تربية النعام تنقذ الشباب المصري من شبح البطالة

القاهرة- يلجأ الشباب المصري حديث التخرج إلى إقامة المشروعات الخاصة التي تدرّ عليه البعض من الربح ما يعينه على العيش، ومنها مشروع تربية النعام الذي انتشر بكثرة في الآونة الأخيرة كنتيجة حتمية فُرضت على الشباب بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، وما ترتب على تحرير سعر صرف الجنيه من غلاء في كل السلع الأساسية ومنها اللحوم التي بلغت أسعارها عنان السماء.
وفي الكثير من أمثال وأشعار العرب القدامى نجد النعامة ذات حضور خاص، ومن تلك الأمثال “يدفن رأسه في الرمال مثل النعامة” كناية عن الهروب من المسؤولية، وأيضا “أسدٌ عليَ وفي الحروب نعامةٌ” كناية عن الجعجعة الفارغة والعنتريات التي لا أساس لها، وعند الآشوريين ببلاد الرافدين امتلأت رسومهم بالنعام على الأكواب والأواني، وتناوله الجاحظ باستفاضة في كتابه الأشهر “الحيوان”، ما يشي بأن طائر النعام ضارب بجذوره في عمق الثقافة العربية.
والنعام من الطيور كبيرة الحجم التي لا يمكنها الطيران، ويبلغ ارتفاعها نحو المترين ونصف المتر، وله رقبة جرداء طويلة وساقان عاريتان طويلتان، وهو طائر مرهف السمع قصير النظر سريع العدو، وموطنه الأصلي أفريقيا والشرق الأوسط، وأشهر أنواعه النعام الأفريقي.
ويطلق على ذَكَر النعام في لغتنا العربية اسم الظُليم، واشتق اسمه من الظلام لمشابهة لونه الأسود مع لون الليل، والأنثى منه تسمى نعامة وتُجمع على “نعامات”، ولها أسماء أخرى مثل “أم البيض”، و”أم الثلاثين”، بينما تُسمى فراخ النعام “رئال” والمفرد رألة.
وأكل لحوم النعام يُعد حديث العهد في المجتمع المصري، ولم يتعوّد عليه المستهلكون في الماضي نظرا إلى ارتفاع أسعار بيعه محليا مقارنة بأسعار بيع اللحوم الحمراء كالأبقار والأغنام، لذلك يقتصر الطلب على لحوم النعام على مرتادي الفنادق والمطاعم الكبرى.
|
ومزارع النعام تنتشر في مناطق كثيرة بمصر وخاصة الصحراوية منها، ومنها مزارع “خير النيل”، و”المركز المصري”، و”المزرعة الأفريقية”، و”مزرعة النور”، و”مزارع الإيمان”، و”الرومي”، و”المروة”، وغيرها.
غير أن مزرعة “نعام العبور”، التي تقع في مدينة العبور (تبعد 60 كيلومترا عن القاهرة) تُعد من أكبر المزارع العاملة في مجال تربية وبيع النعام في مصر، ويمتلكها ويديرها الشاب الثلاثيني سيد محمد عبده، الحاصل على الماجستير في تربية وتغذية النعام بعد أن تخرّج من كلية الزراعة بجامعة الأزهر.
المهندس عبده قال لـ”العرب” إنه في أثناء فترة دراسته الجامعية قام بالتدريب الصيفي في أكثر من مزرعة نعام، ما كوّن لديه خبرة كبيرة في هذا المجال، وبعد تخرجه عام 2003 رفض نصيحة والده بالعمل بمديرية الزراعة بالمحافظة التي يقيم بها (المنوفية وسط دلتا مصر)، وقرر فتح مشروع خاص به لتربية النعام.
وأوضح أنه يؤمن بالمقولة الشهيرة “نصف النجاح يكمن في المخاطرة”، لهذا فقد بدأ مشروعة الخاص بتكوين معمل تفريخ لحساب الغير، وكان الوحيد في مصر بهذا التوقيت، وراح يبيع “النعام الصغير” لمن يرغب في التربية والتسمين.
وأضاف “بعد أن أصبحت متمكّنا من كل تفاصيل عالم النعام أنشأت مزرعتي الخاصة في عام 2009، وأشرفت عليها بنفسي، وعندي داخل المزرعة جميع أنواع النعام”.
لكن الشيء الوحيد الذي يقلق عبده هو ضعف التسويق المحلى للنعام، حيث لم يعتد المجتمع المصري بعد على أكل هذا النوع من اللحوم، لأنه يحتاج لأسلوب خاص في الطهي لا تعرفه أغلب الأسر المصرية، لذلك يلجأ إلى التسويق من خلال القرى والفنادق السياحية، كما يعمل على إيجاد حلول لتسويق جميع منتجات النعام مثل الريش الذي يتساقط منه، والذي يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منه نحو 400 جنيه (حوالي 22 دولارا).
فوائد صحية كثيرة
وفقا لنتائج دراسة علمية مصرية، تبيّن أن لحوم النعام تشكّل بديلا صحيا متعدد الفوائد للإنسان. وأوضحت الدراسة التي أجرتها أميمة شلتوت، رئيسة قسم علوم الأغذية بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، أن لحم النعام الذي يشبه إلى حد كبير اللحم البقري من حيث الطعم والمظهر يعد من أجود وأفخر أنواع اللحوم، كما أنه يشهد إقبالا كبيرا على تناوله في بلدان أخرى لنكهته المميّزة وجودته وقلة الدهون فيه مقارنة باللحوم الحمراء والبيضاء، حيث أنه يخلو تماما من الكولسترول.
|
وأشارت الدراسة إلى زيادة نسبة البروتين والحديد في لحوم النعام مقابل قلّة الألياف فيه، وهو ما يميّزه كلحم أحمر صحي سريع الهضم، وذكرت أيضا أن لزيت النعام المستخلص من الدهون فوائد علاجية وطبية فريدة في التقليل من التعب وآلام العضلات والتهاب المفاصل، حيث أنه يدخل في صناعة أصناف عدّة من الأدوية العلاجية.
وفي مدينة المنصورة التي تبعد 120 كيلومترا شمال شرق القاهرة توجد مزرعة “القيصر” العاملة في مجال تربية وبيع النعام في مصر، ويعمل بها عدد كبير من الشباب الباحثين عن خبرات في هذا المجال.
الشاب محمد أبوالمعاطي، أحد المسؤولين عن المزرعة، قال لـ”العرب”، إن “تربية النعام تحتاج لمجهود كبير ورعاية يومية حتى تحقق الهدف منها، فالنعام يحتاج إلى مكان متسع كي يكون حرّا في حركته، وإنشاء المزرعة يحتاج إلى مساحة لا تقل عن 600 متر مربع”.
وأوضح أن مشروعات تربية النعام من المشروعات الربحية ولن تُكلف الشاب الراغب في إنشاء مشروع غير ثمن ذكر نعام واحد واثنتين من الإناث، بالإضافة إلى ثمن العلف الخاص بها.
النعامة الواحدة تنتج من 100 إلى 120 بيضة في العام، كما يبلغ العمر الإنتاجي لأنثى النعام أربعين عاما، والطائر الواحد البالغ يأكل متوسط 400 كيلو علف في العام، والنعام يحتاج إلى مساحة كبيرة ومناسبة تتيح له حرية الحركة مع توفير مظلة صغيرة للوقاية من أشعة الشمس صيفا ومن الأمطار شتاء.
وتختلف أسعار النعام من مزرعة إلى أخرى ومن وقت لآخر، فهذه الأيام يبلغ ثمن النعام البياض (ذكر و2 من الإناث) 35 ألف جنيه (أي نحو 1900 دولار)، والنعام الذي عمره أسبوع واحد ثمنه ألف جنيه مصري (55 دولارا)، بينما الذي عمره شهر 85 دولارا، وتبلغ تكلفة الطن من علف النعام حوالي 360 دولارا، ويصل ثمن كيلوغرام من لحم النعام إلى 200 جنيه أي ما يعادل (12 دولارا).
عادل حمدان، شاب عشريني، رئيس اتحاد كلية زراعة جامعة عين شمس، منذ دخوله الجامعة وتخصصه في الزراعة راوده حلم إنشاء مزرعة خاصة به، وبعد ثلاث سنوات تحقق الحلم وهو حاليا يؤسس مزرعة لتربية النعام في مدينة الغردقة السياحية التي تبعد عن القاهرة 500 كيلومتر.
يقول حمدان “عملت لمدة عامين مدير تسويق في مزرعة القيصر، وبعد صقل خبرتي في مجال تربية النعام قررت إنشاء مزرعة خاصة بي كمشروع له مستقبل ربحي، واخترت الغردقة لندرة مزارع النعام بها ولإقبال الفنادق السياحية على تقديم وجبات مصنوعة من لحوم النعام للسياح، لأنهم يفضلونها”.
عبقرية وضع البيض
أكد عاطف أبوزيد، الباحث في معهد بحوث صحة الحيوان بالقاهرة، أن شكل بيض النعام عادة ما يكون متماثل الطرفين تقريبا، وكروي الشكل مع تفلطح قليل فيه، أي أنه أقرب ما يكون إلى الدائري، ولونه يميل للأبيض الضارب إلى البني أو الأبيض العاجي، والطول من 14 إلى 23 سنتيمترا والعرض من 11 إلى 15 سنتيمترا، أما الـوزن فيتراوح بين 750 غراما إلى 2 كيلوغرام.
وأضاف، أن بيض النعام هو أكبر بيض الطيور المعاصرة حاليا حجما ووزنا، وهذا الوزن شديد التغير والتفاوت، ويرجع الاختلاف في الوزن إلى حجم الأم ومرحلة النضج ووقت وضع البيض وكذلك نوعية الوجبة الغذائية المقدمة.
|
ولفت إلى أن النعام طائر اجتماعي يعيش مع مجموعات كبيرة، ومع الدخول في موسم التزاوج ينفرد كل ذكر بثلاث أو أربع إناث يقمن بوضع البيض في الأعشاش، وهي حُفَر غير عميقة يحفرها الذكور في الرمل بعد تحديد المكان واختياره، وذلك بجلوس الذكر لشق التراب وحفر العش برجليه وإزاحة التراب إلى الخلف.
ولفت إلى أن “النعامة البيّاضة” تضع البيض على شكل حضن يتكون من 6 إلى 8 بيضات بمعدل بيضة كل 48 ساعة، ثم تقوم ثلاث إلى خمس إناث بوضع البيض في العش، وبعد اكتمال من 20 إلى 30 بيضة في العش الواحد تبدأ حضانة البيض، حيث تتولى كبرى الإناث الحضانة نهارا بينما يتولاها الذكر ليلا.
و”الفقس” يتم بعد اكتمال ستة أسابيع، وتتولى المجموعة بأكملها مسؤولية الإشراف على الصغار، وعندما يشتد عودها تتجمع الصغار لتعيش سويا وغالبا ما تكون هناك حضانتان في الموسم الواحد.
بيض النعام المفرغ يعتبر مناسبا للأعمال واللوحات الفنية، حيث يقوم المبدعون والفنانون بوضع لمساتهم وبصماتهم الفنية عليه من رسم أو نحت، ويساعد على ذلك الحجم الكبير لبيضة النعامة ومتانتها وسمك قشرتها وملمسها ولونها الذي يقترب من اللون “البيج” (أي الأبيض المائل إلى البُنّي).
وأوضح إسحاق إبراهيم عجبان، أمين عام معهد الدراسات القبطية بالقاهرة، أن بيضة النعام كانت لها قيمة فنية كبيرة في الكثير من العصور، ففي العصر الفرعوني كانت تستخدم كإناء ملكي للشرب، وفي العصر القبطي تعلّق في الكنائس أمام حامل الأيقونات وأمام الأيقونات، وفي العصر الإسلامي استخدمت بيضة النعام كأوانٍ، كما استخدمت في الزخرفة الإسلامية، وتهدى إلى الأزواج كرمز لحياة مديدة وذرية صالحة، وللأصدقاء كرمز للوفاء والاحترام للآخر.
وكشف إسحاق لـ”العرب” أن هناك أعمالا فنية على قشور لبيض النعام عَثر عليها الباحثون في كهف “ديبكلووف روك” في جنوب أفريقيا عام 2010، حيث وجدوا مخزنا كبيرا يحتوي على قشور لما يقرب من 270 بيضة نعام حملت تصاميم لرموز وزخارف متنوعة كانت تستخدم آنذاك في أغراض الزينة.
ولفت إلى أن هذه التصاميم تعود إلى الثقافة البدائية التي ظهرت في منتصف العصر الحجري في أفريقيا، وقد سُجّل نوعان مختلفان من الزخرفة الرئيسية على قشور البيض، هما: استخدام أصباغ متعددة لرسم خطوط تتلاقى وتتقاطع مع بعضها، ونقوش أخرى زخرفية ناتجة عن تكسير البيض بعد عملية الفقس.
وهناك الآن الكثير من الفنانين المصريين المعاصرين الذين اشتهروا بالأعمال الفنية على بيض النعام، ومنهم كارمن فيليب وعلاء القاضي اللذيْن لهما أعمال فنية كثيرة في هذا المضمار.