مخاطر الاستثمار تدفع الشركات للاستعانة بالذكاء الاصطناعي

خبراء يرون أن الوساطة الآلية أكثر أمانا من العمليات التي يجريها الإنسان الذي هو أكثر ميلا للشعور بالذعر ويتأثر بتصرفات الآخرين.
الجمعة 2020/01/31
التكنولوجيا تهدد أدوار المتعاملين

تسارع سباق الشركات لاستبدال المهام البشرية بالذكاء الاصطناعي والخوارزميات لتقليل مخاطر الاستثمار من خلال حساب نطاق أوسع من البيانات والاحتمالات، لكن هذا التوجه لا يزال يثير جدلا بشأن مخاطر أخرى تتعلق بمدى قدرته على إعادة هيكلة أسواق المال.

باريس - حذر محللون من سرعة تحول المستثمرين إلى اعتماد الانقلابات التكنولوجية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحديد خيارات الاستثمار، خشية تهديدها لاستقرار النظام المالي.

وتقول صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن صنّاع القرار أصبحوا يركزون بشكل متزايد على سبل الاستفادة من التكنولوجيا الفائقة، لكنهم يدرسون أيضا تأثيراتها الجانبية على الاستقرار في المدى الطويل.

وبدأت البرمجيات تزداد تعقيدا بالسيطرة على التعاملات المالية منذ عشر سنوات، وأصبحت الكمبيوترات تتخذ قرارات شراء وبيع الأسهم والأوراق المالية آليا حين ترتفع أو تنخفض عن سعر معين أو عند إعلان بينات أو قرارات مفاجئة.

وانتشرت على نطاق واسع برامج الوساطة عالية السرعة عن طريق الكمبيوترات، التي تعقد تلقائيا الآلاف من الصفقات في الثانية الواحدة للاستفادة من تقلبات طفيفة في الأسعار.

لكن الذكاء الاصطناعي أصبح يذهب أبعد من ذلك. فبرمجيات “التعلم الآلي” على سبيل المثال، تجمع بين العشرات من قواعد البيانات الضخمة لتحدد ميولا وروابط وتضع أنظمة محاكاة وتوقعات وتأخذ بمفردها قرارات البيع والشراء.

وتفيد شركة التحليل “غرينيتش” بأن أكثر من نصف شركات الأسواق المالية سوف تعتمد على إجراءات تستند إلى الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2022.

وتستخدم صناديق الاستثمار والقيمون على محافظ مالية، الذكاء الاصطناعي للتحكم بشكل أفضل بالأخطار أو تحديد ما ينبغي شراؤه ولحساب من ومتى.

الخبير المالي فاسانت دار يرى أن البشر لا يتخذون القرارات الجيدة وعلى المدى القصير ستكون الآلات أفضل منهم

وتستعين المصارف كذلك بالذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال والهجمات المعلوماتية وتحديد سعر منتج وتحليل مواصفات الزبائن. وهو أداة أيضا لخفض التكاليف فيما نسب الفائدة السلبية تقلّص الهوامش.

أما الهيئات الناظمة، مثل “سي.أف.تي.سي” إحدى الهيئات الناظمة في الولايات المتحدة، فتلجأ للذكاء الاصطناعي لرصد أحداث كارثية محتملة في الأسواق مثل عمليات الإفلاس المتعاقبة في 2008.

وتشدد شركة “سباركبيوند”، التي تعمل مع شركة مايكروسوفت الأميركية العملاقة، على أن التعلم الآلي يسمح باختبار بعض الأجوبة الحدسية غير الناجعة على الدوام.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية مدير فرع أوروبا لهذه الشركة الناشئة إدوارد جانفرين قوله إنه ردا على السؤال التالي “ما الذي يحدّد بالشكل الأفضل فرص النجاة عند ورود اتصال طارئ”، فيكون الجواب المنطقي وجود مستشفى على مسافة قريبة.

إلا أن برمجية “سباركبيوند” وبعد تحليل الملايين من البيانات في غضون دقائق، تظهر أن العامل الفعلي هو وجود مركز لفرق الإسعاف على مسافة قريبة.

ويمكن تطبيق ذلك على الأسواق مع أسئلة أخرى من قبيل “متى ينبغي شراء هذه الأسهم؟”.

ويرى فاسانت دار، وهو أستاذ في جامعة ستيرن في نيويورك ومدير صندوق تحوط، أن الوساطة الآلية أكثر أمانا من العمليات التي يجريها الإنسان الذي هو أكثر ميلا للشعور بالذعر ويتأثر بتصرفات الآخرين.

ويؤكد الخبير المالي أن البشر لا يتخذون القرارات الجيدة وعلى المدى القصير ستكون الآلات أفضل منهم. لكنه يشدد على أن نظام الذكاء الاصطناعي يتطلب تدخلا بشريا لإزالة بعض الاعوجاجات والقيام بدور “الفاصل” في حال حصول خلل.

وقد تحصل المشكلات عندما يعتمد الكثير من المستثمرين على البرمجيات نفسها ويراهنون على السيناريوهات ذاتها. ويقول دار إن السوق قد تعاني عندها من اختلال في التوازن وقد يحصل تفاعل تسلسلي إذا قامت كل البرمجيات ببيع أسهم ما.

فاسانت دار: الإفراط في الرقمنة يجعل المستثمرين عاجزين عن رصد الأخطاء
فاسانت دار: الإفراط في الرقمنة يجعل المستثمرين عاجزين عن رصد الأخطاء

ومؤخرا أقر بنك إنجلترا المركزي في تقرير بأن التعلم الآلي قد لا ينتج مخاطر جديدة “إلا أنه قد يفاقم مخاطر موجودة في الأساس”.

ولا يزال الناشطون في المجال المالي يتذكرون الانهيار الخاطف الذي حصل في عام 2010 في بورصة نيويورك حين فقد مؤشر داو جونز 9 بالمئة في غضون 10 دقائق.

وفي العام 2016، تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني 12 بالمئة في دقيقتين ما تسبب بخسائر كبيرة لبعض الشركات.

ونسبت تلك الحوادث إلى خوارزميات ما يسلط الضوء على مخاطر الوساطة المالية عالية السرعة فضلا عن عمليات التلاعب بالأسواق في عصر التضليل الإعلامي.

وتضاف إلى ذلك مشكلة أخرى وهي أن هذه البرمجيات نادرا ما تخطئ وتزداد سرعة فيميل البشر للاعتماد عليها كثيرا. ويؤكد دار أن الاستعانة بشكل مطلق على التكنولوجيا سيؤدي في نهاية المطاف إلى أن يصبح المستثمرون عاجزين عن رصد الخطأ ولا يعرفون طريقة التدخل لحله.

ويعتقد رئيس اللجنة الفرعية في الكونغرس الأميركي بيل فوستر أن التحدي الأكبر يكمن في الآثار المترتبة على تركيز الأعمال بين أقوى اللاعبين في السوق.

وقال أمام الكونغرس، خلال مناقشة التأثير المستقبلي للذكاء الاصطناعي على أسواق رأس المال، إن “الحجم سيسمح لأكبر شركات الاستثمار بمعالجة المزيد من البيانات، والعثور على المزيد من الارتباطات، وبالتالي تحسين عوائدها”.

وأضاف فوستر إنه “انعكاس لطبيعة الفائز في كل ما يتعلق بالاقتصادات الرقمية، ومع تزايد إضفاء الطابع الرقمي على التمويل، سنشهد المزيد والمزيد من المكافآت التي تذهب إلى عدد أصغر وأصغر من اللاعبين المهيمنين”.

ومن رهانات السوق، جعل الذكاء الاصطناعي طريقة مفهومة من الزبائن والهيئات الناظمة للبرمجيات والذين يتحدثون عن صناديق سوداء خصوصا أن الأفراد يبقون مسؤولين أمام القانون. ولفتت شركة “غرينيتش” إلى أن المكننة كما في قطاعات أخرى من الاقتصاد “أدت إلى إلغاء الوظائف”.

10