مصالحة مع عامل النظافة

لا أحد يقدر ما يقومون به، وهم محاطون بكل ما يكدر النفس من روائح وجراثيم وبنية تحتية متهتكة وتعرض دائم للمخاطر.
الخميس 2024/06/20
دور مهم لشريحة عمالية مهمشة

في مناسبتين على الأقل، جلست مع عمال نظافة غربيين. مرة في حانة في لندن، ومرة أخرى في عرس لقريب في مدينة آخن في ألمانيا.

في المرة الأولى، تعرفت على مهنة الإنجليزي بعد حوار طويل عن أشياء مختلفة. كان مهتما ومطلعا نسبيا، وسألته بعد أكثر من ساعة من الحوار عن وظيفته فقال إنه يجمع القمامة من شوارع الحي الذي تقع فيه مؤسسة “العرب” في ذلك الحين. قالها بكامل الثقة، ودون إحساس بأنه يؤدي وظيفة تقل أهمية عن أي وظيفة أخرى.

في المرة الثانية، كان العرس مزدحما ولم يكن هناك من يقوم بخدمة الضيوف. العريس بإمكانيات محدودة وانتهينا كلنا نخدم في العرس. أحد أصدقاء العريس كان شابا ألمانيا، تحرك كمن يخدم في عرس أخيه. لاحظت سرعته وقدرته على أن يحمل صينية عليها كمية معتبرة من الكؤوس المليئة بالمشروبات. بعد أن هدأ المحتفلون، توقفنا نلتقط أنفاسنا. سألته، فتعثر باللغة. لا هو يتقن الإنجليزية وأنا معرفتي بالألمانية صفرية. ثم سهل الأمر بأن رفع برميل الزبالة الكبير وشرح لي أنه يتجول فجرا مع الشاحنة ليجمع القمامة. بعد تدخل صديق عربي يتقن الألمانية، عرفت تفاصيل أكثر وأنه ينهي عمله صباحا، وأنه مستمتع بالمهنة لما توفره له من بقية ساعات النهار والراتب المعقول. كان فخورا بما يقدمه لمدينة آخن الجميلة.

استعدت تلك الحوارات وأنا أقرأ موضوعا سينشر في عدد اليوم من الصحيفة عن معاناة عمال المجاري في باكستان. ما يواجهونه هو خليط من إذلال اجتماعي وأمراض من قلة العناية، وحوادث قاتلة. لا أحد يقدر ما يقومون به، بل إنهم على قائمة لا إنسانية بكل المعايير حين يكون مطلوبا منهم مواجهة كل هذه المعاملة، وهم محاطون بكل ما يكدر النفس من روائح وجراثيم وبنية تحتية متهتكة وقلة تدريب وتعرض دائم للمخاطر.

هذا حال قطاع مهم من العاملين هم عمال النظافة وعمال المجاري وعمال جمع القمامة في العالم الثالث. نردد أن النظافة من الإيمان، لكننا نمارس تمييزا معيبا عندما يتعلق الأمر بعامل النظافة. لا أريد تخيل عالمنا المتعثر في كل شيء وقد صار يفتقد إلى عمال النظافة وجمع القمامة والمجاري. قد أسجل الكثير من الملاحظات عن مستويات أدائهم، لكنهم بلا شك سيسجلون أضعافا مضاعفة من التشكيات مما يلقونه من معاملة أو نظرة. الرواتب بالطبع في الحضيض.

من الصعب تغيير الانطباع وإعادة تقييم أهمية هذا النوع من الأعمال والخدمات. لا نطالب بأن نجد في صوت عامل النظافة في عالمنا العربي ذلك الاندفاع والتصالح مع مهنة ترتبط بالنفايات كما لمسته في العامل الإنجليزي أو الآخر الألماني. ولكن من الضروري أن نتصالح نحن مع أنفسنا في قبول أهمية دور هذه الشريحة العمالية المهمة.

18