مسلسل الحشاشين يفتح النار على الساسة الإيرانيين

خشية التأويل جعلت الساسة في إيران يهاجمون العمل الذي اعتبروه خطرا داهما لا بد من مواجهته خاصة أن المسلسل قابل للتأويل لأنه يتحدث عن موضوع قريب من هذا الواقع الذي يمر به الشرق الأوسط.
السبت 2024/05/04
عن أي تشويه للحقائق يتحدث الساسة الإيرانيون

لا يمكن الإذعان وتصديق أن سبب حظر مسلسل "الحشاشين" حسبما ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن “روايته للتاريخ الإسلامي تتضمن العديد التشوهات، ويبدو أنه تم إنتاجه بنهج سياسي متحيز”، وأن المسلسل يظهر “صورة زائفة للإيرانيين”، وأنه يسعى إلى ربط الإيرانيين بـ“بداية الإرهاب”، وأنه تحريف للحقيقة وتزييفها، إلى غير ذلك من هذه الادعاءات والتهم.

فلماذا لا يترك هؤلاء الساسة الحكم للجمهور، ويتخلوا عن القيام بالوصاية عليه، فلم تعد الوصاية على الجمهور ممكنة في عصرنا هذا، فقد شبت عن الطوق الجماهير.

لقد اعتبر الشارع الإيراني قرار الحظر هزيمة ذاتية، وأن الفيلم الذي يتم إنتاجه بشكل سيء أو الكتاب المكتوب وبشكل سيء يحصل على دعاية مجانية عند حظره.

ومع ذلك فقد رأى الساسة الإيرانيون في قرار الحظر الحل الأنجع لمنع الدخول في دوامة التأويلات التي سيطرحها المواطنون لدى مشاهدة المسلسل.

ولعل الجبهة الإيرانية لم تكن موحدة هذه المرة، إذ انقسم الجمهور ما بين مؤيد ورافض لهذا القرار

تأويل رموز مسلسل الحشاشين هو أمر وارد فحسن الصباح لا يشابهه المرشد الإيراني فحسب، بل عند التدقيق في الكثير من مشاهده سنجد تشابها كبيرا إلى حد الدهشة بين الصباح وبين كل فكر ضبابي متطرف

ومع ذلك رأينا الكثير من النقاد الإيرانيين يستهجنون هذا القرار ويعتبرونه فرارا من المواجهة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وصف الناقد السينمائي الإيراني رضا درستكار، حظر بلاده بث المسلسل المصري “الحشاشين”، بأنه “أمر مستهجن ومضحك”، مبينا “أن هناك من المسؤولين المسيطرين على المشهد الثقافي من يفكرون بعقلية الثمانينات”.

ورأى آخرون أن قرار الحظر سيكون سببا في نجاح المسلسل وانتشاره بشكل أكبر، وسيتم الإقبال على مشاهدته بأي طريقة وعلى أي منصة بعد حظره، وفق مبدأ “الممنوع مرغوب”.

فيما دعا نقاد مصريون طهران إلى الرد “فنيا” على “الحشاشين” بدلا من الحظر، فالناقدة الفنية ورئيسة تحرير صحيفة “اليوم السابع” المصرية علا الشافعي، تؤكد أن “الرد على الفن يكون بالفن من خلال تقديم رواية أخرى يرى أصحابها أنّها الأصح والأدق وتعبر عن موقفهم”.

أما طارق الشناوي فيؤكد أن “المسلسل حمل جانبا كبيرا من الخيال لخدمة الدراما إلا أن صناعه يستحقون التحية، لكون العمل أغضب الإيرانيين والجماعات الإسلامية المتطرفة”.

ولعل قرار الحظر أعطى ردة فعل عكسية لدى المشاهد الإيراني إذ أثار الفضول لدى الكثيرين وشجّعهم على كسر هذا الحظر ومشاهدة هذا المسلسل، فرأينا إشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي من الجمهور الإيراني.

وقد نشر مؤلف المسلسل عبدالرحيم كمال منشورا عبر حسابه على فيسبوك أوضح فيه أنه تلقى رسالة محترمة من سيدة إيرانية تعبر عن إعجابها الشديد بالمسلسل، الذي أخرجه بيتر ميمي، واشتهر بشكل كبير في إيران على الرغم من الحظر.

أشارت السيدة في رسالتها إلى تأثرها بجودة العمل العالية وبراعة تقديمه للأفكار ووجهات النظر الإسلامية المتباينة، واعتبرت أن التصوير الدقيق للديناميكيات الاجتماعية والأيديولوجية المعقدة لاقى صدى قويا لدى الجمهور الإيراني.

كما ذكرت المشاهدة في رسالتها أن الجمهور الإيراني واجه صعوبة بسبب عدم توفر نسخة رسمية مترجمة إلى اللغة الفارسية، ما اضطر الجمهور إلى التعامل مع ترجمات غير رسمية باللغة الإنجليزية أو العربية.

وناشدت المشاهدة مؤلف المسلسل إصدار نسخ مترجمة باللغات الرئيسية لتسهيل الوصول إليها، وأشادت بما قدمه المسلسل من عرض قوي ومؤثر.

فيما اندفع المشاهد العربي بعد هذا القرار الإيراني إلى محاولة اكتناه أسباب المنع من خلال مشاهدة المسلسل مرة ثانية والتنقيب في ثناياه للكشف عما أثار حفيظة الساسة الإيرانيين في هكذا عمل.

لماذا لا يترك هؤلاء الساسة الحكم للجمهور، ويتخلوا عن القيام بالوصاية عليه، فلم تعد الوصاية على الجمهور ممكنة في عصرنا هذا، فقد شبت عن الطوق الجماهير

عن أي تحريف وتشويه للحقائق يتحدث به الساسة الإيرانيون؟

ألم يكن حسن الصباح موجودا في التاريخ؟ وجماعة الحشاشين ألم تكن جماعة انتهجت أسلوب القتل والعنف؟ أين التحريف في ذلك؟

هل كان الساسة الإيرانيون يريدون منا جعل حسن الصباح وليا من الأولياء وقديسا من الأقداس؟ إذا كانت عندهم رواية مختلفة فلماذا لا يخرجونها على الملأ؟

في الحقيقة وجدنا رأيا مغايرا ومخالفا وصادما لكنه متوقع، فالكثير من رجالاتها يتبنون وجهة “خالف تُعرف” فقد هاجمت صحيفة “شهروند” الإيرانية مسلسل “الحشاشين” واتهمته بتحريف حقبة من تاريخ إيران، وتشويه صورة الإيرانيين، وإعطاء شكل سيء عنهم لدى العرب.

كما دافعت الصحيفة عن جماعة الحشاشين، وقالت إن هذه الجماعة كانت مظهرا من مظاهر المطالبة بالعدل في تاريخ إيران، وأن الصورة التي قدمها المسلسل المصري لا تنسجم مع حقيقة الأحداث التاريخية، ولا تنسجم مع طبيعة سكان أهل قلعة “ألموت” آنذاك، حسب ما جاء في الصحيفة.

ورفضت الصحيفة أيضا صورة حسن الصباح قائد جماعة الحشاشين المقدمة في المسلسل، وقالت إن حسن الصباح كان “مصلحا تحرريا”، وكان ينشد “العدالة والرفاه” في المجتمع. بل قامت الصحيفة بالثناء العطر على حسن الصباح ووصفته بـ“رجل الدين” و“الزاهد المتعبد”، و“الثائر المصلح”.

أرأيتم كيف تتعامل إيران مع النصوص التاريخية ولا عجب في ذلك، فالأعمال الإيرانية صاحبة باع طويل في التشويه والمغالطات التاريخية.

ومن الأمثلة على ذلك مسلسل “الإمام علي” الذي يشهد على مدى التشويه في صورتي معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.

أما ادعاؤهم بأن العمل مسيّس فلا عجب، فقد نقلت الصحيفة كلاما لما قالت عنه إنه أستاذ في جامعة الأديان والمذاهب في إيران، وقال إن مسلسل الحشاشين هو “إنتاج صهيوني يعتمد تحريف التاريخ وإعطاء صورة سيئة وشبيهة بداعش لرافضي الاستكبار والشيعة”.

والحق أقول: إن صناع المسلسل لا ينكرون المزج بين التشابك التاريخي والسياسي في آنٍ واحد.

فمسلسل الحشاشين يؤرخ للجذور الأولى لفكرة التنظيمات السرية الإرهابية التي تستغل الدين لخداع الشعوب والترابط ما بين الدراما والتاريخ والواقع.

الساسة الإيرانيون رأوا أن هنالك شبها بين حسن الصباح والمرشد الإيراني في أمور كثيرة، فكلاهما ادعى امتلاك مفتاح الآخرة وهي الوسيلة التي اتبعها الاثنان في غسل أدمغة أتباعهم وإقناعهم بأن كل من خرج عن إطار تنظيمهم هم كفار أعداء الله

ومع كل هذا فقد رأى القابعون في طهران أمرا بالغا أثار حفيظتهم، فاتخذوا سيناريوهات الحظر والمنع، وذلك عندما أخضعوا هذا العمل لتأويلات عديدة، فأي شيء هذا الأمر؟

لقد رأى الساسة الإيرانيون أن هنالك شبها بين حسن الصباح والمرشد الإيراني في أمور كثيرة، فكلاهما ادعى امتلاك مفتاح الآخرة وهي الوسيلة التي اتبعها الاثنان في غسل أدمغة أتباعهم وإقناعهم بأن كل من خرج عن إطار تنظيمهم هم كفار أعداء الله.

ففي أثناء حرب العراق قام الخميني لتحفيز الشباب ويزيد من إقبالهم على الموت بوعدهم بدخول الجنة لمن يموت منهم، بل صار يعطي للكثير منهم مفاتيح مدعيا أنها من مفاتيح الجنة وطالبهم بالاحتفاظ بها حتى الموت حتى يفتحوا بها بيوتهم وقصورهم في الجنة.

كلاهما انتهج مبدأ السمع والطاعة للقائد القادر على إقناع أتباعه بأفكار خاطئة لتبرير جرائمه وقام بتوظيف الدين ليكون أداة للقتل والإرهاب والتدمير في العالم الإسلامي.

كما أن هناك تطابقا بينهما، فقد أسس حسن الصباح فرقة مكونة من أكثر المخلصين وسماها الفدائيين، وهو الأمر نفسه الذي دأبت عليه إيران من قتل لخصومها في الداخل.

فالخميني نفسه أعدم كبار الجنرالات، وأكثر من 200 من كبار مسؤولي الشاه المدنيين، وأجرى قضاة الثورة محاكمات صورية لهم.

لقد خشي الإيرانيون، وأقصد الساسة، أن يتم تأويل هذا العمل من قبل الجمهور الإيراني وقد ضربنا مثالا سابقا عن تأويلنا لحسن الصباح كما بدا لنا باعتبارنا أحد المتلقين.

إن خشية تأويل هذا العمل جعلت الساسة في إيران يهاجمون هذا العمل الذي اعتبروه خطرا داهما لا بد من مواجهته والحيلولة دون وقوعه.

ويمكن الاستشهاد على ما سبق بقول أحد مخرجي الأفلام في إيران ردا على منع “الحشاشين” في إيران فقد “كان متوقعا، والمسلسل قابل للتأويل، لأنه يتحدث عن موضوع قريب من هذا الواقع الذي يمرّ به الشرق الأوسط حاليا، وردود الفعل هذه لم تظهر في إيران فحسب، بل في بعض الدول العربية”.

وأخيرا نقول: إن تأويل رموز مسلسل الحشاشين هو أمر وارد فحسن الصباح لا يشابهه المرشد الإيراني فحسب، بل عند التدقيق في الكثير من مشاهده سنجد تشابها كبيرا إلى حد الدهشة بين الصباح وبين كل فكر ضبابي متطرف سواء من حيث الأهداف أو المبادئ والعناصر والاستقطاب والجنة المعنوية.

9