مزحة ترامب تفضح خنق الصحافة التركية

يبدو أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرؤية “الصديق الحميم” الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن، لم تكن سوى الخاتمة غير المشرفة التي توقعها الكثير من المراقبين المطلعين.
أتيحت لأردوغان الفرصة لتأكيد موقفه بشأن التفرقة بين الأكراد والإرهابيين، بحضور من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. وبدا أن ترامب يشير إلى أن قراره السماح بشن العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا الشهر الماضي جاء في إطار “عملية مستمرة منذ الآلاف من السنين”. ومن حسن الحظ أن الحرس الخاص بالرئيس التركي تحلى بضبط النفس، ولم يتعرض أي محتجين للضرب.
ومع ذلك بدا أن الزيارة حققت نجاحا مقارنة بالزيارات السابقة. وخرجت علينا صحيفة “يني شفق” الإسلامية الخميس بعنوان رئيسي يتحدث عن “الصفحة الجديدة” التي تلوح في أفق العلاقات الأميركية التركية.
لكن رغم إشادة بعض وسائل الإعلام بـ”الدرس” الذي لقّنه أردوغان لأعضاء مجلس الشيوخ بخصوص أكراد سوريا، لم يتم إحراز أي تقدم في أي من الخلافات التي تعكر العلاقات بين البلدين.
في الواقع، جاء التطور الأكثر إثارة خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان الأميركي والتركي، حين طلب ترامب أن يطرح عليه أحد الصحافيين الأتراك سؤالا.
وتعقيبا على دعوة ترامب لأي مراسل “ودود” كي يطرح عليه سؤالا، قال السيناتور ليندسي غراهام لأحد الصحافيين الأميركيين، ساخرا، “لم يعد هناك غيرهم”.
ودعا أردوغان الصحافية هلال كابلان كاتبة مقالات الرأي في صحيفة “صباح” التي طرحت سؤالا يعكس بالضبط ما قاله الرئيس التركي. وهنا سأل ترامب الصحافية بعدما طلب منها أن تطرح سؤالا آخر على أردوغان، “هل أنت متأكدة أنك صحافية؟ ولا تعملين لصالح تركيا بهذا السؤال؟”.
الطريف أن كابلان معروف عنها أنها صحافية حزبية لها علاقات بمركز البوسفور للشؤون العالمية، والتي يعتقد الكثيرون أنها تضعها في قلب زمرة الصحافيين ذوي النفوذ الذين يستخدمون مواقعهم الإعلامية للترويج لأجندة صهر أردوغان وزير المالية والخزانة براءت البيرق.
ومع قيام صحافيين مثلها بطرح أسئلة في الخارج، يظل المشهد الإعلامي في الداخل شديد القتامة بشكل يبعث على الكآبة.
ولننظر على سبيل المثال إلى الصحافيين اللذين ذهبا إلى بلدة إينيسيل المطلة على البحر الأسود الأسبوع الماضي للتقصي عن واقعة وفاة الفتاة ربيعة ناز وطن البالغة من العمر 11 عاما، والتي عُثر عليها مصابة بجروح قاتلة في شهر أبريل من عام 2018 أمام منزل أسرتها.
وسرعان ما عزت الشرطة الوفاة إلى الانتحار، لكن والد الفتاة قال إن هناك أدلة تم إغفالها تؤكد أن ابنته صدمتها سيارة يقودها أحد أقارب رئيس بلدية إينيسيل. وأكد أن الشرطة تتستر على السبب الحقيقي وراء وفاة ابنته لحماية السياسي المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم.
واحتجزت الشرطة الصحفيين كاظم كيزيل وجنان جوشكون أثناء إجراء التحقيق ولقائهما بشاهد في قضية وفاة الفتاة. واتُهمت جوشكون بـ”الابتزاز والتهديد والإضرار عمدا وإهانة وحرمان شخص من حريته”، وفقا لما ذكرته تقارير إعلامية محلية.
في تركيا اليوم، يحظر فعليا إعداد تقارير عن نوعيات معينة من الأخبار. وقال أحد كتاب مقالات الرأي في صحيفة “صباح” هذا الشهر، إن الحكومة تعد تشريعا من شأنه أن يجعل من نشر “معلومات كاذبة ومضللة” عن الاقتصاد جريمة تعرض مرتكبيها لعقوبة السجن لفترات تصل إلى خمس سنوات.
وحين ناقش مجموعة من الضيوف على قناة “خبر ترك” الموجة الأخيرة من حوادث الانتحار العائلي وحوادث القتل والانتحار، شهدنا مثالا على الضغوط التي يتعرض لها الصحافيون لممارسة الرقابة على آرائهم.
وحين تساءل أحد ضيوف القناة عن الدوافع المحتملة وراء ثلاثة حوادث وقعت في غضون أسبوع، وما إذا كان الاقتصاد قد لعب دورا في ذلك، رد عليه الأكاديمي أحمد قاسم هان بالقول، “لا يمكن أن يكون الاقتصاد، لأن الاقتصاد على ما يرام”. وحذره ضيف، الذي كان يشاركه في النقاش قائلا، “لا تشعل الأمور”.
إذن، ما الذي يمكن أن تنشره وسائل الإعلام التركية؟ يمكنك أن تعرف الإجابة إذا ألقيت نظرة على “التقرير الحصري” الذي بثته قناة “أي خبر” الأربعاء عن قصة طفل وُلد في مستهل عملية “نبع السلام”.
وقال التقرير، إن الطفل “لم يصرخ حين وُلد”، وأظهر صورة له وهو يرفع يده نحو رأسه، وتمت كتابة تعليق توضيحي يقول إن الطفل “أعطى التحية العسكرية لحظة ولادته!“.