مشكلة المهاجرين في تونس: الحل ليس في عزلهم

عاد بعض النواب التونسيين لإثارة الجدل بشأن المهاجرين غير الشرعيين، مقترحين حلولا أمنية وقانونية غير مقبولة لإدارة المناطق التي يستقر بها المهاجرون خاصة في ولاية (محافظة) صفاقس وبالذات في منطقتي العامرة وجبنيانة، وهما منطقتان زراعيتان قبالة البحر، وعادة ما تتم عمليات تهريب البشر منهما قبل أن تشدد الحكومة قبضتها الأمنية في السنوات القليلة الماضية.
ويشترك النواب المعنيون في مقترحاتهم مع موجة على مواقع التواصل معادية للمهاجرين ولوجودهم في تونس. ومن ضمن المقترحات التي تقوم على العنف أو الاستثناء استدعاء الجيش لإدارة المناطق التي يتمركز بها الآلاف من سكان دول جنوب الصحراء واستبطان أن هؤلاء باتوا مصدرا للعنف الذي يستهدف السكان المحليين وقوات الأمن والجيش.
ولذلك يتضمن مشروع القانون الذي يجري الحديث عن تقديمه لمجلس النواب من قبل نواب ولاية صفاقس بندا ينص على “سن قانون لحماية القوات الأمنية والعسكرية الحاملة للسلاح، أثناء أدائها لمهامها في مكافحة الهجرة غير النظامية”.
ومن بين المقترحات، كذلك، منع منح الجنسية لأبناء المهاجرين الذين يولدون في تونس على طريقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكذلك منعهم من تملّك الأراضي غير المسجلة أو إجراء أيّ عمليات عقارية على التراب التونسي.
من المهم الإشارة إلى أن هذه المقترحات تبدو غير مقبولة، وقد تحمل طابعا عنصريا وغير إنساني خاصة أنها تأتي من جهة رسمية، أي نواب يطالبون بتمريرها في البرلمان. ويفترض أن النائب بعد انتخابه يتصرف وفق وضعه الجديد، الذي يكون ملزما له وللمؤسسة التشريعية، ويعرف أن أيّ فكرة أو قانون يتم تمريره يصبح ملزما للدولة، ويجيب أن يكون متلائما مع القانون ومع المواثيق الدولية.
◙ الشارع يمكن أن تحركه إشاعة ملغومة فينساق وراءها، لكن المسؤول السياسي يحتاج إلى أن يلتزم بضوابط الدولة ونواميسها
حين يصير الواحد نائبا في البرلمان يتجاوز خطاب الحملات الانتخابية، ولا يفكر في إعادة انتخابه بالترويج لخطاب يجاري عواطف الشارع وحماسه. الشارع يمكن أن تحركه الشعارات وتؤثر فيه، أو أن ينساق وراء التهويل، أو توظيف حادث أو اثنين أو بضعة حوادث لتكوين رأي متسرع أو مُغال في كراهية الآخر، وهذا رأيناه في الصراعات الداخلية منذ ثورة 2011، وخطابات التخوين والشيطنة ضد المختلف سياسيا وثقافيا ومناطقيا ورياضيا.
هناك رغبة عند البعض في عزل المهاجرين في مخيمات مغلقة، فلا يتواصلون مع أحد، ولا يتسنّى لهم العمل والتنقل، يضاف إلى ذلك منعهم من الحصول على تحويلات مالية خارجية. فكيف يمكن أن يعيش هؤلاء. ومن سيدافع عنهم ويضمن حقوقهم إن لم يكن النواب المكلفون بحماية القوانين.
الشارع يمكن أن تحركه إشاعة ملغومة فينساق وراءها، لكن المسؤول السياسي في الدولة أو في أحزاب أو برلمان، يحتاج إلى أن يلتزم بضوابط الدولة ونواميسها. وإذا صادق البرلمان على قانون يؤسس للتضييق على المهاجرين أو وضع قوانين خاصة بهم تجعلهم دون منزلة السكان الأصليين، فهذا يصنف تبنّيا للعنصرية، وستقوم الدنيا ولا تقعد لأجله.
يتذكر الجميع خطاب الرئيس سعيد في فبراير 2023 الذي حذر من مخطط لتوطين مهاجري أفريقيا لتغيير التركيبة السكانية، وردود الفعل الكثيرة التي صدرت ضده من منظمات وجمعيات بالرغم من أنه لم يتضمن موقفا عنصريا مألوفا ولا استهدافا لأجل اللون أو العرق.
وكان قيس سعيد وصف موجة المهاجرين باتجاه تونس بأنها “ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة السكانية لتونس” من أجل “توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء” في البلاد.
لأجل هذا من المهم أن يسحب النواب مشروع القانون من أمام البرلمان ويتركوا للحكومة مهمة إدارة الأزمة. فأيّ خطوة استعراضية ستخلق أزمة وتصعيدا لا مصلحة لتونس به. فهل تقبل الدولة التونسية تمرير قانون يتضمن إشارات عنصرية، وهي التي تلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية الملزمة بمكافحة العنصرية؟
بينما يواجه المهاجرون تحديات اقتصادية، تبدو هذه الحلول القاسية تعميقا للمشكلة بدلا من تقديم حلول جذرية تراعي حقوق الإنسان والظروف الوطنية. وما كشفته زيارة عضو البرلمان فاطمة المسدي إلى مخيمات اللاجئين الخميس يقدم صورة قاسية عن ظروفهم، خيمت بلاستيكية مهترئة وظروف معيشية صعبة وسط الزياتين.
لقد مثلت هذه الزيارة فرصة للناس كي يروا حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء، وحتى بدا أن الهدف إظهار أنهم باتوا دولة داخل الدولة، وأنهم أقاموا مجتمعا خاصة بهم رغم العزلة.
صحيح أن تونس لا تتحمل المسؤولية عن تلك الظروف، لكنها يمكن أن تساعد على تحسين وضعهم بالانفتاح أكثر على المساعدات الخارجية الموجهة لهؤلاء من منظمات وحكومات دون مخاوف من أن تحسين وضع هؤلاء سيشجعهم على البقاء. ومن البداية لم تكن تونس هدفا بالنسبة إليهم، كانت أرض عبور نحو أوروبا. ولأجل ذلك من المهم التحرك للبحث لهم عن حل، بدل الاكتفاء باحتجازهم وحراستهم حتى يغامروا بالهروب نحو أوروبا، وحتى لا يدخلوا بين التونسيين.
لا تقدر تونس على ترحيل هؤلاء المهاجرين بأيّ شكل، لاعتبارات عملية بدرجة أساسية، فأين سترحّلهم، وهل تقدر على ذلك؟ هل ستدفع بهم إلى حدود دول الجوار التي تسللوا منها على مدى عشر سنوات أو أكثر. الأمر بالغ التعقيد لأن الجزائر وليبيا سترفضان، وليست مسؤوليتهما أن حكومات تونسية سابقة قد تهاونت في غلق الحدود، أو خيرت عدم إغضاب الجيران بأن ترد لهم ما تسلل من أراضيهم أولا بأول.
◙ ما نشر من صور يوفّر دليلا في صالح تونس للضغط من أجل إيجاد حل لهذه القضية إما عبر الدعم الأوروبي أو المنظمات الحقوقية والإنسانية
هل ستدفع بهؤلاء إلى البحر، وتقول لهم اذهبوا إلى أوروبا فهي بانتظاركم. وحتى لو غامرت وفعلت ذلك، فإن أوروبا ستعيد المهاجرين إليها كونها بلد العبور من دون اتفاق ولا ترتيبات ولا مراعاة وضع، كما يحصل الآن، حيث تعمل أوروبا ما في وسعها لدعم تونس من بوابة شراكة جماعية أو ثنائية.
من المهم أن ترى أوروبا الصور، التي نشرت على هامش زيارة نائبة البرلمان التونسي لخيم المهاجرين لترى أن وضعهم يحتاج إلى أبعد من إجراءات أمنية مشددة ومنعهم من اجتياز البحر والدخول إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. أمن أوروبا مهمّ لها، لكن هناك حقوق إنسان تتضرر من سيادة الصد القاسية.
المهاجرون على أرض تونس، بشر من حقهم أن يأكلوا ويشربوا ويتداووا. والإقامة المؤقتة لا تعني خيم الفقر والمعاناة. هذا لا يبرر بقاءهم، ولكن الخوف من التوطين لا يجيز لأيّ كان أن يمنعهم من حقوقهم الأساسية.
يمكن أن تستفيد تونس مما نشر من صور لتتحرك إعلاميا ودبلوماسيا لمطالبة أوروبا بتنفيذ الجزء الأهم من خطة الشراكة، وهو ما طالب به قيس سعيد، بمساعدة الدول الأصلية للمهاجرين اقتصاديا لتحسين وضعها ووقف موجات الهجرة، والضغط من أجل وقف الحروب بدل تغطيتها. لكن قبل ذلك إعادة مهاجريها الموجودين في تونس وتمكينهم من دعم مباشر وإقامة مشاريع صغيرة لهم تعوّضهم عن رحلة المعاناة الحالية.
ما نشر من صور يوفّر دليلا في صالح تونس للضغط من أجل إيجاد حل لهذه القضية إما عبر الدعم الأوروبي أو المنظمات الحقوقية والإنسانية أو عبر دولهم الأصلية. إنقاذ هؤلاء المهاجرين مسؤولية الجميع، وهي حاجة ملحة الآن، وتأجيلها أو التغطية عليها ليس في مصلحة تونس. الحل في تصدير الأزمة لمن له ضلع مباشر فيها بدل تلقي الانتقادات والاتهامات بالعنصرية.