مخاض عسير لولادة الموازنة السودانية المقبلة

أكد محللون اقتصاديون أن الملامح الأولية لموازنة السودان لعام 2020 تكشف بوضوح عن جحم التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية في طريق تحقيق مطالب الأوساط الشعبية المتعلقة أساسا بتحسين ظروفهم المعيشية.
الخرطوم - تترقب الأوساط الاقتصادية والشعبية السودانية ولادة الموازنة المقبلة، التي تمر بمخاض متعثر نتيجة حزمة من التحديات أمام الحكومة الانتقالية.
ويؤكد اقتصاديون أن مشروع الموازنة 2020 يواجه العديد من العراقيل في ظل استمرار تبعات النظام السابق بقيادة عمر البشير، الذي جرى إسقاطه في أبريل الماضي.
ويركز البعض على نقاط جوهرية كثيرة مرتبطة بكيفية تنفيذ بنود الموازنة على أرض الواقع لاسيما مع توقف القروض والمنح من المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليين.
وكان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، مدني عباس مدني، قد قال في تصريحات صحافية مؤخرا إن “مشروع موازنة 2020 يعتمد على موارد حقيقية وليس توقعات”.
وأوضح أن أهم مشروع الموازنة، يعتمد على تقليل الإنفاق الحكومي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وزيادة الصرف على التنمية والتعليم والصحة، بجانب إيجاد حلول لتعظيم الإيرادات وتعزيز الولاية الكاملة لوزارة المالية على المال العام.
وعقدت اللجنة العليا لإعداد مشروع الموازنة اجتماعها الأول قبل نحو أسبوع، وناقشت خلاله مسودة موجهات الموازنة والبرنامج الزمني المقترح لإعدادها.
ولم تكشف اللجنة عن أي تفاصيل حول حجم الموازنة وبنودها الأساسية أو مقدار العجز المتوقع فيها.
ويأمل السودانيون في أن تنهي الثورة الشعبية التي انطلقت في ديسمبر الماضي وتكللت بإزاحة البشير عن الحكم، المعاناة الاقتصادية والعبور نحو مرحلة الاستقرار، من خلال استغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها بلادهم.
ونسبت وكالة الأناضول للخبير الاقتصادي محمد الناير قوله إن “استمرار وجود التحديات الاقتصادية المتوارثة منذ النظام السابق وانتقالها كتركة ثقيلة إلى الحكومة الانتقالية الجديدة”.
ويرى أن الظروف الاقتصادية السيئة التي يعاني منها السودان مازالت قائمة، مع استمرار وجوده في قائمة الدول الراعية للإرهاب بما يمنعه من الحصول على القروض والمنح الدولية.
ورفعت الولايات المتحدة في أكتوبر 2017 عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على الخرطوم منذ 1997، لكنها تستمر منذ 1993 بإدراج اسمها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأشار الناير إلى أن التحديات الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد منذ ذلك الحين لم تتغير وهو ما تواجهه الحكومة الحالية خاصة في ما يخص موارد النقد الأجنبي.
وفقد السودان 80 بالمئة من إيرادات النقد الأجنبي بعد انفصال الجنوب عنه في 2011، على خلفية فقدانه ثلاثة أرباع آباره النفطية، بما يقدر بنحو 50 بالمئة من إيراداته العامة.
وتعاني العملة المحلية من هبوط مستمر حيث وصل سعر شراء الدولار لليوم 76 جنيها والبيع 74 جنيها، مقارنة بنحو 65 جنيها نهاية الشهر الماضي.
واعتبر الناير أن التحدي الأكبر الذي ستعاني منه موازنة العام المقبل، هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستقرار سعر الصرف وضبط معدلات التضخم.
وأشار إلى عدم إمكانية رفع الدعم عن السلع الأساسية في موازنة العام المقبل، حال عدم تحقيق استقرار اقتصادي بتثبيت سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار لمعرفة الحجم الحقيقي للدعم.
وتشمل السلع المدعومة المحروقات البنزين الغازولين وغاز الطبخ، إضافة إلى السلع الغذائية الأساسية في مقدمتها القمح فضلا عن الأدوية.

وبحسب إحصائيات حكومية سابقة، فإن قيمة الدعم الموجه للمحروقات بجميع مشتقاتها تصل إلى 2.25 مليار دولار سنويا، فيما يصل الدعم للقمح 365 مليون دولار سنويا.
ويرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن التحدي الأكبر أمام الموازنة القادمة، هو العمل على تحسين الاقتصاد و كيفية تلبية توقعات الشعب، في مجالات التنمية والوظائف والرعاية الصحية والمواصلات والتعليم.
وأشار إلى أن الدعم والمساعدات من المجتمع الدولي مشروطان بتطبيق بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، مثل رفع الدعم الحكومي للسلع الأساسية، وهو “أمر لا يمكن إقراره، على حساب الشريحة الأضعف”.
وأوضح فتحي أن بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب يعطل من عملية تلقي المساعدات الدولية، مشددا على أن بلاده لن تنهض بالقروض بل عبر إجراء إصلاحات داخلية واتباع تشريعات استثمارية جاذبة لتحفيز مستوى النمو. وهناك محاولات حثيثة من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لحث المؤسسات المالية الدولية على مساعدة بلاده وتقديم الدعم للنهوض من ركام الأزمة.
ويتوقع أن ينعقد العام المقبل مؤتمر للمانحين لدعم السودان، حيث تخوض الحكومة الانتقالية، التي تشكلت في أغسطس الماضي، محادثات شاقة لإقناع الأطراف الدائنة بتخفيف أعباء الديون الأجنبية التي تصل إلى 62 مليار دولار وفق أحدث الإحصائيات الرسمية.
ويتوقع أن تبلغ إيرادات موازنة العام الحالي قرابة 162.8 مليار جنيه (3.4 مليار دولار) ومصروفات 194.8 مليار جنيه (4.1 مليار دولار). وقدرت موازنة العام الجاري نسبة العجز عند 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.7 بالمئة في العام الماضي، وتحقيق معدل نمو 5.1 بالمئة.