محفظات قرآن مجهولات ينشرن التطرف بين الأطفال في مصر

ظهرت في مصر مؤخرا إعلانات وملصقات مطبوعة على الجدران في الشوارع وفوق أعمدة الإنارة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لسيدات مجهولات يروجن لأنفسهن كـ“محفظات للقرآن بالمنازل”، مثل “بُشرى.. تحفيظ قرآن في المنزل”، وكل ما يتضمنه الإعلان هو رقم الهاتف المحمول فقط، دون حتى الإفصاح عن اسم السيدة، أو الجهة التي تعتمدها، أو الوثيقة التي تشير إلى أنها تتبع نقابة رسمية معتمدة في تخصص تحفيظ القرآن تؤهلها لهذا العمل.
“مِنّة الله” الطفلة ابنة السبعة أعوام والطالبة بإحدى مدارس اللغات، كانت ضحية من ضحايا المُحفظات المجهولات، عندما فاجأت أسرتها ذات يوم بصفع دُمية لبابا نويل (دمية من القطن والبلاستيك)، كانت قد اشترتها بنفسها منذ سنتين، وقامت بطرحها أرضا وطلبت من أمها أن تلقيها في الشارع لأنها تمثال يسكن فيه الشيطان ويمنع دخول الملائكة إلى المنزل.
وعندما استفسرت الأم عمن قال لابنتها هذا الكلام، ظنا منها بأنها سمعته في أحد البرامج الدينية المتطرفة، صدمتها الابنة بأن الشيخة “مُحفّظة القرآن”، التي جاءت أثناء إجازة منتصف العام، هي من قالت لها ذلك.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اعتمدت البعض من المُحفظات في تحفيظ الصغار على سياسة الترهيب من الموت، وعذاب القبر، وأهوال يوم القيامة، ما نال من الحالة النفسية لأطفال في عمر الزهور، ولم تعلم أسرهم ما ألمّ بهم، إلا بعد أن تكررت كوابيس تطاردهم في نومهم وتملكهم الذعر بمجرد دخول الليل.
سماح أشرف (مهندسة) أصابتها الصدمة عندما استرقت السمع في أثناء درس لمحفظة قرآن، كانت تتردد على البناية التي تقطن بها، وتجمع الأطفال الصغار في إحدى الغرف بسطح البناية، لكي تُحفّظهم الآيات القرآنية.
أوضحت أشرف لـ“العرب” أنها سمعت المُحفظة، وهي تصف لهم “الثعبان الأقرع”، الذي ينال من تارك الصلاة في القبر، بالإضافة إلى أودية النار المنتظرة لتاركي الصلاة والصوم، وعندما واجهتها بأن ما تقوله بعيد عن الفهم الصحيح للإسلام، وأنهم أطفال لا يستوعبون ما تقول، هاجمتها المُحفظة واتهمتها بأنها بعيدة عن الله، ونصحت المحفظة الأم بارتداء الخمار لأنها ستعلق من شعرها في النار يوم القيامة.
إن الأم يمكنها استيعاب هذا الكلام وأن تناقش وترفض، لكن ماذا عن مشاهد لا يستطيع عقل الأطفال في سن الرابعة والخامسة استيعابها، عندما يسرد لهم حديث عن الموت، وتكفين المتوفى، ونزوله إلى القبر، وقوم يأجوج ومأجوج، والحديث عن علامات الساعة الكبرى من قتل وسفك للدماء؟
طالبت أشرف وزارة الأوقاف بمنع المُحفظات من مزاولة مهنتهن بالمنازل، حتى لا يتحول الأمر إلى غير المراد به، ودعت إلى ممارسة الرقابة مع الاكتفاء بالدروس التي تنظمها الوزارة في المساجد والمراكز المتخصصة، والتي إذا ما أخطأت فيها المُحفظة، فسيكون هناك من يتصدى لها.
ومن جهتها، تقول الدكتورة سامية الساعاتي باحثة في علم الاجتماع لـ“العرب” إن الترهيب لا يجب أن يستخدم بإفراط مع الأطفال، وتشجيعهم على حفظ القرآن والعبادات لن يكون إلا باتباع سياسة الترغيب في الدين.
وأشارت إلى أن العقاب والترهيب يخلقان جيلا جديدا من المتطرفين والإرهابيين لما يتكون لدى الأطفال من صور خاطئة تشوه نفسيتهم، التي من السهل تشكيلها في هذه السن، فـ“الشيء إذا زاد عن الحد.. انقلب إلى الضد”، وقد يؤدي ذلك إلى نفورهم من الدين.
متابعون للقضية أكدوا أنه من المفترض، بدلا من استعانة الأسر بمجهولات لتحفيظ أبنائها القرآن، أن تساعد الشرطة في مواجهة تلك الفوضى لضبط المخالفين، ولضمان حسن تربية النشء.
منتميات إلى الجماعات المتطرفة يتخفين وراء مهنة "التحفيظ" لنشر أفكار التكفير بين الصغار في غياب الاهتمام من أولياء الأمور
سماح محمد (باحثة أزهرية ومُحفظة قرآن)، أكدت أنها ضد التشدد في كل الأحوال، واعترفت لـ“العرب” بوجود التطرف عند البعض من النساء، لأن دائرة “الحرام” شديدة الاتساع لديهن، عكس دائرة الحلال التي هي عندهن ضيقة إلى أقصى الحدود.
وقالت إن هؤلاء المتشددات هن امتداد للتطرف الرجالي، وبعضهن كُنّ يترددن على حلقات وعظ للمتشددين، أو يقرأن كتبا متطرفة، ويقمن بتفسيرها حسب أهوائهن، مستخدمات سلاح التكفير دائما وأبدا.
خطورة التشدد والتطرف عند البعض من المُحفظات تتمثل في أنهن مجندات لتشويه العقيدة الإسلامية، من خلال نشر أفكار عقائدية للفرق المنحرفة، وسبيلهن الوحيد المُتاح حاليا- بعد غلق أبواب مدارس رياض الأطفال في وجوههن- هو تحفيظ القرآن في المنازل، ليتمكن من بث أفكار متطرفة عند الأطفال الصغار، حيث أنهن يعرفن جيدا أن “التعليم في الصِغَر كالنقش على الحجر”، ويتسللن بأفكارهن المتطرفة بهدوء ووداعة.
وتقترح عطيات هشام (مُحفظة بمعهد أزهري بمحافظة الشرقية)، ألا يسمح لأي امرأة بدخول المنازل، أو الاحتكاك بالأطفال في هذه السن الصغيرة، حتى تقر المؤسسات الدينية الرسمية بالدولة أنها صالحة لتلك المهنة، من خلال شهادة تحصل عليها تسمح لها بإلقاء الدروس في البيوت، بعد اجتيازها لاختبارات معينة، لمعرفة فكرها وعقيدتها وأهدافها ومصادر تعليمها، وأن تكون حسنة السير والسلوك، من خلال “صحيفة الحالة الجنائية” لها، بحيث لا يكون قد تم اتهامها في قضية جنائية هي أو زوجها من قبل.
وزارة الأوقاف المصرية تصدر “دليلا” (كتابا دوريا) بالمُحفظات المعتمدات من قبلها، وتنشره على مواقعها الإلكترونية، ليتصل أولياء الأمور بهن، لأن العمل التطوعي الذي تقوم به المُحفظة دون تنظيم أو رقابة غالبا ما يتسم بعدم الانضباط، ونتائجه تكون سلبية وعكسية تصل إلى حد دخول الأطفال في مذاهب أخرى، دون علم الأسر بذلك.
ومن جانبه، قال الشيخ عماد محمد عضو بحركة “أئمة بلا قيود” إن المسألة لو كانت مقتصرة على تحفيظ القرآن فهي مقبولة، لكنها للأسف، تتخطى ذلك إلى درجة التفسير والاجتهاد من جانب مُحفظة أو مُحفظ، هما بالأساس غير متخصصيْن في العلوم الشرعية، وشدد على أن المسؤول عن تلك الفوضى هي “نقابة القُرّاء ومحفظي القرآن” المصرية، بسبب دخلاء فيها ينتمون إلى تيارات متشددة، تضر بعقول الأطفال.
وأشار لـ“العرب” إلى أنه ينبغي على أولياء الأمور التدقيق عند اختيار المُحفظة أو المُحفّظ، فالطفل يتأثر سلبا وإيجابا بما يتعلمه منهما، لكنه لفت إلى صعوبة أن تستطيع الدولة وحدها مراقبة الدروس في المنازل أو السيطرة عليها، والنتيجة ستكون تفريخ جيل جديد من المتشددين، أفكارهم سوداوية، وسيدين الأطفال بالسمع والطاعة لفكر هذه المُحفظة أو ذلك المُحفّظ، ولن ينصتوا لأسرهم، لأنه سيكون قد فات الأوان.