مدرسة المشاغبين لناظرها جونسون

المفارقات تفرض نفسها لتأخذ مناحي كوميدية أو حزينة. بعضها مفارقات لفظية الغرض منها الهزل، وأخرى واقعية لا تعرف أتضحك منها أم تدمع عيناك.
في مشهد ساخر في مسرحية “مدرسة المشاغبين” الشهيرة، يشتكي ناظر المدرسة للأب من ابنه المشاغب. الأب يدافع عن ابنه. يرد الناظر ليشرح له طبيعة شغب ابنه “ابنك سرق عربية رئيس شرطة مكافحة سرقة العربيات”. مفارقة لفظية سخرها المؤلف علي سالم ليضحكنا. الأدب والدراما والسينما مليئة بمثل هذه القفشات. نتذكرها أو نشاهدها ونضحك.
في الحياة مثل هذه القفشات ليست مضحكة بالضرورة. يقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمام كاميرات الإعلام في بداية إجراءات الوباء، ويخبر الناس بإجراءات قاسية تمنعهم ليس من الاحتفال بعيد ميلاد أو عرس وحسب، بل من مقابلة أهلهم من كبار السن أو المرضى وتحرمهم من حضور مأتم لعزيز. وللتأكد من أن قراراته تنفذ، سلح الشرطة بصلاحيات التدقيق والتغريم وفرض “قانون” جونسون.
رئيس الوزراء البريطاني كذاب محترف. لكنه أضاف إلى سجله الآن نوعا من الخداع لا يليق بنصاب. فيما كانت شرطته تفرض الغرامات وتخيف الناس من مغبة كسر تعليمات العزلة، كان هو يحتفل مع موظفي مكتبه مرات ومرات. يكسر كل قاعدة وضعها بنفسه. أحدهم يجب أن يقول لأبيه ستانلي جونسون “ابنك جونسون خدع رئيس شرطة مكافحة الخداع”.
هذا رئيس حكومة. ربما يجوز له ما لا يجوز لغيره. على الأقل هكذا يعتقد أو يتصرف. ماذا عن الكوماندر جوليان بينيت، الضابط الكبير والمهم في شرطة العاصمة لندن سكوتلانديارد. الرجل يواجه الفصل من وظيفته اليوم لأنه قام بفعل نقيض لمهمته. وضع بينيت الاستراتيجية التي تتبناها الشرطة في بريطانيا لمواجهة المخدرات. الاستراتيجية تحمل عنوان “كيف التعامل مع أثر المخدرات على المجتمع”. الشرطة تتهمه الآن بأنه تعاطى مخدر الحشيش وحبوب أل اس دي وما يسمى “الفطر السحري” الذي يجعل من يتناوله يهلوس. من مفارقات مهمته، أنه فصل ضباطا في الشرطة بتهمة تعاطي المخدرات، ورأس لجانا لمعاقبة العشرات من المنتسبين بسبب إساءات، وكان قاسيا لدرجة فصل 75 في المئة من المحالين إلى لجنته. “رئيس شرطة مكافحة المخدرات ضلل رئيس شرطة مكافحة المخدرات”.
مفارقات مفتعلة أو من الواقع، لكنها تحيط بنا كل يوم. في كثير من الأحيان لا ننتبه لها من شدة اعتيادنا على الشيء ونقيضه. وزير الأمن الغذائي الذي يتسبب بنقص في توريد الغذاء وارتفاع أسعاره. صورة للرئيس الصومالي الراحل محمد سياد بري يدخن بعد يوم من قراره الصارم بمنع التدخين. شعر جونسون الأشعث الطويل لأنه لا يريد أن ينتهك قواعد منع الحلاقين من مزاولة عملهم حفاظا على الصحة العامة.