون إذن قضائي”، وحمّلت السلطات الليبية “المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات”، ودعت النائب العام الليبي إلى “التحقيق في هذه الانتهاكات للعمل على تقديم المسؤولين عنها للعدالة”، وطلبت من السلطات “الكشف عن مصير المختطفين والمعتقلين تعسفًا وإخلاء سبيلهم دون قيد أو شرط”، و”تحمل المسؤولية في إنقاذ أرواح المهاجرين على طول طرق الهجرة وفي البحر”.

المصير الغامض للنائب الدرسي يفتح باب الجدل على مصراعيه حول مصائر المختطفين ومن تعرضوا للإخفاء القسري بسبب مواقفهم السياسية أو تصريحاتهم الإعلامية

وفي أواخر أغسطس الماضي، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تضامنها مع عدد لا حصر له من ضحايا الاختفاء القسري والمفقودين في ليبيا، داعية السلطات المعنية لمعالجة حالات الاختفاء القسري كجزء من عملية مصالحة وطنية تقوم على الحقوق، وتؤكد حق العائلات في معرفة مصير أحبائها والعدالة الحقيقية.

وأشارت البعثة إلى أنها وثقت حالات اختفاء لمن يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون إضافة إلى نشطاء سياسيين من النساء والرجال ومدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء في البرلمان ومحامين وقضاة فضلا عن مهاجرين وطالبي لجوء، فيما بقي مكان وجود الآلاف من النساء والرجال والأطفال غير معروف على مر السنين.

وقال القائم السابق بأعمال رئيس البعثة، ريزدون  زينينغا إن “البعثة تؤكد مجددا على أن الاختفاء القسري لأي شخص، حتى لو تم الإفراج عنه، يعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وقد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية”، وأضاف أن أي اختفاء قسري يضع الضحية في موقف ضعيف للغاية خارج نطاق حماية القانون، وفي العديد من الحالات التي وثقتها البعثة، تحدث حالات الاختفاء القسري مع انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي والإعدام خارج نطاق القضاء”.

ولفتت البعثة الانتباه إلى أهمية التحقيق في جميع حالات الاختفاء القسري وتقديم الجناة إلى العدالة. ومع انتشار الإفلات من العقاب على حالات الاختفاء القسري في ليبيا، تناشد البعثة دولة ليبيا اعتماد الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2010 كدليل على التزامها بالتصدي لهذا الانتهاك واسع النطاق.

ولا يزال اختفاء النائب سهام سرقيوة منذ 17 يوليو 2019، يشكل لغزا، على إثر انقطاع الاتصال بها بعد ساعات من وصولها إلى بنغازي قادمة من القاهرة، وحينها ترددت أنباء عن مهاجمة مسلحين منزلها والاعتداء على أسرتها، قبل اقتيادها إلى مكان مجهول، فيما لقي الحادث إدانات واسعة محليا ودوليا.

ورد مراقبون، حادثة اختطاف سرقيوة إلى مواقفها السياسية، وخاصة إلى الانتقادات التي توجهت إلى السلطات الحاكمة في المنطقة الشرقية، ومنها موقفها الرافض للهجوم الذي شنه الجيش على طرابلس، فيما بات هناك إجماع على أنها تعرضت للتصفية الجسدية.

وفي ديسمبر الماضي، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفاة وزير الدفاع الليبي السابق المهدي البرغثي وعدد من مرافقيه بعد اعتقالهم في بنغازي، مطالبة السلطات بالتحقيق في ظروف الوفاة، وأعربت عن “قلقها إزاء الإعلان عن وفاة وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي في بنغازي”، لافتة إلى أن ذلك يأتي “في أعقاب اعتقاله من قبل السلطات في 7 أكتوبر مع عشرات آخرين، بما في ذلك عدد من أفراد أسرته”.

استنفار أمني كثيف
استنفار أمني كثيف

وأكدت “وفاة سبعة من المعتقلين، بمن فيهم البرغثي وأحد أبنائه، مع وجود مزاعم مثيرة مقلقة حول سوء المعاملة والتعذيب أثناء الاحتجاز”، مشددة على أن “أسباب الوفاة لا تزال غير واضحة”.

وفي أبريل الماضي، أثار الإعلان عن وفاة الناشط السياسي سراج دغمان (35 عاما)، بأحد المقار الأمنية بشرق ليبيا، موجة غضب واسعة في جميع أنحاء البلاد، دفعت بعض الأطراف الحقوقية والسياسية لمطالبة النيابة العامة بفتح تحقيق عاجل في “جرائم قتل” شهدتها البلاد على خلفيات سياسية، خلال السنوات الماضية.

ودغمان، الذي كان يعمل مديرا لـ”مركز أبحاث ليبيا للدراسات الإستراتيجية والمستقبلية”، فرع بنغازي، اعتقلته السلطات الأمنية بشرق ليبيا في أكتوبر الماضي مع أربعة نشطاء آخرين، وأعلن عن وفاته في ظروف يراها مقربون منه “غامضة وغير طبيعية”.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن شعورها “بحزن عميق” لوفاة دغمان “أثناء احتجازه بمقر لجهاز الأمن الداخلي”، وحثت السلطات المعنية على إجراء تحقيق «شفاف ومستقل في الظروف المحيطة بوفاته”.

وفي 3 أبريل الماضي، قالت منظمة رصد، إنها رصدت اختطاف الناشط عبدالعزيز جمال بوكمار، البالغ من العمر 27 عاما، من أمام منزله ببنغازي، من قبل مسلحين ينتمون لجهاز دعم مديريات الأمن التابع لوزارة الداخلية بالحكومة الليبية المعتمدة من البرلمان، يستقلون سيارات تويوتا هايلوكس بيضاء معتّمة الزجاج، واقتادوه إلى مكان مجهول، قبل أن تفقد عائلته الاتصال به.

ووفقا لشهادة عائلته، تم اختطاف بوكمار على خلفية منشور نشره عبر حسابه الشخصي على فيسبوك ينتقد فيه فساد فرج قعيم، وكيل وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المعتمدة من البرلمان. قبل أن يتم إخلاء سبيله في 7 أبريل دون توجيه أي تُهم رسمية إليه.

وفي 7 أبريل الماضي، تم اختطاف المبروك سعيد المغربي، 58 عامًا، من منزله بمدينة إجدابيا من قبل أربعة عناصر مسلحة تابعة لجهاز الأمن الداخلي، واعتُقل في مكان مجهول قبل أن يتم إخلاء سبيله في 10 أبريل بوساطات اجتماعية.

وسبق للمغربي أن تعرض للاعتقال في سبتمبر 2023 على خلفية نشاطه في قضية ضحايا حرب تشاد، وهو معارض سابق عاد من الولايات المتحدة الأميركية عقِب فبراير 2011. 

وفي 11 أبريل، تم اعتقال خمسة (5) رجال تعسفيًا بمدينة سبها، من قبل جهاز الأمن الداخلي، وذلك على خلفية رفع شعارات مؤيدة لنظام القذافي في شوارع المدينة خلال احتفالات عيد الفطر، وتم نقلهم إلى مكان مجهول.

وفي 19 أبريل قامت قوات الأمن الداخلي باعتقال الشيخ علي مصباح أبوسبيحة، (77 عامًا)، وذلك من منزله في حي القرضة الشاطئ بمدينة سبها، واقتيد بعد ذلك إلى قاعدة تمنهنت الجوية شمال سبها ليتم نقله في طائرة عسكرية إلى بنغازي، بحسب شهود عيان.

وجاء اعتقال الشيخ أبوسبيحة، وهو أحد الشخصيات الاجتماعية البارزة في الجنوب الليبي، بعد ساعات من نشره تدوينة عبر حسابه الشخصي على فيسبوك يطالب بها بإجراء الانتخابات الرئاسية الليبية، ويؤيد ترشح سيف الإسلام القذافي لها.

إلى ذلك، أكد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أنه تم جمع أكثر من 20 فحصا مبدئيا وإفادة شهود، بالإضافة إلى السجلات الطبية والصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو المتعلقة بأدلة ارتكاب جرائم في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء ليبيا تحت مسؤولية العديد من الجماعات والسلطات المختلفة، معتبرا أن معالجة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الليبيين وغير الليبيين في مراكز الاحتجاز في ليبيا لا تزال تمثل أولوية للمكتب.

وأجرى فريق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أكثر من  15 مهمة في ثلاث مناطق ليبية، وجمع أكثر من أربعة آلاف عنصر من الأدلة، بما في ذلك المواد المرئية والصوتية، ومعلومات الطب العدلي، وصور الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى إجراء العديد من عمليات فحص الشهود وإجراء المقابلات بشأن الجرائم محل التحقيق خلال 2014-2020، بالإضافة الى مواصلة تحليل وتقييم الأدلة المتعلقة بما ادعي بارتكابه من عمليات قتل خارج نطاق القضاء واختطاف وتدنيس حرمة الجثث واختفاء قسري واحتجاز الرهائن وعنف جنسي ونهب وشن غارات جوية عشوائية واستخدام الألغام وتدمير الممتلكات، معلنا أنه أحرز تقدما كبيرا في أجزاء معينة من هذا الجانب، وأنهى بعض خطوط التحقيق المتعلقة بالمشتبه بهم الرئيسيين، ويقترب الآن من المرحلة النهائية من التحقيق.

وتضمنت الانتهاكات وفق مكتب المدعي العام “الحرمان غير القانوني والطويل الأمد من الحرية وغالبًا بمعزل عن العالم الخارجي، وهو ما يرقى إلى حالات الاختفاء القسري، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، وقتل المعتقلين تحت التعذيب، وفي بعض الحالات عمليات القتل تتم بأسلوب الإعدام التي ترقى إلى الإعدام خارج نطاق القضاء”.

وأشار التقرير إلى أن المكتب سرع تعاونه مع السلطات الوطنية، عملا بمبدأ التكامل، ووضع اللمسات الأخيرة على الإسهام الفعال في التحقيقات التي تجريها وكالات إنفاذ القانون المحلية في 6 دول أطراف في الجرائم الدولية المرتكبة في ليبيا، إلى جانب مواصلة التعاون الوثيق مع السلطات الوطنية، بما في ذلك ضمن الفريق المشترك المعني بالجرائم التي تمس المهاجرين.

4