محمد رجب يُكرّر تقمّص شخصياته دون إضافات

يرتكب البعض من الفنانين جريمة في حق أنفسهم عندما يصمّمون على تكرار شخصيات تمثيلية أو إعادة تجسيدها بصورة مشابهة تقريبا، لأسباب ترتبط بتراخي المخرجين عن اكتشاف مكامن الأداء داخلهم، أو البقاء أسرى لأدوار حقّقت لهم نجاحات سابقة، ويريدون الاستفادة منها، ولا يعلمون أنهم يستنزفون الرصيد الإيجابي الذي حقّقوه.
القاهرة – أصبحت النمطية آفة مزمنة في بعض الأعمال الدرامية المصرية، مع حرص قطاع من الفنانين على تكرار أدوارهم بنفس طريقة الأداء، وإن اختلفت الشخصيات، متجاهلين ارتباط التمثيل في الأصل بقدرة الفنان على تغيير جلده، وارتداء أقنعة مقنعة للأدوار المتباينة التي يجسّدها.
ويظهر مسلسل “ضربة معلم” الذي تعرضه إحدى الفضائيات المصرية حاليا انتماء الفنان محمد رجب إلى تلك النوعية من الممثلين، فمنذ تقديمه شخصية أدهم الشرقاوي قبل 11 عاما، يميل باستمرار إلى تكرار فكرة البطل الشعبي المتخصّص في الدفاع عن حقوق المظلومين، والذي يتسم بالشهامة.
ويلعب رجب في المسلسل دور جابر، عامل التراحيل الفقير الذي يقطن حارة شعبية بحي شبرا في شمال القاهرة، ويقطع رحلة يومية بين المدن الجديدة لتقديم خدماته للمقاولين نظير أجر زهيد، لكنه يمتاز بشعبية طاغية وتقدير كبير وسط جيرانه.
ولا تبتعد تلك الشخصية كثيرا عن دور حربي الذي قدّمه رجب قبل أشهر قليلة في مسلسل “الأخ الكبير” عن قصة سائق جريء يدافع عن الضعفاء ويشتبك مع المستغلين حتى لو كان مصيره السجن، وتقترب طريقة الأداء في العملين بقدر كبير من شخصية أدهم الشرقاوي التي جسّدها عن سيرة بطل شعبي حارب الاحتلال الإنجليزي، وعملائه في الداخل.
وربما يوظف رجب ثيمة “الفتوة الشعبي” للاقتراب أكثر ما يمكن من الجمهور، فمنذ دخوله إلى حلبة الفن، ظل محصورا في دور الشرير ثقيل الدم، وهي مساحة من الأدوار تخلق رابطة نفسية غير مستحبة مع جمهور عاطفي، يخلط كثيرا بين الدراما والواقع.
وتحمل فكرة البطل الشعبي قدرا من البريق للممثل فهي تدغدغ المشاعر، وتسدّ نهم الطبقات البسيطة بالرضا النفسي في الارتباط بأشخاص يشبهونهم في الشكل مع مسحة من الشجاعة والذكاء والتضحية، لكن تكرارها يسجن الممثل داخل نمطها، ويصيب المشاهدين بالملل.
الفتوة الفقير
تتضمن قصص الفتوة الفقير عناصر جذب لكتاب السيناريو بمنحهم مساحة دافئة للحركة على الورق، دون عصر العقل لتوليد أحداث مبتكرة، فطالما لديك بطل شعبي، يمكنك إلباسه رداء يتضمّن جميع القيم المثالية التي تحلم بها، ليظهر كما لو كان من عجينة بشرية مختلفة عن الجميع، بلا أخطاء أو ضغائن نفسية.
ويحمل اختيار اسم البطل نوعا من التنميط أيضا، فرغم اشتقاقه من مقولة “جبر الخواطر”، لكنه اقترن بأبطال شعبيين سبق تقديمهم بالاسم ذاته، من بينهم شخصيتان للفنان نور الشريف في فيلمي “الظالم والمظلوم” و”دائرة الانتقام”، عن تعرّض بسطاء للظلم، فيضطرون إلى الاشتباك مع أصحاب النفوذ، ويتمكنون من انتزاع حقوقهم.
ومنذ اللحظات الأولى، رسم كاتب سيناريو “ضربة معلم” أحمد عبدالفتاح، صفات بطولية على جابر، الذي لا يتردّد في التضحية بحياته لإنقاذ أحد زملائه في العمل رغم البغض الظاهر الذي يكنه الأخير وتشاجرهما معا، ويدخل معركة من أجل نصرة سيدة أعمال يحاول منافس لها منعها من بدء مشروع على قطعة أرض تملكها.
المسلسل محافظ على ثيمة ثابتة في الدراما المصرية تتمثل في تعلق جميع الفتيات بالبطل الشعبي المدافع عن الحق
قد يكون اختيار مجال عمال التراحيل لتوليد فتوة أمرا مستجدا على الدراما لكنه يحمل منافاة للواقع، فتلك النوعية من العمال معروف عنها الخنوع، فلا ينجرّ أي منهم إلى المشكلات ولا يدافعون عن حقوقهم، فحياتهم تسير يوما بيوم بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الرفاهية.
وحافظ العمل على ثيمة ثابتة في الدراما المصرية تتمثل في تعلق جميع الفتيات ببطل العمل، فجابر تحبه ورد (مي سليم)، رغم صدّه لها، وتغازله ممرضة في المستشفى بمجرد مقابلتها له، ويتسرّب تأثيره إلى قلب سيدة الأعمال، تباهي، (تؤدي دورها رانيا فريد شوقي)، رغم أنه مُعدم.
ويسير العمل على خط متكرّر للصراع بوجود صديق للبطل، صلاح (محمد نجاتي) يحمل همومه ويدعمه في الحياة مع تعلقهما بفتاة واحدة، هي ورد، ما يفتح مساحات لصراع مستقبلي بينهما على الظفر بقلبها، أو يسمح بتسرّب خيانة غير متوقعة، تضفي المزيد من التشويق على الأحداث الراكدة في حال عجز السيناريو عن توليد أفكار جديدة، وأخفق المخرج إسماعيل فاروق في تقديمها بصورة مقنعة.
قالت الناقدة الفنية ماجدة موريس، لـ”العرب”، إن “بعض المخرجين لا يبذلون جهدا في استخراج إمكانات جديدة لدى الممثلين وتوظيفها، ما يجعل التنميط وتكرار الشخصيات سائدا، فنجاح ممثل في دور معين، يجعله حبيسا لأداء الأدوار المشابهة”.
تنميط فجّ
يبدو التنميط فجّا حينما يفتقر الفنان للقدرة على تنويع أدائه، حيث يظهر بالحركات والأسلوب ذاته سواء في المواقف التي يضمها العمل الواحد أو في سابقيه من الأعمال، ما يخلق لبسا لدى الجمهور، ونوعا من الملل، وتصبح المشكلة أكبر، في حال تجاهل المخرجين تغيير شكل الممثل، وظهوره بالصورة ذاتها في عدد من المسلسلات.
ويظهر التكرار بوضوح في المشاهد التي تضم جابر مع والدته (إنعام سالوسة)، وقد بات معروفا ماذا سيحدث منذ دخوله إلى منزله مساء، سيغني لها أغنية الفنانة صباح “أمورتي الحلوة”، وستضحك الأم بشدة، مثلما تفعل دائما، ويلعب معها لعبة الدغدغة بحكاية “البيضة والدجاجة” الشهيرة، التي يزاولها بعض المصريين مع أبنائهم الصغار.
وأضافت موريس، أن بعض المخرجين يتبنّون رؤى ووجهات نظر وأعين لا ترى ما في داخل الممثلين، وقطاع منهم يحصر دوره في الكاميرا، ويترك لفريق العمل الأداء وفيا لطريقته المعتادة، دون الاعتداد بكونهم قنوات لتوصيل الرسالة والفكرة.
وقع المخرج إسماعيل فاروق في فخّ عدم المنطقية في العديد من المشاهد، من بينها كيفية معرفة جابر تعرّض ورد لخطر الاغتصاب وانطلاقه بسيارة لمطاردة سيارة نقل جماعي استقلتها مع صديقة لها، وتلقين السائق ومساعده وابلا من اللكمات.
امتد الأمر إلى محاولة ورد إغراء جابر في وسيلة مواصلات عامة وأمام الركاب لإظهار حبها، وإجراء عملية زراعة كُلى في مستشفى متواضع يعرف الجميع افتقاره للخدمات الصحية التقليدية، واصطحاب سيدة أعمال فريقا كاملا من عمال التراحيل لتنصيب لافتة تعريفية لمشروع مستقبلي لا يحتاج تركيبها أكثر من رجلين.
وشهد العمل أخطاء إخراجية ساذجة، كمخاطرة عامل بناء بالصعود على صندوق رمل مربوط بماكينة سحب للوصول إلى الطابق الثاني، رغم وجود سلم، أو ظهور جابر في اللقطة التالية لإنقاذ العامل المسكين من السقوط معلقا في الحبل ذاته.
وحاول المسلسل التطرّق إلى بعض القضايا الاجتماعية في طريق تقديم أبطاله لمنح خصوبة للفكرة، لكنها جاءت بطريقة سطحية، كمشكلة تجارة الأعضاء، فالشبكة التي ساهم جابر في كشفها تزعّمها عامل في المستشفى لا يجد مكانا لمقابلة زبائنه إلّا أمام أطباء المستشفى، الذي يعمل فيه والذين أبلغوا السلطات فألقت القبض عليه.
صمّم المخرج على تقديم صورة راسخة للحارة الشعبية التي تجاوزها الزمن بمراحل حتى تجعلها مكانا للقيم، فصلاح يصرّ على ركوب السيارة مع ورد لإيصالها إلى المكان الذي تقصده حماية لها من التحرّش.
ويسعى العمل إلى تقديم رسالة أخلاقية شديدة الوضوح بضرورة اهتمام الإنسان بأسرته مهما كانت الظروف، فجابر يتبدّل إلى النقيض، كلما تعلّق الأمر بوالدته، فيتخلّى عن شخصيته الجافة الفظّة ليتحوّل إلى إنسان رقيق يتولى رعاية أمه المصابة بالزهايمر والكُلى، فيطهو لها ويقدّم لها الدواء وينظّف ملابسها، ولا يتردّد لحظة في التبرّع بإحدى كليتيه لإنقاذها.
تحاول الدراما باستمرار تصدير فكرة “الطيب ـ العنيف”، فبعدما كان البطل قديما شديد الذكاء والجرأة مع قوة بدنية مفرطة لا يتم تسخيرها في العنف، لكن لفرض الهيبة، تغيّرت الآية لتصبح مرتبطة بالقدرة على توظيف الأسلحة البيضاء.