مسرحية سورية للأطفال تجمع بين الإمتاع والإفادة

يشهد مسرح الطفل في سوريا حراكا متميزا في شتاء كل عام، حيث تتيح العطلة الدراسية المجال للأطفال لمتابعة المهرجان المسرحي الذي بات حدثا سنويا منتظرا. فعلى امتداد عشرة أيام تابع الأطفال وذووهم في جل محافظات البلاد أكثر من عشرة عروض مسرحية جمعت بين الإمتاع والإفادة.
دمشق – كما في كل عام، تقيم مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية مهرجانا لمسرح الطفل في العطلة الدراسية النصفية للتلاميذ، حيث تقدّم مجموعة من العروض المسرحية يخصّص بعضها للدمى أو خيال الظل.
قدّمت المديرية في الموسم الحالي المهرجان الأحدث لها وسط حالة ترقب من الجمهور الذي صار يتابع هذه العروض بشغف وينتظرها من عام لآخر. وخلال ما يقارب العشرة أيام قدّمت العديد من العروض. كان من المتميّز فيها مسرحية “القطة شحرورة”، وهي من تأليف وإخراج زهير البقاعي في ثاني أعماله المسرحية الموجهة للأطفال بعد “شموسة” الذي عرضه في المهرجان ذاته عام 2016.
بين الوفاء والنكران
اعتمدت المسرحية على حوامل فكرية سامية، منها الحب والصدق وحب العلم والدراسة والالتزام بما يقوله الآباء والأمهات. وحفلت بالمنعطفات الدرامية التي جذّرت هذه القيم.
كتب البقاعي قصة المسرحية من خلال مكان بيئي هادئ، حيث يسكن زوجان في بيت صغير ويعملان في صباغة الحبال. ولديهما ابنة صغيرة اسمها “غندورة” الشغوفة بقطتها الجميلة “شحرورة” التي تعيش مع الأسرة في البيت.
وعادة ما تلعب القطة شحرورة بالحبال الملونة التي يصبغها الرجل وزوجته وهذا ما يسبّب المتاعب لها وللطفلة غندورة. لكن التصعيد يكون عندما يستغل العقرب الذي يسكن قريبا هذه الحالة فيقوم بتخريب المكان ويلصق التهمة بالقطة طمعا بأبعادها عن المكان، فما يكون من الرجل الغاضب صاحب البيت إلّا أن يقرّر وضع القطة في كيس ليرمي بها في مكان بعيد بحيث لا تعود إليهم.
لكنها تعود فورا، فيأخذها في المرة الثانية إلى مكان أبعد بحيث لا تتمكن من العودة إلى البيت. ترفض الطفلة ما حدث للقطة، وتصير في حالة نفسية سيئة، وهذا ما يجعل جو البيت متوترا ومشحونا بالقلق.
الأب والأم يخشيان على الصغيرة من عواقب ذلك، لكنهما أيضا لا يريدان القطة. وبعد فترة من العذاب والسير في الغابات تعود القطة إلى البيت، وهي متعبة ومنهكة القوى فتنام في حديقة البيت إلى جانب الفتاة التي كانت نائمة وتعبة من بكائها أيضا. هنا يأتي العقرب مجددا، ويبدأ بالتفكير فيمن يلدغ أولا الطفلة أم القطة؟
وفي الأثناء تستيقظ القطة وتراه وقد أراد أن يلدغ الطفلة فتمنعه، لكنه ينجح في لدغ القطة بدلا عنها. تشاهد الفتاة ما حدث وتصيح طالبة النجدة، فيأتي الوالدان ويتعرّفان على حقيقة أن العقرب كان وراء هذه الأخطاء. ولكون القطة مصابة الآن بلدغة العقرب تصنع الأم الدواء لها وتناوله للقطة التي تشفى. ويقرّر الأب أن تبقى القطة في البيت، وأنهم جميعا سيكونون متحدين في مواجهة أخطار العقرب.
حمل العرض على عاتقه عبء تقديم موضوعات فلسفية وإنسانية قيّمة للأطفال مستندا على حكاية بسيطة من حيث تسلسل الأحداث التي ظهرت تباعا بشكل غير معقد. وكما في عروض الأطفال كانت الموسيقى التي وضعها سامر الفقير عاملا هاما في إضفاء جو من البهجة على العمل، حيث أوجد العرض مساحات كبيرة للموسيقى والرقص والغناء.
ولعبت إضاءة بسام حميدي دورا في رسم ملامح بصرية عديدة تناغمت فيها مع الأحداث والموسيقى والرقص، فكوّنت فضاء مسرحيا جاذبا للأطفال. وكذلك كانت ملابس العرض التي صمّمتها ريم الماغوط، حيث تميّزت بالبساطة ورشاقة الألوان، خاصة بالنسبة إلى العقرب الذي تشكل بملابس سوداء تميّزه. وهي الشخصية التي أدّتها الممثلة آلاء مصري زاده وكانت ملفتة للنظر وشكلت حالة تفاعلية مع جمهور الأطفال فأحبوها رغم كونها تحمل قيم الشر.
و”القطة شحرورة” مسرحية من إنتاج المديرية العامة للمسارح والموسيقى بسوريا، كتبها وأخرجها زهير البقاعي، ومن بطولة مجد نعيم وليزا نصير وآلاء مصري زاده ورولا طهماز وزيد الظريف. أما الإضاءة فكانت لبسام حميدي والموسيقى لسامر الفقير والأزياء لريم الماغوط.
قيم إنسانية خالدة
يرى زهير البقاعي مؤلف ومخرج عرض “القطة شحرورة” أن “مسرح الطفل يحتاج إلى قلب طفل وعقل فيلسوف كي تصل رسائله إلى الفئات المستهدفة”.
وهو مع ضرورة وجود هذه النوعية من العروض المسرحية بعد فترات الدراسة الطويلة التي يعيشها التلاميذ، حيث يعتبرها نوعا من المكافأة والتسلية والمتعة التي تشكل للطفل عوالمه الجميلة، كما أنها في الآن ذاته توفّر له نوعا من التوجيه التربوي بشكل بعيد عن الوعظ والمباشرة، وتحفّز لديه البحث عن الذائقة الفنية والجمالية ليحتفظ بها في ذاكرته فترات طويلة، وهذا ما يعني دعم الطفل بقيم إنسانية تشكّل كيانه اللاحق.
وعن دور المسرح في تقديم الأفكار التربوية وخلقه حالة تكاملية مع التعليم، يتابع “المسرح كما أراه معني بتقديم المتعة أولا ثم الفائدة. والمقصود بالمتعة هي التسلية الراقية والنظيفة وأن تكون المسرحيات ذات بعد إنساني عميق، لنزرع داخل الأطفال القيم العليا التي لا بد فيها من الحكاية والإدهاش ووجود مواضيع جميلة ممتعة تكون جاذبة له”.
وحول مدى قدرة المهرجان في خلق حالة من التفاعل بين الطفل والمسرح، يقول “المهرجان بات حدثا سنويا، يهمّ الأطفال وذويهم وكذلك مديرية المسارح والموسيقى التي تشكر على إصرارها على تقديم هذا المهرجان المسرحي السنوي، هو مشروع يحتاج إلى جهود كبيرة وقدرات عالية ثقافية ومعرفية، لكونه يحقّق التوجه الجمالي التربوي الذي نهدف إليه جميعا”.
وعن المهرجان بشكل عام قال عبدالسلام بدوي مدير مسرح الطفل والعرائس “من بين أهم أدوار المسرح عامة ومسرح الطفل خاصة زيادة الوعي لدى الناشئة في مثل هذه المرحلة الفارقة من التاريخ السوري، فالفن يواكب اللحظة ومؤرّخ دقيق لها”، لافتا إلى أهمية إقامة مثل هذه المهرجانات التي يقدّم المسرح عبرها رسائل تربوية وتوعوية.
وضمن فعاليات المهرجان قدّم أيضا المسرح القومي في محافظة الحسكة مسرحيتي “لننسج حكاية” و”أنشودة البشر”، وتناول العرضان قيم الخير والمحبة وحب العلم وتعزيز الأهداف النبيلة لدى الأطفال.
ويبيّن مدير المسرح القومي إسماعيل خلف أن العرض الأول “لننسج حكاية” يؤكّد على تقدير العمل والعطاء، بينما يبرّر الكسول فشله بأحلام اليقظة، وأن النجاح والسعادة يكمنان في العمل الجاد والاجتهاد لتحقيق أهداف الحياة.
وعن العمل الثاني قال “تركّز أنشودة البشر على فكرة بثّ الخير بين البشر وأن يكون الحب والصدق عنوان أي صداقة”، مبيّنا أن العملين اعتمدا أجواء احتفالية مع تقديم أغان بأسلوب كوميدي محبّب للأطفال.