مسارات متوازية للحكومة المصرية استعدادا لمراجعة ملف حقوق الإنسان

تعول القاهرة على تقييم إيجابي من دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص تناولها وتعاملها مع ملف حقوق الإنسان، بعد أن تجاوبت مع أغلب التوصيات التي تلقتها خلال المراجعة الدورية السابقة في العام 2014 والخاص بحالة حقوق الإنسان في العالم، وعلى رأسها إقرار قانون جديد ينظم عمل منظمات المجتمع المدني.
القاهرة - تتحرك الحكومة المصرية على مسارات متوازية لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان الذي تعرض لانتقادات حادة من بعض المنظمات الدولية، قبل انطلاق أعمال الدورة الـ24 للمراجعة الدورية الشاملة لحالة حقوق الإنسان، في 13 نوفمبر الجاري بجنيف.
وركزت القاهرة على التحركات الدبلوماسية كحاضنة سياسية داعمة لها، إلى جانب خطوات داخلية أدت إلى إعادة تفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان (استشاري حكومي).
وعقد أحمد إيهاب جمال، مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان والمسائل الاجتماعية والدولية، لقاءات مع سفراء الدول الغربية بالقاهرة اختتمها الخميس، وقدم فيها شرحا لمحاور التقرير الدوري الشامل الذي تتقدم به مصر إلى مجلس حقوق الإنسان.
وقال أيمن نصري، رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف (حقوقي)، إن الحكومة المصرية تعوّل على تقييم إيجابي من دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان، بعد تحقيق نجاحات عدة على مستوى مكافحة الهجرة غير الشرعية، وحصولها على إشادات من اليونان وقبرص وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا.
وتابع موضحا لـ”العرب”، بأن القاهرة تسعى إلى توظيف علاقاتها السياسية لتفادي قصور عمل المنظمات الحقوقية المحلية، وتراجع دور المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومواجهة أي هجوم قطري تركي متوقع خلال المناقشات.
وكشفت مصادر لـ”العرب”، أن القاهرة تجاوبت مع 80 بالمئة من إجمالي التوصيات التي تلقتها في المراجعة الدورية السابقة في العام 2014، وعلى رأسها إقرار قانون جديد ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، ويهدف إلى تمكينها من التحرك بمرونة حقوقية واسعة. وأضافت المصادر، أنها انضمت إلى العديد من المعاهدات التي تحمي حقوق الإنسان، وتعزيز وحماية حقوق المرأة وتمكينها سياسيا، ما انعكس على اختيار 8 وزيرات ضمن الحكومة الحالية، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وتحدثت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي الجمعة، أمام مجموعة من العاملين في عدد من المؤسسات الأميركية ومسؤولي هيئة المعونة الأميركية، عن التسهيلات التي قُدّمت للمنظمات الأجنبية والمحلية لممارسة عملها، في خطوة استهدفت استمرار تدفق المساعدات الاقتصادية والعسكرية سنويا لمصر، وتربطها بعض الدوائر في واشنطن أحيانا بملف حقوق الإنسان.
وتكمن أهمية زيارة والي في أن قانون الجمعيات الأهلية، حين تم إقراره منذ عامين، كان سببا مباشرا في وقف صرف 195 مليون دولار من المساعدات السنوية، قبل أن تعلن الولايات المتحدة الإفراج عنها في يوليو من العام الماضي، عقب وعد القاهرة بتعديل القانون وتحسين حال الحريات في البلاد.
ويبرهن النشاط الدبلوماسي على أن مصر لا تكتفي فقط بالتحركات الداخلية، إنما تدرك أيضا أهمية أن تحظى بمصداقية دولية قبل الذهاب إلى جينيف، وأضحت أكثر ثقة بكونها حققت إنجازات مهمة تستحق الإشارة إليها، بعد أن ركزت غالبية التقارير الصادرة من هيئات ومنظمات دولية، وآخرها البرلمان الأوروبي، على الجوانب السلبية فقط.
وضاعفت القاهرة من وتيرة تحركها البرلماني للتعامل مع انتقادات البرلمان الأوروبي الذي اتهم الحكومة بـ”الاستخدام المفرط للعنف من قوات الشرطة ضد المتظاهرين”.
وعقد علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري الجمعة، اجتماعات منفصلة مع كل من، غابرييلا كويفاس بارون رئيسة البرلمان الدولي، وروجي نكود دانغ رئيس البرلمان الأفريقي، على هامش مشاركته في مجلس المستشارين المنعقد بالمغرب.
وتنبهت الحكومة المصرية إلى ضرورة تفعيل علاقاتها الدبلوماسية بعد تيقنها من أن التعامل مع ملف حقوق الإنسان لا يخلو من تدخلات سياسية توجه دفة الموقف الدولي نحو اتخاذ مواقف مؤيدة أو مناهضة، ما يستدعي التنسيق المسبق، بعكس سياسة الصمت التي كانت تنتهجها والاكتفاء بإصدار بيانات نفي وتكذيب وتنديد، ما جعلها تأتي كرد فعل عما يثار ويجري ترويجه بشكل واسع على المستوى الدولي.
وأكد السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن التعامل الدبلوماسي مع ملف حقوق الإنسان يسوّق للرؤية المصرية، ويوضح الأبعاد القانونية
المرتبطة بالتعامل مع الملف، ويشرح طبيعة الأوضاع الأمنية التي تحتم العمل وفقا لقانون الطوارئ، وتقديم رؤية شاملة للنقاط التي استجابت لها الحكومة في آخر مراجعة دورية منذ أربع سنوات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن القاهرة تواجه صعوبات في شرح وجهة نظرها نتيجة عدم إدراك الآخرين لطبيعة الأوضاع الأمنية واختلاف معايير التقييم الغربية بشكل عام، ما أدّى إلى التفكير في التواصل مع السفراء باعتبارهم الأقرب إلى التعرف على حقيقة الأوضاع.
ووظفت القاهرة المنظمات الحقوقية العاملة في الداخل للترويج إلى الملف الحقوقي المصري خارجيا، وانعكس ذلك على جملة من اللقاءات التي عقدها عدد من رؤساء هذه المنظمات مع جهات دولية، بهدف تسويق الملف المصري والتركيز على وجهة النظر التي تتعامل مع ملف حقوق الإنسان برؤية شاملة تتضمن تحسين أوضاع السكن والجهود المبذولة للتعامل مع الطبقات الفقيرة، واستقبال مئات الآلاف من اللاجئين التابعين لأكثر من 60 دولة على مستوى العالم.
وشدد متابعون على أن التحركات المصرية تنبع من إدراك أهمية الحصول على تقييم إيجابي يكون مقدمة لوقف اتهامات المنظمات الدولية التي ترى فيها القاهرة تسييسا مقصودا، وتشك في تلقيها معلومات مغلوطة من جهات محسوبة على تنظيم الإخوان.
ودخلت اللجنة الوطنية المصرية إلى المراجعة الدورية الشاملة بالأمم المتحدة المكونة من قيادات حكومية لها علاقة بملف حقوق الإنسان وممثلي عدد من منظمات المجتمع المدني، في حالة انعقاد دائم إلى حين موعد سفر وفدها إلى جنيف في 10 نوفمبر المقبل.
وأشار جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى أن اللجنة أرسلت توصيات عدة إلى جهات حكومية لتسريع العمل في جملة من الملفات التي ترتبط بتحسين
صورة الدولة في الخارج، على رأسها الإسراع بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، ومراجعة تحديث منظومة القوانين العقابية، ووضع اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي الجديد، بمشاركة المجتمع المدني، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.
ولفت لـ”العرب”، إلى أن مطالبات الحقوقيين قبل السفر إلى جنيف تتضمن ضرورة الإفراج عن بعض المسجونين السياسيين، والسماح بالمزيد من زيارات وفود المنظمات الحقوقية للسجون وإفساح المجال أمام توفير أوضاع صحية أفضل للمرضى داخل السجون.
ويوفر إتمام الإجراءات المرتبطة بالإفراج عن بعض المحتجزين ثقلا في أثناء عرض ملف المراجعة الدورية، ويفتح المجال أمام الرد بأسانيد واقعية لما هو متوقع إثارته خلال المناقشات، والتأكيد على أن هناك مرحلة جديدة تشهد انفراجة سياسية وحقوقية.