مسابقة ملكة جمال المعوقات تحفز أسرهن على مساندتهن

القاهرة - لم يكن يتوقع أصحاب فكرة تنظيم مسابقة لذوات الإعاقات فقط، أن تلقى هذا القبول من أسر الفتيات اللاتي ولدن بإعاقات متنوعة، لا سيما أنهم وجدوا في مسابقة من هذا النوع بادرة للاعتراف بحق فتياتهن حتى في الترويج لأنفسهن وإظهار جمالهن، سواء الجمال المتعلق بملامح الجسد، أو حتى جمال الروح وخفة الظل.
ومع أن تنظيم المسابقة جاء من رحم تحرك فردي لمنظمة أهلية، تبدو غير معروفة للكثيرين، لكن الخطوة تضاف إلى سلسلة من التحركات لتعميق الاهتمام والرعاية بذوي الإعاقة.
خلال السنوات الماضية جرى تخصيص أماكن لهم في التعيينات بالجهاز الحكومي المصري بنسبة 5 بالمئة في القطاعات المختلفة، وحث جميع الجهات على دمج الطلاب منهم في المدارس الحكومية، وتخصيص رواتب شهرية لأسرهم.
تبدو فكرة المسابقة غريبة نوعًا ما، وهو ما تسبب في إثارة لغط مجتمعي حولها، غير أن المنظمين، أكدوا أن هدفهم الأساسي توجيه الأسر والمجتمع وأجهزة الدولة لفئة ذوات الإعاقات الخاصة (الحركية، البصرية، التوحد، الصم والبكم، والتأخر العقلي) وتوفير الدعم النفسي اللازم، وتشجيع أولياء الأمور على تنمية قدرات الأبناء وتطويرها. ومن قبيل إظهار جدية المسابقة، تم وضع شروط محددة للراغبات في التقدم إليها، أهمها أن يتراوح سن المتقدمة بين 10 و23 عامًا، ولها أنشطة مختلفة، رياضية أو فنية أو في أيّ جانب إبداعي، بهدف تشجيع أولياء الأمور على الاهتمام بأبنائهم، حيث توجد أسر غير عابئة بتنمية مهارات الرياضة والفن عند الأبناء، ما يضاعف من الضغوط النفسية عليهم.
الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تعاني منها أسر ذوات الإعاقة الخاصة، تجعل الأهل يبحثون عن بدائل لتخفيف هذه الضغوط عن كاهلهم، حتى وإن كانت "بسعادة مؤقتة"، مثل فرحتهم بأن ابنتهم قد تحمل اللقب
وما يميز المسابقة عن غيرها، أنها تسعى أساسا إلى إسعاد كل المتقدمات، حتى وإن تعرضن لخسارة اللقب، تجنبًا للأذى النفسي الذي يتعارض مع هدف الفكرة، فلن تكون هناك فتاة خاسرة، مهما كان سبب خسارتها، وجميع المتسابقات سيتم تكريمهن في الحفل الختامي، مع تمييز بسيط لملكة الجمال التي سيجري اختيارها من بينهن، لتقديم الدعم لهنّ والتركيز على أن ذوي الاحتياجات الخاصة من الممكن أن يكون بينهم مبدعون ومخترعون، وليسوا فئة مهمشة.
وقالت والدة إحدى الفتيات ممن تقدمن للمسابقة “إن موافقتها على اشتراك ابنتها المصابة بـ’متلازمة داون’ جاءت من منطلق إسعادها وإدخال الفرحة إلى قلبها.’
وأضافت لـ“العرب” قائلة “أعلم مثل كل أمهات الفتيات ذوات الإعاقة أن المسابقة لن تقدّم أو تؤخر شيئًا بالنسبة إلى حالة ابنتي، لكن وجدت في المسابقة ما يدخل الفرحة لقلوبنا لأول مرة، فلماذا لا نستغل الفرصة؟”.
وقام منظمو المسابقة بتدشين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) للحوار والنقاش مع الجمهور، والرد على الاستفسارات حول تفاصيل وتوقيت تنظيم المسابقة وآلية التقدم. وما ساعد على انتشار الفكرة بالأهداف التي يصبو إليها المنظمون، أنه يجري نشر صور خاصة للمتسابقات، أثناء المذاكرة في المنزل، أو ممارسة هواياتهن المفضلة، فضلا عن نشر السير الذاتية لهن، مع إظهار الابتكارات والنجاحات التي قامت بها كل متسابقة في أيّ مجال إبداعي لها، لتحفيز أسرهن على مساندتهن والبعد عن اليأس والإحباط.
ومن بين المرشحات لنيل لقب ملكة جمال مصر لذوي الاحتياجات الخاصة، فتاة عشرينية تدعى رانيا صالح، قالت عنها الصفحة الرسمية للمسابقة، إنها حصلت على المركز الأول في مسابقة المبرمج الصغير لصناعة البرمجيات التي تنظمها وزارة التربية والتعليم المصرية خمسة أعوام متتالية، وفازت في مسابقة المبدع العربي الصغير في النشر الإلكتروني التي نظمها الاتحاد العربي للنشر الإلكتروني عام 2010، ومثلت مصر في مؤتمر منظمة الصحة العالمية لتبادل الخبرات الدولية لذوى الاحتياجات الخاصة عام 2007.
منظمو المسابقة اشترطوا أن يكون للفتاة سجل حافل بأنشطة فنية وإبداعية لتشجيع أسرهن على الاهتمام بهن وإزالة الضغوط النفسية عليهن
المفارقة، أنه على الرغم من تأييد أسر الفتيات لفكرة المسابقة، باعتبارها انتصارًا، ولو مؤقتًا، لكل فتاة من ذوات الاحتياجات الخاصة، كانت هناك ردود فعل معارضة بشدة، من جانب منظمات حقوقية ونسائية عديدة، تحت مبرر أن المسابقة تمثل محاولة لترسيخ مبدأ عزل ذوي الإعاقات عن باقي فئات المجتمع.
من هؤلاء، إيفون الزعفراني، محامية ذات إعاقة حركية، قالت لـ”العرب”، “المسابقة تمثل زيادة في التمييز السلبي وجلب الشفقة لهن كذوات إعاقة”.
وأشارت إلى أنه لو “كان الهدف نبيلًا حقًا، لتمّ الإعلان عن مسابقة عامة لاختيار ملكة جمال وتتقدم إليها ذوات الإعاقة مثل غيرهن من الفتيات، وفي حال تراخي مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذوي الاحتياجات الخاصة في التصدی لإقامة هذه المسابقة، سوف نلجأ إلى الجهات القضائية لوقفها”.
لكن ما يعزز استمرار المسابقة، أن المجلس القومي لمتحدي الإعاقة (جهة حكومية) لم يعلّق بالإيجاب أو الرفض عليها، كما أن المنظمين أكدوا أنه سوف يتم الإعلان عن الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي سوف ترعى المسابقة مطلع الشهر المقبل، وبعدها سيتم إجراء التصفيات الأولية في كل محافظة بمصر.
وقال عبدالحليم محمد، استشاري الإرشاد الأسري في تصريحات لـ”العرب” إن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تعاني منها أسر ذوات الإعاقة الخاصة، تجعلهم يبحثون عن بدائل لتخفيف هذه الضغوط عن كاهلهم، حتى وإن كانت “بسعادة مؤقتة”، مثل فرحتهم بأن ابنتهم قد تحمل لقب ملكة جمال مصر.