مرض الفصام يتفاقم في تونس وسط انعدام الوعي بالأمراض النفسية

تسارعت وتيرة انتشار الأمراض النفسية في المجتمع التونسي على غرار ما يعرف بمرض “الانفصام في الشخصية” الذي يصنفه المختصون ضمن قائمة أخطر الأمراض النفسية، فيما تكاد تنعدم وسائل التثقيف والتوعية بخطورة ومدى انتشاره ويغيب الدعم النفسي الذي يساعد الناس على تقبل مرضهم والسعي إلى معالجته.
تونس - ارتفع عدد المصابين بمرض الفصام (الانفصام في الشخصية) في تونس، ويعد المرض من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان في الفترة المعاصرة، ويرى علماء النفس والاجتماع أنه يلازم المصاب به طوال حياته وسط توصيات حثيثة للوقاية منه قبل استفحاله.
وأفاد الأخصائي في الأمراض النفسية أنور جراية أن حوالي 60 ألف تونسي مصابون بداء الفصام أو ما يعرف بالانفصام في الشخصية وذلك وفق إحصائيات تقديرية.
وأوضح جراية في مداخلة ألقاها خلال مؤتمر توعوي نظمته مدينة العلوم بتونس تحت عنوان “الفصام.. من أجل معرفة الأفضل” أن الفصام يعدّ من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، مشيرا إلى أنه داء يمكن أن يصيب الشخص في سن المراهقة أو بداية الشباب.
وأضاف أن هذا المرض المنتشر في مختلف الدول ويصيب قرابة 1 في المئة من سكان العالم يكون في بدايته غير معروف وغير ظاهر.
وأشار إلى أن أهم أعراضه تظهر في “العنف والقيام بسلوكات غير طبيعية على غرار تعنيف الأستاذ والأبوين والانقطاع عن الدراسة والتخلي عن الأصدقاء والابتعاد عن الأسرة، والنوم ليلا ونهارا والإكثار من التدخين وتعاطي المخدرات”.
ودعا جراية إلى ضرورة إعادة وظيفة مرشدي الأسرة والتوجيه وذلك بمختلف المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية، مبينا أنه تم التخلي عن هذه الوظيفة منذ سنوات في حين أنها كانت تلعب دورا مهما في توعية المراهقين ومعالجتهم بصفة آنية وسريعة في صورة تسجيل حالات إصابة بمرض نفسي.

كوثر بن نتيشة: الفصام مزيج بين الجانب النفسي والعصبي ويصيب الشباب
وحسب رأي الخبراء فإن الفصام أو الانفصام العقلي (سكيزوفرينيا Schizophrenia) هو اضطراب حادّ في الدماغ يشوّه طريقة الشخص المصاب به في التفكير والتصرف والتعبير عن مشاعره والنظر إلى الواقع ورؤية الوقائع والعلاقات المتبادلة بينه وبين المحيطين به.
ويعدّ المرض الأصعب والأكثر تقييدا من بين جميع الأمراض النفسية المعروفة، ويعاني المصابون به من مشاكل وظيفية في المجتمع وفي العمل وفي المدرسة وفي العلاقات الأسرية.
ويغيّر المرض طرق التفكير والتصرف والتعبير لدى المصاب به، كما يغيّر لديه طبيعة المفاهيم وتصوراته للعلاقات الاجتماعية التي تربطه بالآخرين.
وقالت هدى الورغي منسقة المؤتمر التوعوي حول الانفصام إن “الهدف من تنظيم هذه المحاضرة هو رفع اللبس عن مرض الفصام وتحسيس المجتمع بخطورته وبهشاشة المصابين به وبحقهم في العلاج”.
وأوضحت أن مرض الانفصام في الشخصية يعتبر اضطرابا حادا في الدماغ وهو الأصعب والأكثر تعقيدا من بين جميع الأمراض النفسية المعروفة بشكل عام، ويمكن أن يصيب أيّ شخص مهما كان جنسه أو مكانته الاجتماعية.
ويرى علماء النفس أن الفصام يغيّر طرق التفكير والتصرف والتعبير لدى المصاب، كما يغيّر لديه طبيعة المفاهيم وتصوراته للعلاقات الاجتماعية التي تربطه بالآخرين.
وأكدت الأخصائية في الأمراض النفسية والعصبية الدكتورة كوثر بن نتيشة على “وجود أعراض نفسية لدى المصاب في شكل تخيلات وأصوات غير موجودة تجعله يبتعد تدريجيا عن الواقع ويدخل في عزلة، وبالتالي فالإصابة هي شكل من أشكال التوحد”.
وفي تعداد العوامل المؤدية إلى ذلك قالت بن نتيشة في تصريح لـ”العرب”، إن “العوامل عديدة منها ما يتعلق بالجينات الوراثية مع تغيّر لأشياء على مستوى المخ يساهم في اختلال التوازن، فضلا عن الضغوطات النفسية كتلك المتعلقة بالعائلة والتربية”.

زهير بن جنات: القضايا الاجتماعية من أكثر أسباب انتشار الأمراض النفسية
وأشارت إلى أن “المرض هو مزيج بين النفسي والعصبي ويصيب فئة الشباب أكثر من غيرها وتظهر أعراضه بين سنّ الـ20 و25 سنة وأهمها العنف والاضطرابات السلوكية”.
ودعت إلى ضرورة تكثيف الإحاطة النفسية بالشباب من قبل العائلة لتجنب الإصابة بهذا المرض، علاوة عن القيام بالعلاج مبكرا للسيطرة عليه وعدم استفحاله.
وقد يسبب مرض الفصام للمصابين به الخوف والانطواء على النفس، وهو مرض مزمن يلازم المصاب به طوال فترة حياته ولا يمكن علاجه، لكن يمكن السيطرة عليه بواسطة العلاجات الدوائية المناسبة.
وأفاد الباحث والمحاضر في علم الاجتماع زهير بن جنات في تصريح لـ”العرب”، بأنه “لا بد من الإشارة إلى أن الفصام درجات وهناك من هو منفصم بدرجة أقل من غيره”.
وأضاف “التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة التي عرفتها تونس في السنوات العشر الأخيرة تسمح بذلك ويصبح من الطبيعي أن تتسم الشخصية بعدم التوازن والتغيّر، وهذه التحولات ستؤثر في كل الجوانب النفسية للأفراد”.
وتابع “من الأسباب الأخرى الأكثر شمولية هي تلك المتعلقة بهذا العصر، تحولات كبيرة ظهرت في تنظيم المجتمعات كما بينت ذلك جائحة كورونا، والتنظيم الاجتماعي الذي جاء على أساس الحداثة فضلا عن المؤسسات التقليدية التي خرجت من الحداثة (الأسرة، الجمعيات، الأحزاب) وهي تمر اليوم بأزمات ويبدو أنها في حاجة إلى المراجعة”.
وأردف بن جنات “فشل هذه المؤسسات في معالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية تسبب في انتشار الأمراض النفسية والدولة تبدو غير ناجعة في خياراتها، بالإضافة إلى قطاع التعديل الذي يخرج عن دائرة الفردانية والمؤسسات الرسمية حيث يكون فيها المجتمع المدني صاحب المبادرة”.
وأشار الباحث في علم الاجتماع إلى “أن الإيمان بالحرية بإعطاء مجال من الحريات للأفراد يجعل الفرد يعيش كما يشاء ويخفف من الضغط المؤسساتي الذي يعيشه”.