مروج عقاري

تذمر صديقي بعد تكرار المكالمات الترويجية لعقارات والاستفسار عن توفر شقة أو دار للإيجار. أنا أواجه نفس المشكلة إذ لا يتوقف هؤلاء السماسرة عن الاتصال والمراسلة، وعبثا فسرت بأني لا أقيم في ذلك البلد الخليجي. ورغم مرور أكثر من 10 أعوام على وضع اسمي بالصدفة البحتة على قائمة استفسار عن استئجار شقة، فإن الاسم ورقم الهاتف انتشرا لدى كل شركات السمسرة العقارية في البلد. وعبثا أكثر عندما حاولت أن أشطب اسمي من قاعدة البيانات. وتطور الأمر إلى الإصرار من موظفين من نفس الشركات، كل يجرب حظه معي بالاتصال على الرغم من أن المكالمات للخارج تكلفهم. القصف بالإيميلات مستمر رغم وضع العناوين على البريد العارض – السبام.
قبل فترة قريبة أخبرني صديق في بلد آخر في شمال أفريقيا أن ملاك المبنى وضعوا قفلا برقم على مدخل البناية لأن السكان، من ملاك ومستأجرين، تذمروا من تسلل وكلاء شركات السمسرة العقارية إلى كل طوابق المبنى وقرع الجرس لكل شقة بشكل دوري – ربما مرة في الشهر – للترويج للبيع أو الشراء. ورغم أنهم يطبعون مطوية شهرية جميلة التصميم وبألوان زاهية وعلى ورق لماع، إلا أن هؤلاء الوكلاء العقاريين يصرون على دق الأبواب والحديث مع السكان الذين يعتبرونهم زبائن محتملين. وأهم ما يميز هؤلاء الوكلاء أنهم بلا ذاكرة تقريبا. فلا توجد وكالات عقارية كثيرة في ذلك البلد، وفرع الوكالة في الحي هو نفسه، والوكلاء صاروا بوجوه معروفة، بل حتى بالأسماء. لكن من العبث أن تقنعهم بأنك لا تريد أن تبيع أو تشتري أو تستأجر أو تؤجر. المحاولة يجب أن تتم كاملة.
لا شك أن ثمة إغراء للتسويق المباشر. فالبلد الخليجي يغص بالعقارات والوكالات العقارية والمنافسة شديدة. ولكن هذه الوفرة لا تمنع الشركات من التوسع والاستمرار بالمحاولة عبر الاتصال الشخصي. المؤكد أن التواصل الترويجي الإلكتروني عبر الإيميلات والرسائل القصيرة قد وصل حدوده ولم يعد يجدي نفعا، وصارت العودة إلى الترويج المباشر ضرورية وتستحق العناء. ونفس الشيء يقال عن البلد في شمال أفريقيا، رغم اختلاف المعطيات. فلا استغناء عن الترويج وجها لوجه، رغم أن صفحات السوشيال ميديا تغص بالإعلانات عن شقق وفيلل معروضة للبيع أو الإيجار. الوسائط الاجتماعية في شمال أفريقيا هي المنصات الترويجية المفضلة.
شخصيا يئست من الرد، وابتكرت طريقة انتقائية في منع الرسائل عبر واتساب، ولكن المكالمات من أرقام لا أعرفها تستوجب الرد بأي حال، وهنا أتصنع اللطافة مع المتحدثين لأني شهدت كيف يرد عليهم الآخرون بقسوة ونهر.
رن الهاتف وأنا أتمشى مع صديقي فكان رده قاسيا وشديدا في أن يتوقفوا عن الاتصال به وأنه سيقدم شكوى ضدهم. أغلق الخط واستمر بالتذمر من المكالمة. سألته: أريد أن أفهم كيف يفكر هؤلاء. أنت صاحب شركة وكالة عقارية للبيع والإيجار، وهم يتصلون بك ويصرون على بيعك عقارا أو عرض استئجار عقار. هؤلاء يبيعون الماء للسقا. رد علي بغضب متزايد: لا يحترمون الخصوصية. سألته: ماذا عن فريق الترويج عندك، هل يستخدم نفس الأسلوب، بشراء قوائم أسماء وأرقام هواتف ويتصل عشوائيا لصيد الزبائن. ابتسم ولم يرد. فهمت ابتسامته، وعرفت سر تلك الغرفة في مكاتبه التي يجلس فيها موظفو الترويج ولماذا لا تنزل الهواتف عن آذانهم.