مختار الطريفي لـ"العرب": جائزة نوبل لا تحجب ضرورة دعم تونس ضد الإرهاب

تونس - وصف مختار الطريفي، الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حرية التعبير، فوز رباعي الحوار بجائزة نوبل للسلام بالحدث التاريخي الهام، لا سيما وأنّ هذه الجائزة كانت دائما مطمح شخصيات عالمية ودول كبرى، وبالتالي فإن منحها لتونس -هذا البلد الصغير- وفي خضم هذه الظروف الإقليمية والعالمية الصعبة يعتبر إنجازا كبيرا.
وثمّن الطريفي، الذي فازت منظمته بجائزة نوبل للسلام، إلى جانب الاتحاد العام للشغل وعمادة المحامين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، الخط الذي سارت عليه البلاد والذي قطع مع المسار الذي اتجهت فيه بقية دول الربيع العربي. ولهذا فإن هذا الإنجاز سيحفز جميع الأطراف السياسية والمدنية في تونس على المزيد من الاستثمار في نهج الحوار وتفعيله على مختلف الأصعدة اليوم.
وأضاف، في حوار مع “العرب”، أن حصول تونس على جائزة نوبل، وإن قدم دعما معنويا كبيرا لتونس وسوّق لها كبلد سلام على المستوى العالمي، فإنه في المقابل لا بد أن يكون بمثابة الدافع للدول الكبرى إلى التوجه نحو دعم اقتصاد تونس ومساعدتها عمليا في مواجهة خطر الإرهاب وحماية أمنها حتى تتمكن من إنجاح هذه التجربة.
وقال في معرض تصريحه لـ“العرب”، “إنّ هذه الجائزة مهمة على أكثر من صعيد وخاصة في ظل الأحداث الكبرى التي تعيش على وقعها بلدان المنطقة التي تحول فيها الربيع العربي إلى خريف لا ندري بعد نهايته، وهي رسالة إلى العالم الذي على أهمية اعترافه بنجاح تجربة البلد الصغير تونس، إلا أنه مطالب بإدراك أنّ هذا البلد كبير بإنجازاته ويحتاج أشياء أخرى غير التقدير”.
أوضح أنّ تونس اليوم، على الرغم من سلامة تجربتها، مازالت تعاني العديد من المشاكل، وهي تحتاج بالإضافة إلى التقدير العالمي دعما دوليا على المستوى الأمني حتى تتمكن من التغلب على معضلة الإرهاب الذي يتربص بها، وهي كذلك بحاجة إلى دعم اقتصادها الذي يعيش وضعا صعبا قد يكون سببا في تعطيل المسار السليم لهذه التجربة.
ولا يتوقع الحقوقي التونسي أن يتدخّل رباعي الحوار في الوقت الراهن في ما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات، باعتبار أنه أصبحت للدولة هياكلها المنتخبة والمخولة عمليا لتولي مهامها دون تدخل أي طرف ودون أي تحركات قد تكون سببا في التعطيل.
لكنه يستطرد أنه إذا اقتضت الحاجة وتطلبت المصلحة الوطنية التدخل فإن مختلف مكونات رباعي الحوار ستكون في الموعد ولن تتخلى عن دورها. ويذكر الطريفي أنه تقدم إلى الهيئات الأربع بمقترح يتم بمقتضاه استثمار معلوم الجائزة من أجل بعث هيئة لرعاية الحوار في تونس ونشره كثقافة على مختلف الأصعدة.
|
انتهاك حقوق الإنسان
رصدت بعض المنظمات في تونس جملة من الانتهاكات التي طالت العديد من المواطنين بعد الانتخابات الأخيرة، ما اعتبره البعض تهديدا كبيرا لمكاسب حقوق الإنسان التي تم تحقيقها إثر ثورة 14 يناير 2011. ويؤكّد ذلك الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قائلا لـ“العرب”إن البلاد تشهد عودة بعض مظاهر التعدي على التونسيين على أكثر من صعيد لا سيما في ما يتعلّق بقانون الحرب على الإرهاب.
ورأى الطريفي أن قانون الإرهاب الجديد يتضمّن الكثير من التجاوزات التي تمس بشكل مباشر حقوق الإنسان، على غرار عدم تعريف الجريمة الإرهابية بصفة واضحة، والتعاطي في العديد من المرات مع بعض المسائل في خانة الإرهاب دون الانتباه إلى ما يكفله الدستور من حقوق وحريات على غرار حرية التعبير والتظاهر السلمي، فضلا عن طرق التحري التي أتاح فيها قانون الإرهاب إمكانية اعتراض الاتصالات والمراقبة السمعية والبصرية والتنصت على المكالمات والحسابات الإلكترونية الخاصة وهو ما يتعارض مع مقومات حقوق الإنسان التي ما يزال المجتمع المدني متمسكا بها.
اعتبر مختار الطريفي أنه تم تسجيل غياب كبير للدولة في الكثير من الأمور والمسائل الهامة. وأضاف أن الحكومة اليوم تتغاضى عمدا عن النداءات الكبيرة الصادرة عن المجتمع المدني الذي يطرح جملة من الملفات الهامة التي انتظر التونسيون أن تتدخل الدولة لحسمها. وشدد على ضرورة انتباه الدولة لإصلاح الإدارة والتعليم والصحة والمنظومة الأمنية والقضائية عاجلا، والإسراع في مقاومة منظومة الفساد بكل تمظهراتها قبل أن يتفاقم الوضع أكثر مما هو عليه.
تراجع المعارضة
تحدّث الطريفي عن ضعف أداء المعارضة مقارنة بما كانت عليه في فترة حكم الترويكا، معللا الأمر بأن المشهد السياسي في السابق كان مطروحا في سياق أن حركة النهضة قوة أولى موجودة على سدة الحكم يواجهها النداء كقوة ثانية بنفس الثقل جالسة على خط المعارضة، تعاضدها جملة من الأحزاب الأخرى، في حين اليوم يجلس الاثنان على سدة الحكم.
وأضاف أن بقية الأحزاب التي حصلت على أكبر نسب من الأصوات التحقت هي الأخرى لتكون شريكا في الحكومة على غرار حزبي أفاق تونس والاتحاد الوطني الحر، فضلا عن فشل بعض الأحزاب في تحصيل عدد من المقاعد مثل الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي اللذين ترك خروجهما فراغا هائلا على مستوى المعارضة.
وتطرق الطريفي إلى ظاهرة الإرهاب التي كانت لها تبعاتها الوخيمة على أكثر من صعيد، ذاكرا أنه لا يمكن حصر المسؤولين عن هذه الظاهرة بطرح أسماء بعينها، لأن هناك جملة من الظروف التقت في ما بينها وتسببت في تنشيط عمل هذه المجموعات. لكن الأكيد أن عدم التعاطي الجدي منذ البداية وخاصة في فترة حكم الترويكا مع هذه الظاهرة واتخاذ سياسة التمويه والتضليل وعدم الانتباه عمدا إلى منافذ دخول الأسلحة إلى التراب التونسي وخروج أعداد مهمة من التونسيين إلى مناطق التوتر والتحاقهم بالمجموعات الإرهابية، هي أبرز العوامل التي أدت إلى نجاح هذه المجموعات في تنفيذ جملة من العمليات وبقائها إلى اليوم تهدد أمن البلاد.
دائرة الفساد تتسع بشكل علني في كل المجالات دون أن تقدم الدولة أي بوادر أو تحركات جدية لمواجهتها
ولدى سؤاله عن جدوى جهود الحكومة المبذولة في الفترة الأخيرة لمحاربة الإرهاب، أشاد الحقوقي التونسي بما تبذله قوات الجيش والأمن من تضحيات وجهود مكنت من تقليص حضور هذه المجموعات المتطرفة وأفشلت الكثير من مخططاتها، ولكن هناك برأيه العديد من النقائص على أكثر من مستوى منها سوء التعاطي مع معضلة الإرهاب في بعض المناسبات، حيث فشلت العناصر الأمنية مثلا -بسبب التجاوزات التي أقدموا عليهاــ في كسب ثقة المواطن الذي بات في حاجة إلى أن تُقدم له بعض التطمينات كعدم الزج بكل مخبر يقدم معلومات عن بعض المجموعات في قضايا مجانية، داعيا إلى ضرورة الوعي بأهمية انخراط المواطن في مكافحة هذه الآفة. ومنها أيضا ضعف العتاد المستخدم من قبل قوات الأمن والجيش في مواجهة هذه العناصر ما قد يربك الجهود المبذولة.
وحول مسألة عودة بعض التونسيين الذين سافروا إلى سوريا وإعادة إدماجهم داخل المجتمع، قال الطريفي إن الدستور يكفل حق عودة كل التونسيين ولكن في هذه الحالة لا بد من خضوعهم للمحاكمة، وحتى من لا تثبت إدانته، لا بد من اخضاعه للمراقبة الشديدة وتوخي أقصى درجات الحذر معه؛ وإن كان لا يعتقد أن هناك إمكانية حقيقية لاندماج هؤلاء داخل المجتمع من جديد.
بعد أكثر من أربع سنوات على اندلاع الثور في تونس يرى أنه لم يتم تحقيق سوى قدر ضئيل من الأهداف على غرار الحرية السياسية وحرية التعبير وحرية الصحافة التي يعتبرها أحد أبرز المكاسب رغم محاولات الالتفاف عليها من أكثر من جهة. ولكن المطالب الاقتصادية والاجتماعية والمساواة والعدالة بين الجهات بقيت حبرا على ورق بل زادت مآسي هذه المناطق أكثر مما كانت عليه. إلى جانب محاولات الترويج لنهاية الثورة والقول بالعودة إلى ما كنا عليه عبر عودة المساهمين في تردي الوضع إلى الواجهة، ومخاطر الدعوة إلى عودة المنظومة القديمة دون مساءلة، وهذا الوضع قد يفتح الباب لاندلاع ثورة أخرى وخاصة في الجهات التي بقيت مهمشة.
وختم الطريفي، الحوار مع “العرب”، محمّلا حكومتي الترويكا القسط الأكبر من المسؤولية عما يحدث في تونس اليوم، معتبرا أن التوجه نحو الحكم بعقلية تجاوز الدولة كمفهوم وبنية، الذي اتبعته حركة النهضة الإسلامية، أدى إلى غياب الدولة وهشاشة حضورها في جميع المجالات.