مسلسل خليجي يتقفى أثر العلاقات التجارية من الكويت إلى بومباي

"محمد علي رود" دراما كويتية تعالج قضية تهريب الذهب في الأربعينات.
الثلاثاء 2021/01/26
جمالية في المشاهد وعمق في الطرح

تدور أحداث المسلسل الكويتي “محمد علي رود” في فترة الأربعينات من القرن الماضي، مع التركيز على العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين مدينتي الكويت وبومباي الهندية، وهي علاقات قديمة كان لها أثرها الاجتماعي والثقافي، ليس على الكويت وحدها بل على منطقة الخليج كافة.

يناقش المسلسل الكويتي “محمد علي رود” الذي يعاد عرضه حاليا على قناة “الإمارات” قضية تهريب الذهب بين الكويت والهند وصراع التجار في أربعينات القرن الماضي، حيث لجأ الكثير من تجار الكويت بعد أفول صيد اللؤلؤ إلى تجارة التمور التي كانت تجلب من الإحساء وتنقل إلى الهند، وكذلك جلب الأرز من الهند. وخلال عمليات التجارة تلك كانت تجري عمليات تهريب للذهب بعدما رفع البريطانيون الرسوم الجمركية الخاصة بتجارته.

وتقول المراجع التاريخية إن التجارة كانت مزدهرة بشكل كبير في ذلك الوقت بين شواطئ الخليج العربي ومدن الهند المختلفة، حيث كانت هي المصدر الأساسي لعمل الغالبية العظمى من البحارة العرب في منطقة الخليج، والذين اشتهروا بتمرّسهم في السفر وركوب البحر.

ويقدّم المسلسل صورة قريبة لتلك الحقبة التي ما يزال أثرها عالقا في الموروث الخليجي المرتبط بالبحر والترحال والتجارة.

ويتعرّض العمل للمرة الأولى لهذه العلاقات التجارية والاجتماعية التي كانت سائدة بين المجتمعين الخليجي والهندي في توليفة درامية لا تخلو من الإثارة والتشويق، إذ يتناول المسلسل خطوطا أخرى ضمن أحداثه مثل الحب والانتقام والعنف الأسري، متبنّيا رسالة رئيسية مفادها أن الخوف لا ينتهي طالما استمرت الحياة، لكن الحب أيضا لا ينهزم وهو حتما ينتصر في النهاية.

مصائر متقاطعة

للبحر أسراره وحكايات ملهمة دراميا
للبحر أسراره وحكايات ملهمة دراميا

المسلسل من تأليف الكاتب الكويتي محمد أنور وإخراج مناف عبدال، ويشارك فيه نخبة كبيرة من فناني الكويت والخليج، بينهم النجمة هيفاء عادل وسعد الفرج وجاسم النبهان ومحمد المنصور وخالد أمين وزهرة الخرجي وبثينة الرئيسي وحسين مهدي وعبدالله بهمن وفاطمة الحسني، وعدد من الوجوه الشابة التي يخوض بعضها تجربة الدراما التلفزيونية للمرة الأولى.

ويعدّ “محمد علي رود” من الأعمال الخليجية القليلة التي تجمع عددا وافرا من نجوم الصف الأول في الدراما الخليجية.

ويشير عنوان المسلسل إلى أحد الشوارع الرئيسية المعروفة في مدينة بومباي الهندية، وهو شارع محمد علي الذي كان مقصدا للتجار الكويتيين خلال تلك الحقبة، وهو يحمل اسم المناضل محمد علي جناح رفيق المهاتما غاندي وأول رئيس لباكستان بعد انفصالها عن الهند.

المسلسل يستعرض حقبة الأربعينات التي ما يزال أثرها عالقا في الموروث الخليجي المرتبط بالبحر والترحال

ومن بين شخصيات المسلسل الرئيسية يبرز شهاب الذي يؤدّي دوره الفنان محمد المنصور، وأسرته المكوّنة من زوجته فوزية (فاطمة الحسني) وبناته الثلاث مريم وموزة ومنيرة.

وتبدأ الحلقات بهروب سلطانة التي تؤدّي دورها الفنانة هيفاء عادل إلى مدينة الكويت تحت وطأة المعاملة السيئة من زوجها. وخلال بحثها عن عمل تستقرّ في بيت شهاب وأسرته حيث تعمل كخادمة. وفي الوقت الذي يستعد فيه شهاب للسفر إلى الهند ندرك أن هناك سرا ما بينه وبين سلطانة ستتكشّف حقيقته لاحقا.

ومن الشخصيات الأخرى في المسلسل تطالعنا شخصية حسين الذي يؤدّي دوره الفنان حسين المهدي، وهو شاب مكافح يقوم برعاية والدته وأخيه الصغير عبدالله بعد وفاة والده، كما تطالعنا شخصية عبدالوهاب بن شملان، الذي يؤدّي دوره الفنان سعد الفرج، وهو تاجر كبير يعيش متنقلا بين الكويت والهند، ويقيم مع أخته وابنته الوحيدة نجلاء التي تؤدّي دورها الفنانة بثينة الرئيسي.

وهناك أيضا شخصية أخرى مُحاطة بالكثير من الغموض، وهي غازي الذي يؤدّي دوره الفنان عبدالله بهمن.

وهذه التوليفة من الشخصيات تتقاطع مصائرها خلال المسلسل الذي تنطوي أحداثه على العديد من المفاجآت، حيث يتعرّض عبدالوهاب ابن شملان للإفلاس ويحاول الاستدانة من أحد التجار الكبار لتعويض خسارته، وحين تفشل محاولاته تلك يقرّر العمل في تهريب الذهب بين الكويت والهند، ويتعاون في السر مع مشاري (خالد أمين) والذي يعمل بدوره مع القبطان شهاب.

ويستغل مشاري هذه الشراكة ويعرض على عبدالوهاب الزواج من ابنته نجلاء فيتردّد عبدالوهاب في أول الأمر، غير أنه لا يجد مفرا من الضغط على ابنته لقبول هذا الارتباط خوفا من إفشاء سرّه.

وعلى الجانب الآخر تستمر سلطانة في العمل كخادمة في بيت شهاب وزوجته فوزية التي لا تعلم أن زوجها يفكّر في الزواج من سلطانة الخادمة.

وفي هذه الأثناء يتقرّب غازي من سلطانة ويطلب منها مساعدته في الزواج من إحدى بنات شهاب، غير أن الأحداث ستكشف لاحقا أن غازي يسعى لذلك بهدف الانتقام لوالدته التي تعرّضت للظلم على يد فوزية. كما سيتكشّف السر الذي تخبّئه فوزية بعملها في السحر والدجل لتحقيق مآربها.

أداء متميّز

توليفة درامية تجمع بين الحب والانتقام
توليفة درامية تجمع بين الحب والانتقام

يقدّم مسلسل “محمد علي رود” عددا من الوجوه الجديدة التي كان لها حضور لافت خلال الأحداث، نذكر من بينهم مثلا الفنان الشاب مشاري المجيبل والفنانة منى حسين، وكذلك الفنانة الشابة حصة النبهان التي تخوض هنا تجربتها الثالثة في الدراما التلفزيونية. وتؤدي النبهان في المسلسل شخصية مريم إحدى بنات شهاب، وهي شخصية ثرية مليئة بالانفعال أجادت الفنانة الشابة تقديمها.

نذكر هنا أن حصة النبهان تُشارك حاليا في تصوير أربعة أعمال درامية أخرى من المنتظر عرضها خلال هذا العام بينها مسلسل تاريخي عن فتح الأندلس.

وأبرز ما يلفت الانتباه في مسلسل “محمد علي رود” يتمثل بلا شك في جمالية المشهد الذي تؤكّده المعالجة البصرية للتفاصيل المتعلقة بتلك الحقبة، بما فيها من ديكور وتجهيزات وأزياء، إذ تنقلنا المشاهد إلى أجواء هذه الحقبة ببراعة لافتة. ونذكر في هذا الصدد أنه قد تم بناء ديكور لحي كامل بما فيه من بيوت وأسواق وشوارع على نسق البلدات الكويتية القديمة، كما تمت الاستعانة أيضا بالعشرات من الكومبارس كمجاميع، ما يعكس التكلفة العالية والاهتمام من قبل القائمين على الإنتاج بخروج العمل في أفضل صورة ممكنة.

العمل يتبنى رسالة مفادها أن الخوف لا ينتهي طالما استمرت الحياة، لكن الحب لا ينهزم، وهو المنتصر دائما

غير أن ما افتقر إليه المسلسل حقا كعمل يدور بين فضاءين مختلفين جغرافيّا وثقافيا هما الكويت والهند، هو معالجة المشاهد التي تدور أحداثها في مدينة بومباي الهندية. فمع هذا التميّز في معالجة المشاهد الخارجية التي تدور في الكويت افتقرت المشاهد الأخرى إلى روح الثقافة الهندية، حتى أن شارع محمد علي الذي تدور في كنفه معظم هذه المشاهد، وهو شارع رئيسي وهام في بومباي، ظهر كإحدى الحارات أو الأزقة الصغيرة، ولم يوفّق معدّو الديكور في العثور على الخلفيات المناسبة والمتعلقة بالثقافة الهندية التي تتمتع بالخصوصية.

ومن ناحية أخرى، اتسم التعامل مع حركة الجموع بكثير من التساهل أو الاستسهال، حيث بدا واضحا تحرّك الأشخاص أنفسهم حول أبطال العمل في مشاهد مختلفة ومُتباعدة.

لكن يمكننا هنا أن نلتمس العذر للقائمين على المسلسل، فقد حال توقّف حركة الطيران أثناء العمل على المسلسل دون التصوير في الأستوديوهات الهندية المتخصّصة كما كان مقرّرا، ما اضطر الشركة المنتجة إلى التعامل مع الموقف على عجل بتقليص مساحة المشاهد المفتوحة المخصّصة لشوارع بومباي.

ومع ذلك، يمثّل العمل في المجمل أحد الإنتاجات الدرامية المتميزة خلال الموسم الأخير، نظرا لطبيعة سياقه وضخامة إنتاجه، وكذلك عدد النجوم المُشاركين فيه.

16