مصطفى مدبولي بيروقراطي "مريح" يحظى بثقة السيسي

القاهرة - يستمر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الرهان على حكومة مصطفى مدبولي التي مر على تشكيلها نحو 3 سنوات، فيما بدا أن الرئيس راض عن أدائها الذي لم يخل وفق الكثيرين من إخفاقات، لاسيما على المستوى الاتصالي.
وتوقعت دوائر عديدة في مصر أن تقدم الحكومة استقالتها، عقب انطلاق جلسات مجلس النواب في الـ12 من يناير الماضي، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن، في مخالفة لما جرت عليه العادة في سنوات ماضية، حيث تشير الأعراف السياسية في مصر إلى قيام الحكومة بتقديم استقالتها أو إعفائها من مهامها، والحصول على ثقة من البرلمان الجديد، بالتشكيل نفسه أو بإدخال تعديلات عليه.
وأثار الصمت حول عدم تقديم مدبولي استقالة حكومته تساؤلات عديدة، بشأن هل سيستمر الرجل قليل الظهور إعلاميا، أم يتم تغييره وتمنح الفرصة لحكومة برئاسة شخص آخر؟
وتتباين المواقف في مصر بشأن حصيلة إنجازات حكومة مدبولي، بين من يعتبر أنها نجحت في تثبيت قدر من الاستقرار الاقتصادي، وآخرين يعتبرون أن أداءها الجملي كان هزيلا وأنها فشلت في إدارة معظم الملفات وهي تتخفى في ذلك خلف الرئيس السيسي.
وشرعت الحكومة الحالية في تنفيذ عدد من المشروعات، وحققت تقدما نسبيا، ويحسب لها أنها نجحت في تلافي انفجارات شعبية كان يمكن أن تطيح بها، بعد الرفع في أسعار بعض المواد الأساسية، وما أثارته من ضجة أزمة الغرامات التي فرضتها على الآلاف من العائلات وإلا هدم منازلها التي أقيمت بشكل غير قانوني.
ويقول مراقبون إن عدم الاكتراث بتقديم الحكومة استقالة روتينية يمثل إشارة قوية على رضاء الرئيس السيسي عن أدائها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إكرام بدرالدين، أن التغيير الوزاري في مصر يقوم على تقارير تقييم أداء الوزراء التي تقدمها جهات مختلفة، بينها البرلمان، ووفقا لما يأتي في تلك التقارير يجري اتخاذ القرار السياسي الذي يستهدف الضمان في سير تنفيذ الاستراتيجيات العامة للدولة.
وأضاف لـ”العرب”، أن التغيير يكون مطلوبا في الوزارات التي تكون بحاجة إلى ضخ دماء جديدة، أو التي تخطت عمرها الزمني وغير قادرة على تقديم المزيد من النجاحات، وبوجه عام هناك اتفاق على ألا يكون التغيير بهدف التغيير، وطالما تسير الحكومة على طريق تنفيذ البرامج القومية، ليس من المتوقع حدوث تغيير كبير.
وأوضح بدرالدين أن استمرار الحكومة لفترة طويلة ليس هدفا في حد ذاته، بل الهدف هو إتاحة الفرصة لها كي تثبت قدرتها على تنفيذ الخطط، كما أن إدخال تعديلات على الحكومة لا يؤشر على عدم الاستقرار، فثمة أساليب لقياس الأداء، وفي بعض الحالات توجد حاجة ملحة لتغيير بعض الأشخاص لضمان تنفيذ الخطة العامة.
وتقلل طبيعة الدور التنفيذي الذي يقوم به رئيس الحكومة في مصر من مسؤوليته الكبيرة أمام المواطنين، حيث يرون أن من يجلس على مقعد الرئيس يتحكم في مفاصل الأمور، وتوجه إليه الانتقادات، ما يضطره إلى تحميلها للحكومة غالبا، فيقوم بإقالتها لتهدئة الرأي العام وامتصاص غضبه، وهذه معادلة يبدو أنها اختفت الآن، كأن هناك توازنات جديدة حاكمة للعلاقة ألغت الصورة النمطية الشائعة عن رئيس الوزراء.
وبدت حكومة مدبولي محظوظة، حيث أخذت على عاتقها تنفيذ حزمة تنموية كبيرة، وصمدت أمام تداعيات خطة الإصلاح التي عصفت بالكثير من الشرائح الاجتماعية، وتقمص الرجل زي البيروقراطي المصري الذي يجيد تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية بسلاسة ودون أن يتسبب له في مشكلات كبيرة.
ويقول مراقبون إن أحد أسرار صمود مدبولي لا يتعلق بنجاحات أو إنجازات هنا وهناك، لكنه يرجع إلى شخصيته المريحة بالنسبة إلى الرئيس السيسي، وخبرته الطويلة في مجال الإسكان، ويعد أحد أهم المحاور الممتدة في المشروعات التنموية الجديدة، ما يفرض مواصلة دوره، فلا تزال العاصمة الإدارية في شرق القاهرة، كأبرز مشروع يتبناه السيسي، تحتاج خبرة مدبولي الذي يلتزم بالخطوط المرسومة له.
ونظم الدستور طريقة تشكيل الحكومة عن طريق رئيس الوزراء بتكليف من رئيس الجمهورية، وحصولها على ثقة أغلبية المجلس خلال 30 يوما على الأكثر من تشكيلها، ونظم أيضا عملية سحب الثقة بعد موافقة الأغلبية على ذلك.
ويخلو الدستور المصري من أي نص يجبر الحكومة على الاستقالة مع بدء الدورة التشريعية لمجلس النواب الذي لا يستطيع إقالة الحكومة عند انعقاد دورة جديدة له.
ويضم البرلمان أغلبية مريحة مؤيدة لرئيس الحكومة، واستوحى غالبية الأعضاء رضاهم على مدبولي من رحم إشادة السيسي دوما، واعتزازه بالدور الحيوي الذي يقوم به، ما يوفر له شبكة أمان داخل البرلمان، ويجعل عملية المساءلة والاستجوابات التي تتم حاليا للحكومة وبعض أعضائها تصب في صالح مدبولي، حيث يبدو الرجل متمكنا وواثقا من تصرفاته، ولا يمثل خطرا سياسيا على رئيس الجمهورية.
وتنصب مهام مدبولي الظاهرة على الجوانب الاقتصادية التنفيذية، وتبقى عملية رسم التصورات العامة في حوزة رئيس الجمهورية، لذلك فالنجاحات أو الإخفاقات يتحملها الثاني في النهاية، وهو ما يدركه الناس بحكم خبرتهم مع النظام الرئاسي في البلاد.
ويفرق مصريون بين الأداء الاقتصادي والأمني في البلاد، فإذا كان الأول يقع جزء كبير منه على كاهل الحكومة ورئيسها، فالثاني في حوزة جهازي الجيش والشرطة، والمسؤولية عنهما تكاد تكون بعيدة عن مدبولي، لذلك يُنسب ما تحقق من أمن واستقرار إلى هاتين المؤسستين العريقتين، وفي النهاية تُحسب جميع الإنجازات للرئيس السيسي بحكم دوره المحوري في النظام المصري.
وأخرجت هذه المسألة مدبولي من مسؤوليته المباشرة عن التراجع في مجال الحريات، أو أي خروقات أمنية حدثت في ظل المواجهات الضارية التي خاضتها أجهزة الدولة ضد جماعة الإخوان والقوى المتطرفة، ووضعتها على عاتق رئيس البلاد، فلا أحد يتحدث عن دور رئيس الحكومة في عدم الأخذ بالإصلاحات السياسية أو عدم النضج في مجال حقوق الإنسان حيث ينحصر دوره في البعد الاقتصادي.