مشروعي لافتتاح مقهى

جهزت القهوة الصباحية وكانت رائحتها تملأ المكان. القهوة جزء من طقوس الصباح. شهادتي مجروحة في القهوة وقد سبق أن كتبت عن تطور علاقتي بها على حساب الشاي. كوب الشاي بالنسبة لي اليوم ذكرى لا أكثر. لا أفكّر بشربه حتى من باب التنويع.

بينما كان الماء يغلي، تصفّحت موقع جريدة بريطانية على تطبيق الهاتف. انتبهت لموضوع يتحدث عن القهوة. لا أحتاج أن أقرأ مقالة أو تقريرا في صحيفة كي أقدر القهوة. شغّلت الكمبيوتر، وبدأت أقرأ التقرير عن القهوة. الموضوع كان أشبه بالموسيقى على أذني.

أنا أعرف أهمية القهوة صحيا. قبل أن أقرأ عن فوائدها، أنا أحس بتأثيرها على التركيز والمزاج. أول أيام رمضان تكون معاناة، لأن مع الصيام تختفي القهوة الصباحية. ضاع الطعم من الفم وانطلق الصداع. أنا أدرك أن الصداع مرتبط بجرعة الكافيين التي توفرها القهوة. ولكن هل الشاي بلا كافيين؟

ما قرأته عن القهوة وتأثيراتها المختلفة كثير. فيما عدا الإكثار منها بشكل غير صحي، لن تجد أحدا يقول لك لا تشرب قهوة. البريطانيون أمة من 60 مليون نسمة يشربون 98 مليون كوب قهوة يوميا. الأميركيون أمة من 330 مليونا يشربون 517 مليون كوب يوميا. لا أعتقد أن خليجيا في مجلس ينقطع عن شرب فناجين القهوة. اللبنانيون يخصصون لها ميزانية منفصلة. في تونس، يختفي الموظفون من المكتب صباحا ليذهبوا إلى الكوجينة (حجرة تشبه المطبخ في المكاتب) أو إلى المقهى في ناصية الشارع لاحتساء قهوتهم. لا أحد يسأل الموظف أين كنت. الجواب مفروغ منه.

الإشادة بالقهوة مستمرة في الأوراق البحثية. الأسباب مختلفة، سواء بتأثيراتها الصحية المباشرة أو النفسية غير المباشرة. لكن الجديد في البحث الذي قرأته اليوم هو استنتاج عن دراسة أجريت على أكثر من مئة ألف شخص. الدراسات عادة تتحدث عن مواد غذائية نتناولها، فتحارب الأمراض وتطيل الأعمار، هذه تزيد المناعة وتلك تقلّل تأثير الأكسدة. المختلف هذه المرة أن القهوة تقلل من احتمالات الموت بنسبة 30 في المئة. ثمة فارق بين إطالة العمر وتقليل احتمال الموت.

الموت مرتبط لدينا بتقدم العمر أولا وبالمرض ثانيا. لكنّ كثيرين يموتون فجأة. ربما بسبب مرض مفاجئ، أو بلا سبب واضح. هذه الفجائية لا ترتبط بعمر معين وكل واحد منا مر عليه حالات شبيهة لناس عندما تسمع خبر وفاتهم تصاب بصدمة.

انتبه الباحثون أن القهوة تتدخل بشكل إيجابي لمنع مثل هذه الوفيات. المسألة إحصائية بالطبع، لكن المميز بالبحث أنهم اشتغلوا كثيرا على البيانات التي جمعت من مئات الآلاف من الأشخاص لاستبعاد المصابين بأمراض مزمنة أو مدخنين أو يعانون من فرط الوزن. وكانت النتيجة لافتة: 30 في المئة. ثلث الناس يحصلون على فرصة منع الموت فقط لأنهم يشربون قهوة. ولتزداد الإثارة مع هذه المعلومة، شخّص الباحثون أن النتيجة واحدة سواء تناولت القهوة بسكر أو من دون سكر. السكر لذيذ في الفم، لكنه قاسٍ على الجسم بما يسببه. يبدو أن مرافقته للقهوة تخفف من قسوته.

تأخر الوقت علي كي أغيّر مهنتي. كنت سأختار أن أكون صاحب مقهى في ناصية الشارع. كنت سأضع لافتة: خصم 30 في المئة بالسعر وزيادة 30 في المئة بالحياة.