مشروع قانون "الهوية الجامعة" يثير احتقانا داخل البرلمان الأردني

الحكومة الأردنية تواجه اتهامات بالانقلاب على الدستور وتوطين اللاجئين.
الثلاثاء 2021/11/23
توصيات اللجنة الملكية مشاريع

شرع البرلمان الأردني الاثنين في النظر في توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تمهيدا لتحويلها إلى قوانين بعد إقرارها، وسط جدل واتهامات للحكومة بالانقلاب على الدستور ومحاولة التخفي خلف الإصلاحات التي يدعمها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لتوطين اللاجئين وتكريس فكرة الوطن البديل المثيرة للجدل.

عمان- استهل البرلمان الأردني الاثنين أولى جلسات مناقشة توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظمة السياسية بمناوشة حادة بين عدد من النواب ورئيس الحكومة بشر الخصاونة الذي واجه اتهامات بالانقلاب على الدستور ومحاولة توطين اللاجئين في المملكة عبر مشروع تعديل دستوري يسمى” الهوية الجامعة” يرى فيه معارضوه تهديدا لوحدة البلاد وضربا للمكون العشائري ذي الثقل الاجتماعي الوازن.

وأعرب عدد من النواب عن رفضهم لمصطلح “الهوية الجامعة” الذي طرحته اللجنة الملكية في التعديلات الدستورية المقترحة على المجلس، معتبرين أنه “سيعزز الفرقة بين أبناء الشعب الذي كان بعيدا عن هذا الأمر منذ نشأة المملكة”.

صالح العرموطي: التعديلات الدستورية المقترحة انقلاب على الدستور

واعتبر النائب صالح العرموطي أن التعديلات الدستورية المقترحة هي انقلاب على الدستور ومؤسسات الدولة والنظام. وطالب بسحب المشروع الذي لا يتفق مع نظام البلد وسياسة الأردن منذ 100 عام.

ويستند العرموطي في موقفه إلى الدستور الأردني الذي يعتبر أن جميع الأردنيين أمام القانون سواسية، أما مصطلح الهوية الجامعة فهو “مصطلح غربي مرفوض ولا نقبله”.

ويبدي الأردنيون مخاوف من أن يؤدي مصطلح “الهوية الجامعة” إلى تغييرات ديموغرافية، خصوصا ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرض المملكة، إضافة إلى اللاجئين السوريين الذين يرفض معظمهم العودة الطوعية إلى بلادهم. وتهدف اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من خلال التوصيات للوصول إلى “سيناريو” توافقي حول تحديث المنظومة الانتخابية، وأبرزها: تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، حماية وحدة المجتمع الأردني وتماسكه، والتمثيل العادل لفئات المجتمع الأردني ومناطقه كافة.

وأكدت اللجنة في إحدى توصياتها على “الهوية الوطنية التي تدمج الجميع وينتمي إليها الجميع”، واعتبرتها “أحد الشروط الأساسية لبناء النموذج الديمقراطي الوطني، وهوية مركزية جامعة تلفظ الهويات الفرعية وتحتفي بالثقافات الفرعية للمجتمعات المحلية وللمدن والقرى والجماعات، والهوية القوية المتماسكة هي إثراء حقيقي للنموذج الديمقراطي الوطني”.

ويرى منتقدو التوصية أنها جزء مهم من صفقة القرن وهو إلغاء حق العودة وترسيخ فكرة الوطن البديل للفلسطينيين وهو ما يمس من السيادة الأردنية.

ويتخوف هؤلاء من نتائج “الهوية الجامعة” على قانون الانتخابات، التي قد تؤدي حسب رأيهم إلى تمثيل أكبر للأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان.

ويخشى الأردنيون من أن يترجم هذا الأمر إلى تعديلات على قانون الانتخاب تفضي إلى محاصصة من حيث المقاعد النيابية لكل فئة من فئات الشعب الأردني بما يؤثر على المكون الأساسي وهم الأردنيون من أصول أردنية.

وقال الخصاونة خلال جلسة النواب الإثنين إن الحكومة قالت بوضوح إنها قدمت التعديلات الدستورية التي تستقيم مع المادة 40 من الدستور، مؤكدا أن الحكومة لا تنقلب على الدستور.

زيد النابلسي: مصطلح الهوية الجامعة لا علاقة له بالتوطين

واعتبر أن التوصيفات التي أطلقها بعض النواب تجاه التعديلات غير مقبولة، مؤكدا أن التعديلات الدستورية هدفها إنشاء مجلس بعيدا عن التجاذبات الحزبية، والحكومة معنية بحماية كافة أطياف المجتمع وأقلياته، مضيفا ”لا نقبل توصيفنا بأننا حكومة ‘تنقلب على الدستور'”.

وتطرق الملك عبدالله الثاني الذي تسلّم التوصيات في الثالث من أكتوبر الماضي، إلى مصطلح “تعزيز الهوية الجامعة” خلال اجتماعه باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهو الأمر الذي زاد من التساؤلات في الأوساط الشعبية، هل الوحدة الوطنية مهددة بالتشظّي، وهل الهوية الوطنية بعد 100 عام من تأسيس الدولة لم تتضح معالمها بعد، لتزداد الحاجة إلى توضيح الرؤية حول الهوية الجامعة لتبديد الهواجس بشأن ثنائية الأردن وفلسطين، وكذلك الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

ويؤكد رئيس لجنة تمكين الشباب في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الوزير الأردني الأسبق محمد أبورمان أن طرح المصطلح لم يتحدث من قريب أو من بعيد عن القضية الفلسطينية، لكن البعض لديه هواجس من قضية التوطين والوطن البديل، فحدث ربط ما بين اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وهذا المصطلح، معتبرا أن هذا الربط متعسف، ولم يكن هدف اللجنة الحديث عن هذا الملف.

ويشير أبورمان إلى أن الأردن له موقف ثابت من قضايا الحل النهائي واللاءات الثلاث “لا للتوطين، لا للوطن البديل، والقدس خط أحمر”.

وحسب المجلس الأعلى للسكان يستضيف الأردن نحو 57 جنسية مختلفة من اللاجئين، يشكلون نحو 31 في المئة من عدد السكان، ويعتبر الأردن المستضيف الأكبر للاجئين الفلسطينيين الذين يحمل العدد الأكبر منهم الجنسية الأردنية.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الأردن يستضيف السوريين أكثر الجنسيات عددا، ويبلغ عددهم نحو مليون و300 ألف، فيما يأتي العراقيون في المرتبة الثانية بنحو 131 ألفا، والفلسطينيون بنحو 634 ألفا (لا يحملون رقما وطنيا). وفي المقابل انتقد مروان المعشر وزير الخارجية الأردني الأسبق مهاجمي الهوية الوطنية الجامعة، وقال “لا أفهم أين المشكلة في الهوية الوطنية الجامعة؟ ما نقيض الهوية الجامعة.. هل هي الهوية المتفرقة الفرعية!”.

وأضاف المعشر “عندما نتكلم عن هوية جامعة نتحدث عن سيادة القانون على الجميع وتحتفي بكافة مكوناتها، ولا تقبل أن تطغى هوية على أخرى نحن مجتمع متعدد من مكونات مختلفة، الهوية الوطنية الجامعة تعني أن كل من يحمل رقما وطنيا هو أردني يسري عليه القانون، وهذا لا يعني إلغاء الهويات الفرعية، لكن لا تطغى هوية على أخرى”.

الأردنيون يبدون مخاوف من أن يؤدي مصطلح "الهوية الجامعة" إلى تغييرات ديموغرافية، خصوصا ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرض المملكة

واستهجن عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية زيد النابلسي إثارة الخلاف والجدل واللغط والتخوين بسبب ما اعتبره 3 كلمات واضحة “الهوية الوطنية الجامعة”.

وقال النابلسي “لم أتخيل في حياتي يوما من الأيام أن تتحول ثلاث كلمات واضحة وضوح الشمس ولا تحتمل التأويل إلى مثار خلاف وجدل ولغط وتخوين كما حصل مع مصطلح الهوية الوطنية الجامعة”. وأضاف “المقصود بهذا المفهوم غير الخلافي لا علاقة له بالتوطين من قريب أو من بعيد، فأنا بلغت الخمسين من العمر، ولا يمكن أن أحصي لكم منذ أن وعيت على هذه الدنيا الآلاف من المرات التي سمعت بها الدولة الأردنية تؤكد وتكرر أن خيار الوطن البديل مرفوض رفضا قاطعا إلى يوم الدين”.

ويتوقع مراقبون أن يقوم مجلس النواب الأردني بإجراء تعديلات بسيطة على توصيات اللجنة الملكية تمهيدا للتصويت عليها كقوانين، بعد أن تمت توافقات بين ثلاثة تيارات أساسية حاضرة في الحياة السياسية الأردنية، وهي التيار المدني، والتيار الإسلامي، والتيار المحافظ.

2