الدراما اللبنانية تجترّ ثنائية الحب والانتقام

في المسلسل اللبناني "خرزة زرقا" يقرّر الزوجان عاليا ووليد المقيمان في دبي العودة إلى ضيعتهما في لبنان لأسباب طارئة، غير أن هذه العودة تتسبّب لهما في أزمات كبيرة تهدّد حياتهما الزوجية، إذ يواجهان معا العديد من الأزمات المرتبطة بماضيهما، وتتكشّف أمامهما مفاجآت لم تكن في الحسبان. فهل يصمد هذا الزواج أمام تلك الأزمات التي تكاد تعصف به؟ أم يتجاوز الزوجان هذه المحنة بسلام؟
تعرض حاليا قناة “أو.أس.أن ياهلا” الإماراتية المسلسل اللبناني “خرزة زرقا”، وهو من إخراج جوليان معلوف وتأليف كلوديا مارشليان، ويشارك في بطولته كل من بديع أبوشقرا ومعتصم النهار ورولا بقسماتي وكارمن لبس وطوني عيسى ويوسف حداد وفادي إبراهيم. والمسلسل مكوّن من ستين حلقة وهو يدور في إطار اجتماعي لا يخلو من التشويق والمفاجآت.
ندرك منذ المشاهد الأولى من العمل مدى هشاشة العلاقة التي تجمع بين الزوجين عاليا ووليد، وتؤدّي هنا دور عاليا النجمة الصاعدة رولا بقسماتي، بينما يؤدّي دور الزوج وليد النجم بديع أبوشقرا.
تزوّجت عاليا من وليد في ظروف استثنائية بعد انفصالها عن حبيبها زين (معتصم النهار) إثر ضغوط عائلية بسبب مستوى زين الاجتماعي.
وفور عودة الزوجين إلى ضيعتهما بلبنان بعد إقامتهما لسنوات بدبي تتفاقم الخلافات بينهما حين يظهر زين على مجرى الأحداث، إذ يشكّك الزوج في إخلاص زوجته له، ويتّهمها بأنها ما تزال تحنّ لحبها القديم.
أما زين فيتأكّد حين يلتقي بعاليا أنه ما يزال عاشقا لها رغم مرور السنوات، ورغم تركها له كما يظن لتتزوّج بآخر أكثر ثراءً. ومن هناك يحاول زين الابتعاد عن عاليا، لكنه لا يستطيع التخلّص من شعوره نحوها.
مصائر متشعبة
في الضيعة الصغيرة التي يقطن فيها الزوجان عاليا ووليد تتقاطع العديد من الخيوط والأحداث ومصائر الشخصيات، وتطالعنا هنا شخصية نادية (كارمن لبس) والدة عاليا، والتي تُظهر لنا الأحداث مدى توتّر علاقتها بابنتها لأسباب عديدة، لعل أبرزها لوم عاليا الدائم لها بسبب إرغامها على الزواج من رجل لا تحبه، وشعورها أنها تفرّق في المعاملة بينها وبين أخيها خليل (طوني عيسى).
المسلسل يعالج إكراهات الفوارق الطبقية في المجتمع اللبناني وانعكاساتها السلبية على العلاقات الأسرية
يتوفّى الأب بعد دخوله المستشفى بأيام قليلة، وتتكشّف على أثر ذلك العديد من المفاجآت، إذ تكتشف أسرته أنه قد باع كل أملاكه إلى زوج ابنته وليد لأسباب مجهولة. ومن هنا تحوم الكثير من علامات الاستفهام حول وليد ودوره في توريط الأب وإغراقه بالديون ودفعه إلى بيع أملاكه له.
تظهر جوانب كانت خافية من شخصية وليد حين نعرف دوره كذلك في إخفاء الحقائق حول حادثة مقتل الفتاة ليلى التي كانت تعمل لدى الأسرة، والتي اتُهم أحد أبناء الضيعة بقتلها، غير أن الأب يعترف لابنته قبل وفاته بأن أخيها خليل هو القاتل الحقيقي، وأن وليد هو الوحيد الذي يعرف بالأمر.
تشكّك عاليا في حقيقة دور زوجها في هذه الجريمة، بينما يستغل وليد معرفته بهذا السر لابتزاز الأسرة وإرغام أفرادها على الخضوع لسيطرته بما فيهم زوجته عاليا.
وفي هذه الأثناء يلتقي زين بحبيبته السابقة عدة مرات بمحض الصدفة، ويصارحها في إحداها أنه ما يزال يحبها، وحين يعلم وليد بالأمر يستشيط غضبا، ويحاول بكل الطرق إبعاد زين عن طريقه.
وبين شدّ وجذب ومحاولات زين كشف حقيقة مقتل الفتاة ليلى ينشأ صراع محموم بين زين ووليد، يقتل وليد على أثره الحصان الخاص بزين.
تتصاعد حدة الصراع بين الطرفين أكثر فأكثر إلى أن تتكشّف المفاجأة الأهم في أحداث العمل حين يعلم زين أن الطفلة آيلا ابنة عاليا هي ابنته هو وليست ابنة وليد، إذ تزوّجت حبيبته وهي حامل بها دون أن تخبر أحدا. وحين يعلم وليد بهذا الأمر يقرّر الانتقام من زوجته بحرمانها من أبنائها وأخذهم بعيدا عنها.
تتوالى الأحداث على نحو بطيء، ويحتدم صراع جديد بين وليد وزين حول أحقية كل منهما في الطفلة الصغيرة. وفي خضم هذه الأحداث المتوالية تتكشّف شخصية وليد المركبة ورغبته في الانتقام من عائلة زوجته لأسباب تتعلّق بماضيه، وحين تدرك عاليا مدى الخلل الذي تتّسم به شخصية زوجها تقرّر الابتعاد عنه بشكل نهائي، غير أن وجود طفليها يقف عائقا دون تحقيق هذه الرغبة. فهل ستنجح عاليا في التخلص من هذا القيد؟ هذا ما ستكشف عنه الأحداث القادمة بلا شك.
أداء مقنع

أحداث المسلسل تبدو مُشوّقة دراميا غير أن الإيقاع البطيء للمشاهد حال دون الاستمتاع بهذا التشويق، وكان من الأفضل مثلا أن يتمّ اختصار العمل في عدد حلقات أقل، فالإمعان في حشو السياق الدرامي بأحداث ومشاهد غير هامة، وحوارات ثقيلة من أجل زيادة عدد الحلقات يخصم من رصيد العمل ويصيب المشاهد بالملل.
ومن ناحية أخرى بدا أن كاتبة العمل ومخرجه متأثران بأجواء الدراما المكسيكية إلى حد كبير، كما هو واضح في المشاهد والسياق العام للقصة وملامح الشخصيات، وهو أمر لافت في العديد من الأعمال الدرامية اللبنانية، كما أن فكرة العمل على نحو عام والتي تدور حول ثنائية الحب والانتقام تبدو مستهلكة، وتم تناولها ومعالجتها مئات المرات.
على صعيد الآداء تبرز هنا شخصية عاليا التي تؤدّيها النجمة رولا بقسماتي، وهي مفاجأة المسلسل في حقيقة الأمر، إذ تتأكّد موهبة بقسماتي الصاعدة في كل عمل تخوضه، فهي تحافظ على أداء طبيعي غير مصطنع في جميع أعمالها التي قدّمتها حتى الآن، وهي فنانة تثبت جدارتها التمثيلية يوما بعد يوم في الدراما والسينما والمسرح أيضا. ويطالعنا أيضا الدور الذي قدّمته كارمن لبس، فعلى الرغم من تشابه تفاصيله مع الكثير من الشخصيات التي أدّتها من قبل، إلاّ أن حضورها يبدو لافتا ومتزنا مع شخصيتها كأم قوية وصارمة تحاول الحفاظ على أسرتها من الانهيار بعد وفاة زوجها.
كذلك الحال مع شخصية وليد التي يؤدّيها بديع أبوشقرة، إذ تتشابه كذلك مع شخصيات سبق أن قدّمها النجم اللبناني من قبل، غير أن حضور أبوشقرة اللافت يمثل إحدى ركائز العمل بأدائه المتقن للشخصية
المركبة. ويمكن الإشادة هنا أيضا بأدوار كل من طوني عيسى في دور خليل، وهو شاب يعاني من مشاكل نفسية، وكذلك الفنانة هند خضرا في دور المحامية غيدا، ومعتصم النهار في دور زين ويوسف حداد في دور العم فؤاد.