محمد زهير رجب: المسلسلات الدمشقية تعيدنا إلى سحر ألف ليلة وليلة

المخرج محمد زهير رجب يرى أن الدراما الشامية ليست وليدة السنوات القليلة الماضية بل هي نتاج إبداعي قديم عمل عليه كثيرون منذ سنوات بعيدة وطوال هذه الفترة.
الاثنين 2020/06/15
الدراما الدمشقية لها سحرها

عادة ما تطرح مسلسلات البيئة الشامية أفكارا اجتماعية تحاول من خلالها تقديم رؤى جديدة للمجتمع الذي تخرج منه، وكثيرا ما تصطدم هذه الرغبات بعوائق التكرار أو التشويش في تنفيذ العمل فتصل إلى غير ما هدفت إليه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المخرج السوري محمد زهير رجب حول هذا النمط من الأعمال.

في موسم هذا العام قُدّم مسلسل “بروكار” الذي كتبه سمير هزيم في أولى تجاربه في الدراما التلفزيونية الطويلة وأخرجه محمد زهير رجب، الذي صار أحد أهم مخرجي مسلسلات البيئة الشامية بعد أن حقق فيها العديد من الأعمال مثل “طوق البنات” و“عطر الشام” و“باب الحارة” في جزئه العاشر إلى جوار العديد من المسلسلات الاجتماعية منها “الغريب” و“شركاء يتقاسمون الخراب”. كما قدم في مصر عملين هما “أنا قلبي دليلي” و“ملكة في المنفى”.

وفي موسم قلق ومتوتر يطلق في مخاطبة زملائه صناع الدراما السورية صيحة عالية “تعالوا نتفق على أن نكون يدا واحدة تتقدم بالدراما السورية للأمام، تعالوا ألا نسعى لتحطيم بعضنا البعض ونرتقي معا إلى الأعلى”.

البيئة الشامية

محمد زهير رجب: المسلسل الدمشقي رائج وينتظره المواطن  العربي لأنه يعيده إلى سحر الشرق
محمد زهير رجب: المسلسل الدمشقي رائج وينتظره المواطن  العربي لأنه يعيده إلى سحر الشرق 

 في عمله الأحدث “بروكار” يمشي المخرج خطوات نحو فضاءات مختلفة، كان من أهمها موضوع جدلية العلاقة بين السياسي والاجتماعي ووجود ذلك في متن مسلسل درامي طويل يحمل تنوعات الشخصيات الدرامية واختلافاتها.

عن تلك اللحمة التي ظهرت في العمل يقول لـ”العرب” إن “الدراما الشامية ليست وليدة السنوات القليلة الماضية بل هي نتاج إبداعي قديم عمل عليه كثيرون منذ سنوات بعيدة وطوال هذه الفترة كانت دراما البيئة الشامية لا تخرج عن كونها أحد أشكال ثلاثة؛ نوع أول توثيقي صرف يهدف إلى تقديم وثيقة زمنية ومكانية محددة كما في العمل الشهير ‘حمام القيشاني’، ونوع آخر أراد أن يكون استعراضيا متخيلا مثل ‘باب الحارة’ و’طوق البنات’، بحيث يكون العرض التشويقي في داخله هو الحدث الأهم، والشكل الثالث أن يكون المسلسل بين الإثنين حيث يوثق في جانب ويقدم شيئا استعراضيا في جانب آخر لكي يحقق أعلى معدلات المتابعة الجماهيرية. ولكل من هذه الأشكال الثلاثة جمهورها”.

ويتابع  رجب “إلى الآن يعتبر المسلسل الدمشقي سلعة رائجة وجاذبة بشكل كبير في العالم العربي وينتظره المواطن العربي لأنه يعيده إلى عوالم ألف ليلة وليلة وسحر الشرق. هنالك أناس كثيرون في الوطن العربي يسألوننا هل ما نشاهده في المسلسلات هو حقا البيت الشامي أم أنه من وحي الخيال؟ المسلسل الشامي جاذب وعلينا نحن صناع الدراما أن نستغل هذا الجانب لكي نصل إلى تحقيق دراما تحترم عقله وترفع مستواه المعرفي والجمالي بتحميل هذه الأعمال الرسائل الفكرية والاجتماعية والوطنية التي نريد إيصالها”.

ويلفت المخرج إلى أن مسلسله “بروكار” هو محاولة لتجاوز النوع الاستعراضي، هدفهم فيه تقديم مادة فكرية دسمة من خلال جو استعراضي مختلق. “صناعة ‘البروكار‘ كانت وسيلة، أردنا منها القول إن البروكار الدمشقي لم يصنعه الدمشقيون وحدهم بل ساهم به كل السوريين. فخيط الحرير كان يصنع في الساحل السوري وبعض المناطق الداخلية وكان يلبس بالذهب والفضة في حلب ثم يأتي إلى دمشق كي يحاك. فكل سوريا ساهمت في صنعه وهذا إسقاط على النسيج الاجتماعي المختلف والمتنوع الذي تتكون منه سوريا ذاتها والذي يحتضن العديد من الأديان والأعراق والتنويعات البشرية”.

يقول رجب “أظهرنا في هذا العمل أكثر من لهجة محلية لتأكيد هذه الفكرة. كذلك أوضحنا أن المجتمع الدمشقي لم يكن منفصلا عن واقعه السياسي والاجتماعي فكان النضوج السياسي وتأسيس الأحزاب والحياة البرلمانية السياسية والتحرر الاجتماعي والفكري. كذلك حكينا عن المرأة المتنورة المشاركة في صناعة رأي عام في وطنها، منها الطبيبة التي تقول للضابط الفرنسي عندما يقول لها إن شهادتها من فرنسا بشكل حاسم (إن ديانتي سوريا)”.

ويضيف “هو إسقاط لجملة السياسي الوطني فارس الخوري الشهيرة التي كان هدفه منها وحدة سوريا. لكن البعض فهمها على أنها كفر، كونه لا توجد ديانة اسمها سوريا. وكنا هدفنا إلى التأكيد على أن الوطن أعلى شيء، ووطن الإنسان في أي مكان في العالم هو الأغلى، ولا شك أن للدين مكانة مكملة عظيمة في تحصين الناس أخلاقيا وجعلهم في مراتب أسمى”.

تجربة ومآخذ

مسلسل بروكار محاولة لتجاوز النوع الاستعراضي
مسلسل بروكار محاولة لتجاوز النوع الاستعراضي

من وجهة نظر فكرية عن مدلول الفن ومنطلقه المكاني يرى المخرج محمد زهير رجب أن “الأساس هو المشاعر الإنسانية، التي هي واحدة كما الروح البشرية وما يفرح أو يؤلم الناس هو واحد. فالحب واحد والأمل واحد. عندما ينجح المبدع في مناقشة الحب في مجتمعه سيلامس الإنسان في أي مكان. الإبداع واحد حتى لو انطلق من قضية محلية بحتة”.

في المسلسل توجه إلى رسم نهاية مفتوحة لا تنسجم مع ما يقدمه عادة مسلسل البيئة الشامية فكانت فضاءات النهاية منفتحة على الكثير من الخيارات. يقول رجب عن ذلك “لم ألجأ إلى النهاية التلقينية بل جعلتها ملك المشاهد الذي يصنعها بنفسه. وهي لعبة فنية جميلة لكي يتشارك الجميع في صناعة الحدث، وصلتني رسائل من كل العالم العربي. وكانوا يتخيلون النهايات المختلفة وهذا ما أعتبره دراما متفاعلة ومتقدمة”.

وعن التناغم بين عمله كمخرج وبين عمل الكاتب الذي أوجد النص والتفاهم الذي كان بينهما في إنجاز العمل يقول “كاتب العمل كان قدم نصين معاصرين وكنت بصدد تصوير أحدهما. فقال مرة إنه يفكر في تقديم عمل في البيئة الشامية فطلبت منه أن يبدأ. ففعل، وبدأنا مشوار العمل معا. وبدأ النقاش الذي لم ينته حتى بعد انتهاء العمل. توافقت معه في الكثير من المواقف واختلفت في مواقف أخرى”.

 في عمله الأحدث "بروكار" يمشي المخرج محمد زهير رجب خطوات نحو فضاءات مختلفة، كان من أهمها موضوع جدلية العلاقة بين السياسي والاجتماعي

ويتابع “شخصية الهمشري التي لعب دورها سعد مينة مثلا كان سمير هزيم يريدها أكثر سطوة وجبروتا لكنني فضلت أن تكون كذلك في مواجهة المحتلين فقط وليس تجاه أبناء حيه. فخففت من سطوة الشخصية إلا عندما ضرب الطبيب العميل. أعتقد أن العمل نفذ كما نرغب معا لذلك كنا متفقين. أما الظرف العام في تصوير العمل فهو الذي جعلنا مرارا في مواجهة ظروف صعبة خاصة البرد الشديد الذي واجهنا، فقد صورنا مشاهد خارجية في درجة حرارة تقل عن الصفر”.

وعن معالجة موضوع ترجمة الحوار العائد للشخصيات الفرنسية إلى العربية الفصحى وما أثاره من ردود فعل رافضة أحيانا يجيب “في معالجة موضوع الشخصيات الأجنبية هنالك طرق ثلاث؛ إما أن تظهر اللغة الأجنبية صوتيا وتظهر الترجمة النصية المكتوبة بالعربية أو أن يتم اللجوء إلى دبلجة الحوار كله للعربية صوتا ومعنى، أو الطريقة الثالثة التي تحضر فيها اللغة العربية الفصحى غالبا مكسرة لتحل على لسان الشخصية الأجنبية. وهي طرق تم اعتمادها حتى في السينما العالمية. أنا استخدمت طريقة الترجمة النصية في مسلسل ‘طوق البنات’. لكن هذا الشكل لا يفضله الكثير من الجمهور العربي لأنه يمنع التركيز على المتابعة ويفضلون الاستماع. لذلك لجأت إلى الطريقة التي تضمن متابعة جماهيرية أكبر ولو على حساب اللغة”.

وعن مسلسله الجديد الجزء الحادي عشر من مسلسل باب الحارة الذي من المفترض أن يصوره في الشهر القادم يقول “في الجزء العاشر حاولت أن أغير ولكن سيطرت عليه سلبيات ومآخذ الأجزاء العشرة السابقة التي احتوت بالتأكيد على نقاط إيجابية. حاولنا في الجزء العاشر الوصول إلى مناطق جديدة قررنا من خلالها أن نخرج من الإطار القديم عبر إيجاد شخوص وأفكار ومحاور مضافة ستجعل المادة أغنى وأقرب إلى الحقيقة ونأمل أن ننجح في تحقيقها”.

15