مساع داخلية لسحب الحزب الحاكم في الجزائر من معسكر السلطة

مطالب بتنحية معاذ بوشارب بعد "تصريحاته الاستفزازية وغير المسؤولة" تجاه الحراك الشعبي ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة.
الخميس 2019/02/28
غضب يحرج الحزب الحاكم

تزايدت ملامح التصدع  في جبهة الموالاة وداخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، احتجاجا على طريقة تعاطي قيادات في الحزب والسلطة مع الاحتجاجات الرافضة لترشيح عبدالعزيز بوتفليقة، ما يضع صورة الحزب على المحك.

الجزائر – أفاد برلماني سابق وعضو قيادي سابق في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، بأن اتصالات ومشاورات جارية بين مختلف الفاعلين في الحزب من أجل سحبه من معسكر السلطة، وإعادته إلى الوعاء الشعبي وإلى قواعده الحقيقية، بعدما جهر الشارع الجزائري بمواقفه تجاه المرحلة السياسية الحالية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “العديد من القيادات والوزراء والنواب السابقين من مختلف محافظات الجمهورية بصدد إجراء مشاورات، ترمي إلى إنقاذ الحزب من قبضة الرئاسة التي عبثت به طيلة العشريتين الأخيرتين، حيث كانت وراء الانشقاقات والصراعات الداخلية منذ عام 2004 إلى غاية الآن وتوظيفه في تمرير مختلف أجنداتها بما فيها الولاية الرئاسية الخامسة”.

ولفت إلى أن رصيد الحزب وثقله وسمعته لا تسمح لأبنائه بأن يتركوه جسرا لتمرير مخططات وأغراض ضيقة، ولا يمكن لهم أن يدعوه يسبح ضد خيار الإرادة الشعبية التي عبرت عن رأيها وموقفها في الحراك الشعبي، وأن مسيرات الـ22 والـ24 والـ26 كانت واضحة الرسائل والمواقف، ولا يمكن أن نبقى في وضع يناقض إرادة الشعب.

وتابع المتحدث قائلا إن المساعي المذكورة لا تتصل ببعض التحركات المعزولة هنا وهناك، بغرض سحب البساط من تحت هذا أو رفع ذاك، مع إبقاء الحزب في السياق نفسه الذي سبب نفورا شعبيا منه، ينذر بقطيعة غير مسبوقة بين الشارع وجبهة التحرير الوطني.

وتصاعدت وتيرة التصدعات الأولية في الحزب الذي يرأسه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، منذ الأسبوع الأخير، حيث أعلن عدد من المناضلين في محافظة خنشلة بشرق البلاد، عن “انسحابهم من الحزب وعن معارضتهم لترشيح جبهة التحرير الوطني للرئيس الحالي”.

وفيما لم يؤكد أصحاب البيان دليلا على انتمائهم إلى الحزب الحاكم، فإن هؤلاء الشباب قرأوا بيانهم أمام مبنى المحافظة (هيئة حزبية على مستوى المحافظة)، وشددوا على أنهم “انخرطوا فيه من أجل الجزائر، وقرروا مغادرته من أجل الجزائر”، وعبروا عن دعمهم للحراك الشعبي الرافض للعهدة الخامسة لبوتفليقة.

وشكل التحاق عدد من المناضلين والمنتخبين من الحزب الحاكم، بالمسيرة الطلابية في مدينة البويرة (شرقي العاصمة)، رسالة قوية مفادها التفكك الداخلي الذي يهدد الحزب بسبب ترشيح بوتفليقة، ولم تستبعد مصادر حزبية أن تأخذ العدوى شكل استقالات جماعية من قواعده ومن مجالسه المنتخبة في الأيام المقبلة.

واعترف نائب برلماني (سيناتور) من الغرفة الثانية للبرلمان، ومسؤول عضوي، في اتصال لـ”العرب”، بأن “قواعد الحزب غير راضية عن توجهات القيادة وعن المناورات الأخيرة، ولم تتم استشارتها أو الأخذ برأيها في القرارات المتخذة على مستوى الحزب أو السلطة”.

وأضاف “نقلنا انشغالات وتململ القواعد النضالية للجهاز (قيادة الحزب المركزية)، إلا أنه لم يأخذ بها، وأن قطيعة أو تمردا منتظرا بين الطرفين يمكن أن يحدثا في أي لحظة، وهو ما يتجسد في عدم الانصياع والامتثال للتوصيات والتعليمات الواردة من القمة، لاسيما في مسألة التعبئة لصالح عبدالعزيز بوتفليقة”.

وشكل إعلان رئيس البرلمان السابق سعيد بوحجة، المطاح به في أكتوبر الماضي، الأربعاء عن رغبته في خوض سباق الانتخابات الرئاسية، تصدعا مهما في صفوف الحزب، قياسا بالدعم الذي يحظى به من طرف فئة المجاهدين (قدماء المحاربين)، وقطاع عريض من قواعد الحزب، ما يجسد الوضع المضطرب داخل الحزب الحاكم.

الشارع الجزائري جهر بمواقفه تجاه المرحلة السياسية الحالية
الشارع الجزائري جهر بمواقفه تجاه المرحلة السياسية الحالية

وفي رسائل سياسية قوية أطلقها سعيد بوحجة، الذي يعتبر نفسه الرئيس الشرعي للمؤسسة وأن “مؤامرة غير شرعية وغير دستورية أطاحت به من منصبه “، اتهم السلطة القائمة بعدم التصرف الحكيم تجاه الشعب، واعتبر أن عدم الإنصات لانشغالات واهتمامات الشارع هو الذي دفعه للانفجار ضدها.

وقال “عدم اعتماد سياسة حكيمة مرنة تجاه الشعب، وتجاهل طموحاته، وعدم تهيئة المناخ الملائم لمرحلة الاستحقاقات الرئاسية، والتقصير الكبير في اعتماد سياسة حكيمة تتماشى مع مطالب الشعب وإعداد الأدوات الكفيلة بإنجاح الانتخابات، (كل ذلك) أفضى إلى هذه النتائج “.

وأضاف “شعارات الحراك كانت صائبة، ما عدا ما تعلق بمطلب رحيل جبهة التحرير الوطني، لأنه حزب غائب ومغيب، ولا وجود له هو وقيادته ومكتبه السياسي، وأن الهياكل الحالية للحزب الأول للبلاد لا تتماشى مع القوانين التي وضعها المؤتمر العاشر للحزب”.

واختفت الأجنحة المتصارعة في الحزب خلال الأيام الأخيرة، حيث التزمت الصمت والإدلاء بمواقفها تجاه التطورات المتسارعة، بمن فيهم الأمينان العامان السابقان عمار سعداني وعبدالعزيز بلخادم، الذي استقدم إلى قيادة الحزب مجددا، للقيام بما اعتبره “مهمة تطهير الحزب من الدخلاء والفساد”، إلا أنه توارى عن الأنظار خلال الأسبوعين الأخيرين.

وفي بيان وقعه عدد من أعضاء اللجنة المركزية ومحافظي الحزب في بعض الولايات، وكان على رأسهم الوزيران السابقان بوجمعة طلعي وعبدالسلام شلغوم، تمت الدعوة إلى تنحية المنسق العام الحالي معاذ بوشارب، على خلفية ما أسموه بـ”التصريحات الاستفزازية وغير المسؤولة تجاه الحراك الشعبي”. وأضاف البيان الصادر الأربعاء أن “حزب جبهة التحرير الوطني لم ولن يكون ضد طموحات الشعب الجزائري”، وأشادوا بالطابع السلمي والهادئ للمسيرات الشعبية التي عاشتها البلاد مؤخرا، كما دعوا إلى التئام اللجنة المركزية من أجل انتخاب أمين عام جديد للحزب”.

4