مسرحية "ريا وسكينة" بريطانية 2.0

أين أنت يا غاندي لترى ماذا كانت الأقدار تخبئ للمهاجرين الهنود في بريطانيا؟ لا شك أن الهنود أو البريطانيين من أصول هندية لا يخافون من سيارة الشرطة التي أمامهم الآن.
الأربعاء 2022/10/26
هنود بريطانيا "شبكوا الحكومة وبقوا قرايب"

ثمة أغنية طريفة في مسرحية “ريا وسكينة” للمبدعتين الراحلتين شادية وسهير البابلي. تزوجت سكينة، ودورها في المسرحية سفاحة متخصصة بقتل النساء، من شاويش قسم الشرطة عبدالعال (عبعال كما تناديه). السفاحة تبحث عن حماية تُغطّي على ما اقترفته هي وأختها. تقول الأغنية "شبكنا الحكومة.. وبقينا قرايب". انتهى الخوف طالما الأختان تحت حماية الشاويش عبعال.

في دراما الحياة التي شهدناها في بريطانيا خلال الأشهر الماضية، كانت هناك حاجة إلى تأليف أغنية مشابهة. البريطانيون من أصول عراقية شهدوا وصول المهاجر ناظم الزهاوي إلى منصب وزير المالية، وهو المنصب الثاني في تراتبية الحكم في بريطانيا. كنت جالسًا في السيارة مع زميل يشتغل معي في المؤسسة نفسها وهو بدوره مهاجر من غانا. قلت له، مستخدما تهكما عراقيا يرتبط بطريقة النظر لوصول قريب إلى منصب رفيع: "يا صديقي، لم تعد سيارة الشرطة التي أمامنا تخيفنا. لدينا عراقي الآن في سدة الحكم والسلطة".

لم يطل الأمد بالزهاوي في منصبه وتصرف كعراقي وبعد أيام من تعيينه هدم المعبد على رأسه ورأس من عيّنه، رئيس الوزراء بوريس جونسون. تغريدته التي أقرّ فيها بضرورة رحيل الكذاب جونسون كانت طريفة، حيث ذكر فيها ما يشي بأنه تفاجأ بسلوك جونسون. عدنا، نحن المهاجرين، إلى الخوف من سيارة الشرطة التي أمامنا.

Thumbnail

حلقة الدراما التالية منحت زميلي الغاني فرصة الاستعراض أمامي. استعراض هو نسخة قريبة مما قلته قبل أسابيع قليلة. تم تعيين الوزير من أصول غانية كواسي كوارتينغ وزيرا للمالية في حكومة “قصيرة العمر” ليز تراس. طالما أنا وزميلي الغاني في سيارة واحدة، فلن نخاف من سيارة الشرطة التي أمامنا. لدينا وزير من أصول غانية يحتل رقم 11 داونينغ ستريت، المكتب المجاور تماما لمكتب رئيس الحكومة البريطانية رقم 10 داونينغ ستريت.

لم يخيب كوارتينغ الظن فحسب، ولم يهدم المعبد على رأسه ورأس "قصيرة العمر" ليز تراس، بل هدمه بخطته الاقتصادية الطائشة على رأس الجنيه الإسترليني والاقتصاد البريطاني ورأسنا ورأس كل من يقيم في بريطانيا. في لمح البصر تبخر ما يعادل 20 في المئة من قيمة ما في جيبي، ومعه قيمة أي عقار في بريطانيا، وأي سهم وأي شيء مقيّم بالجنيه الإسترليني. استُدعي على عجل من اجتماع صندوق النقد في واشنطن، حيث تم تقريعه هناك كما يقرع أي وزير مالية من دول العالم الثالث، وفصلته تراس من منصبه، قبل أن تفصل نفسها من المنصب. يا زميلي الغاني، ها نحن نخاف من سيارة الشرطة التي أمامنا ثانية.

الآن نحسد أصدقاءنا من الهنود. ها هو ريشي سوناك الهندي الأصل يصبح أول رئيس غير أبيض للحكومة البريطانية. سوناك يتصرف عموما مثل جوز الهند: من الخارج أسمر ومن الداخل أبيض. ولكن في النهاية، هذا زعيم من أصول هندية يدين بالهندوسية ويحكم بريطانيا، دولة التاج التي كانت تحكم مستعمرة الهند. أين أنت يا غاندي لترى ماذا كانت الأقدار تخبئ للمهاجرين الهنود في بريطانيا؟ لا شك أن الهنود أو البريطانيين من أصول هندية لا يخافون من سيارة الشرطة التي أمامهم الآن. لقد "شبكوا الحكومة وبقوا قرايب". عبعال الهندي في مهمة إنقاذ بريطانيا من جنون تسليم الحكم لحمقاء مثل تراس، وقبلها لكذاب محترف.

مشهد جانبي قبل الختام؛ عاد ناظم الزهاوي لدعم الكذاب جونسون الذي قطع إجازته وعاد يريد استعادة كرسي الحكم. كتب مقالا يشيد بجونسون تحت عنوان “استعدوا لجونسون 2.0”، أي النسخة المحدثة من جونسون. لم نر إلا كذابنا القديم الذي انسحب أمام سوناك، واضطرت صحيفة الديلي تليغراف إلى شطب مقال الزهاوي من موقعها بعد نشره بدقائق. عمر الكذب 2.0 قصير كما يبدو.

20