العملية العسكرية التركية في سوريا.. كارثة علاقات عامة دولية

تهم تمويل الإرهاب والإبادة الجماعية تلاحق أنقرة التي تواجه خطر التعرض لعقوبات أميركية.
السبت 2019/11/09
العالم أضحى يربط أنقرة بالإبادة الجماعية

لم تفلح تبريرات تركيا لعملية “نبع السلام” في سوريا في أن تخفف من الانتقاد الدولي المتواصل ضدها، بسبب ما اتفق دوليا على اعتباره إبادة للأكراد. وفي خضم هذا الجدل ازداد الوضع سوءا بالنسبة إلى صورة تركيا دوليا إثر مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية. فقد ورّطت هذه العملية تركيا أكثر، وأعادت إلى دائرة الضوء أحداثا سابقة عن علاقتها بداعش، ضمن سياق دولي يعتزم التصعيد ضد تركيا التي تواجه خطر التعرض لعقوبات أميركية بعد أن صوّت مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون لفرض عقوبات على تركيا.

كانت العملية العسكرية التركية في سوريا بمثابة كارثة علاقات عامة على الصعيد الدولي، على إثرها، واجهت الحكومة التركية اتهامات من كل حدب وصوب بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي ودعم الإرهاب، وجلبت لها إدانات نادرا ما تُوجه حتى لأشد منتهكي حقوق الإنسان.

لم يغير رد المسؤولين الأتراك شيئا في هذه التصورات والانطباعات التي أُخذت عن تركيا في الخارج.

أما في الداخل، فتكتفي وسائل الإعلام المحلية بسرد قائمة مبتذلة من الشكاوى والمظالم الموجهة للغرب ردا على اتهاماته وإداناته. في الوقت نفسه، لا يزال الخطر قائما بأن تؤدي التصريحات العدائية، الصادرة عن مسؤولي الحكومة، إلى تأجيج مشاعر الكراهية والعداء لتركيا أكثر وأكثر.

إبادة جماعية

أضحت كلمة “الإبادة الجماعية” الكلمة الرائجة التي تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي منذ أن شنّت أنقرة عملية “نبع السلام” في التاسع من شهر أكتوبر.

كانت هذه الكلمة إلى حد كبير هي التي استخدمها خصوم تركيا بقيادة الأكراد لكسب الدعم في مواجهة العملية التركية، وأجدت نفعا.

عكست العناوين الرئيسية على وسائل الإعلام الإخبارية الكبرى مخاوف من حدوث إبادة جماعية في شمال سوريا منذ اليوم الذي بدأت فيه العملية العسكرية.

وتناول أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي القضية في الكونغرس، مستخدما نفس المصطلح.

ويرى المسؤولون الأتراك مبالغة كبيرة في ذلك، إذ يزعمون، باستمرار، أن عمليتهم تستهدف جماعة مسلحة يعتبرونها إرهابية، وليس السكان الأكراد في المنطقة. غير أن النتيجة النهائية هي أن العالم كله أضحى يربط تركيا بالإبادة الجماعية.

هناك إجماع على أن تركيا تعاونت مع داعش، ويستند هذا الموقف في معظمه إلى شهادات الأسرى الجهاديين والأدلة الظرفية المتعلقة بسياسات تركيا الحدودية طوال النزاع السوري

وتم التأكيد بصورة أكبر على هذه النقطة، الثلاثاء، حين صوّت مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة لصالح قرار غير ملزم، يعترف بأن القتل الجماعي للأرمن في الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية كان “إبادة جماعية”.

كانت تركيا قد عكفت العشرات من السنين على ممارسة الضغط من أجل الحيلولة دون إجراء مثل هذا التصويت، وقد جاءت عملية “نبع السلام” لتحبط جهود سنوات في شهر واحد.

كان رد الفعل على هذا القرار في تركيا خافتا نسبيا، إذ لم يخصص أردوغان سوى بضع دقائق من كلمة ألقاها، الأربعاء، للتعبير عن رفضه للقرار، والتشديد على أنه ما من شيء يمكن أن تتعلمه بلاده من مرتكبي إبادة جماعية بحق الأميركيين الأصليين. وتجنبت الصحف الحديث عن هذه المسألة. في المقابل، أثارت العملية التركية في سوريا رفضا قويا ملحوظا من وسائل الإعلام الغربية.

ويبدو ذلك مدفوعا في جانب منه بتصريحات أدلى بها مسؤولون حاليون وسابقون معنيون بالأمن القومي الأميركي، ونُسب بعضها إلى مصادر لم يتم الكشف عنها.

وكان بريت ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي ضد داعش، من بين هؤلاء المسؤولين الذين شاهدوا انهيار الاستراتيجية التي أعدوها بشأن قوات سوريا الديمقراطية.

أدان ماكغورك العملية بقوة، وكذلك سحب القوات الأميركية الذي مهد لها الطريق. وفي اليوم الذي تحرّكت فيه القوات التركية لعبور الحدود نشر المبعوث السابق سلسلة من التغريدات على موقع تويتر، تشير إلى أن تركيا دعمت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الأقل، بصورة ضمنية. كما غرد قائلا «200 ألف شخص بريء نزحوا. المئات قتلوا. تقارير موثوقة عن جرائم حرب. وفرار سجناء ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية».

دعم الإرهاب

احتلال أرض
احتلال أرض

دعم تنظيم الدولة الإسلامية أصبح تهمة أخرى شائعة وُجّهت إلى تركيا كثيرا مؤخرا، لاسيما بعد مقتل زعيم داعش أبي بكر البغدادي، في عملية أميركية على مسافة 5 كيلومترات فقط من الحدود التركية مع سوريا.

ويحقّق المسؤولون الأميركيون الآن فيما إذا كانت هناك صلات بين المخابرات التركية وتنظيم داعش، حسبما ذكر كاتب مقالات الرأي إيلي ليك في مقال لوكالة بلومبرغ.

ربما لا يهم ما إذا كانوا سيجدون أي روابط ملموسة أم لم يجدوا. فهناك إجماع، فيما يبدو، على أن تركيا تحت قيادة أردوغان قامت بتمويل داعش وتعاونت معه، وهو ما يستند، في معظمه، إلى شهادات الأسرى الجهاديين والأدلة الظرفية المتعلقة بسياسات تركيا الحدودية طوال النزاع السوري.

ومما ساعد على ذلك، كثرة الصور واللقطات المصورة العنيفة التي التقطها أعوان تركيا في الجيش الوطني السوري (الجيش السوري الحر سابقا)، والتي جرى تقديمها كدليل على أن تركيا تدعم الجهاديين المتطرفين.

واكتسب هذا الأمر ما يكفي من الزخم كي تناقشه مجلة “نيو ريبابلك” الليبرالية الذائعة الصيت.

وثمة شخصيات صارت تتحدث عن ذلك علنا، مثل النائبة في الكونغرس الأميركي تولسي غابارد، وهي ديمقراطية يسارية تأمل في الترشح للانتخابات الرئاسية في العام المقبل. وحتى شبكة الجزيرة الإخبارية، المملوكة لأقوى حلفاء تركيا الإقليميين في قطر، أغضبت أنقرة بتغطيتها السلبية للعملية العسكرية. وأثار هذا الأمر ردا سريعا من قناة “تي.آر.تي وورلد” التركية التي تديرها الدولة، والتي اتهمت الشبكة القطرية بسرد رواية كاذبة عن “أن تركيا تتطلع إلى احتلال الأرض من أجل التوسع، وأن أهداف تركيا تتماشى مع أهداف المتطرفين”.

عقوبات على تركيا

عقاب شعبي وسياسي دولي
عقاب شعبي وسياسي دولي

من المؤكد أن المسؤولين الأتراك سيواصلون الشكوى من “المعاملة غير العادلة” التي يلقونها من الجميع في الخارج، وهذا قد يعزز من عقلية الحصار التي غرسها أردوغان في السنوات الأخيرة، لكن معظم بقية العالم حسم موقفه بالفعل من العملية العسكرية.

لقد أصبح تأثير ذلك واضحا بالفعل؛ فالثلاثاء، صوّت مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قانون لفرض عقوبات على تركيا، وسيشعر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي عبر عن قلقه من فرض العقوبات، بوطأة الضغط الواقع عليه حين يأتي الدور على مجلس الشيوخ لإجراء التصويت.

وإذا تم إقرار مشاريع القوانين المتعلقة بالعقوبات، فقد يعني ذلك إلحاق ضرر بالغ طويل الأمد بالاقتصاد التركي، فضلا عن اتخاذ إجراءات تستهدف أردوغان ووزراء الحكومة بصفة شخصية.

وما من شك أن حالة النفور الواسعة النطاق من الهجوم التركي ستزيد كثيرا من صعوبة الأمر على رئيس تركيا لتدبير التمويل الدولي، الذي يسعى للحصول عليه في إطار خطته لبناء مستوطنات جديدة للاجئين السوريين في “المنطقة الآمنة”، التي تبلورت ملامحها خلال عملية “نبع السلام”.

كل ذلك ناهيك عن التأثير المعنوي والدبلوماسي الطويل الأمد، الذي سيحدثه عدد لا حصر له من العناوين الإخبارية الدولية، التي تربط بين تركيا وبين الإبادة الجماعية والجهاد والإرهاب.

6