محاكمات المحاسبة تستثني الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة

الجزائر- تستثني المحاكمات القضائية لمحاسبة رموز النظام الجزائري المعزول، الرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة رغم تحميله مسؤولية ارتكاب عدة تجاوزات من طرف عدد من المسؤولين السابقين القابعين في السجون.
وذكر رئيس الوزراء السابق المسجون أحمد أويحيى، للمحققين في أحد الملفات الضالع فيها، أنه كان ”ينفذ قرارات وسياسات الرجل الأول في الدولة”، مبينا أن منصبه في النظام الرئاسي الذي تنتهجه البلاد منصب تنفيذي للسياسات والقرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية.
ويشير تصريح أويحيى المنقول عن مصادر مقربة من فريق الدفاع، إلى تحميل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المسؤولية الكاملة عن الأوضاع التي آلت إليها البلاد، وأن الفريق الحكومي كان عبارة عن آليات لتنفيذ سياساته وقراراته، وهو تلميح مثير لأسباب وخلفيات بقاء الرجل بعيدا عن المساءلة والحساب، رغم الزج بالكثير من الوجوه والشخصيات العاملة معه في السجن بتهم الفساد وتبديد المال العام.
ورغم تحميله المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد منذ قرابة العام، كونه كان الرجل الأول في الدولة وصاحب القرار الأول، إلا أن الرئيس الجزائري الأسبق يبقى إلى حد الآن بعيدا عن الحساب، وفوق ذلك يحظى بمزايا وخدمات الرئيس.
أثبتت التطورات أن الرجل الذي أنقذه بوتفليقة، في مطلع الألفية من التسريح من المؤسسة العسكرية، هو الذي أطاح به في نهاية المطاف
ولم يستبعد مصدر مطلع أن يكون الاستثناءُ الذي يحظى به الرجل إلى حد الآن نتيجةَ صفقة سياسية غير معلنة بينه وبين السلطة الحالية، وترعاه عواصم إقليمية، لضمان عدم المساس بشخصه وسلامته كما تم الاتفاق في بادئ الأمر، لما استقدم قادة الجيش الرئيس بوتفليقة من منفى اختياري لقيادة البلاد عام 1999.
وتفيد تقارير محلية بأن الرئيس الجزائري الأسبق، لا يزال في إقامة الرئاسة بضاحية زرالدة (غربي العاصمة)، رفقة أفراد من عائلته، حيث يحظى هناك برعاية وعناية شخصية وصحية، تندرج في مزايا وخدمة الرئيس، كالإقامة والطاقم الطبي والتنقل لإجراء الفحوصات الدورية في الخارج.
ونفت تلك التقارير أن يكون عبدالعزيز بوتفليقة، قد غادر البلاد إلى وجهة أجنبية، بعد إعلان استقالته من رئاسة الجمهورية في الثاني من أبريل الماضي، وأن ما تم تداوله عن انتقاله للإقامة في سويسرا أو دولة الإمارات عار من الصحة.
ومنذ إصابته بجلطة دماغية في أبريل عام 2013، أقعدته نحو ثلاثة أشهر في مستشفى فال دوغراس الفرنسي، أثار وضعه الصحي لغطا كبيرا في الجزائر، بسبب تضارب الروايات عن الوضع الصحي الحقيقي للرجل، وتعمد مؤسسة الرئاسة أسلوب التعتيم على الملف.
ولم يعرف عن الرجل منذ تنحيه عن السلطة مطلع أبريل الماضي، أي موقف من التطورات المتسارعة في البلاد، لاسيما سجن شقيقه الأصغر ومستشاره الشخصي في سجن البليدة العسكري بتهمة التآمر على قيادة الجيش، فضلا عن استقالة شقيقه الآخر ناصر بوتفليقة، من منصبه كأمين عام لوزارة التكوين والتعليم المهنيين منذ عدة أشهر.
وكان تقرير أجنبي تحدث منذ أسابيع عن أن “الرجل لم يعد يعير الشأن العام في البلاد، والأزمة السياسية التي تتخبط فيها، اهتماما. ويركز اهتمامه فقط على شؤون العائلة وملف سجن شقيقه”، لكن التقرير لم يشر إلى الوضع الصحي الحقيقي للرجل، لاسيما وأن مصادر أخرى تتحدث عن أن “بوتفليقة قليلا ما يستفيق في اليوم من غيبوبته”.
بوتفليقة لا يزال في إقامة الرئاسة بضاحية زرالدة رفقة أفراد من عائلته، حيث يحظى هناك برعاية وعناية شخصية وصحية، تندرج في مزايا وخدمة الرئيس
ويعتبر استحواذ الحلقة الضيقة في الرئاسة السابقة على شؤون السلطة، وإدارتها من الخلف باسم الرئيس بوتفليقة منذ نحو سبع سنوات، والدفع به إلى انتخابات الرئاسة التي جرت في 2014، ثم التحضير لنفس السيناريو في أبريل 2019، ما استفز الشارع وفجر الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ ثمانية أشهر.
ورغم أن الرجل الذي ترأس الجزائر طيلة 20 سنة، استطاع أن يفكك أكبر وأعقد التوازنات التي كانت تحرك السلطة من الخلف، وتلقي بنفوذها في أكبر الملفات والقرارات السياسية، وهي المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات، إلا أن الحاصل هو أن الرجل لم يكمل مهمته بعدما كانت نهايته على يد قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، حيث دفعه للاستقالة في الثاني من أبريل الماضي، وهو في بيته بلباس الاسترخاء.
وأثبتت التطورات أن الرجل الذي أنقذه بوتفليقة، في مطلع الألفية من التسريح من المؤسسة العسكرية، هو الذي أطاح به في نهاية المطاف، رغم ما يُتداول عن عقد معنوي بين الرجلين حول عدم الخيانة والبقاء في السلطة معا أو الرحيل منها معا.
ويجهل الرأي العام الجزائري رد فعل بوتفليقة على ضغوط التنحي التي فرضها عليه قادة الجيش بعد اندلاع أحداث الحراك الشعبي، أو موقفه من الرجل القوي الآن في السلطة والجيش الجنرال قايد صالح، إلا أن الحظوة التي يتلقاها في إقامة الرئاسة والعناية المستمرة لشخصه، وإبعاده عن المساءلة والحساب إلى حد الآن تثير الاستفهام حول فرضية صفقة معينة، خاصة في ظل حرص السلطة الحالية على إعادة إنتاج نفس النظام عبر الانتخابات الرئاسية القادمة، وعدم إثارة أي ملف فساد لبوتفليقة نفسه، أو لأي من أفراد عائلته أمام القضاء، وما يتابع به شقيقه ومستشاره هو سياسي أمني صرف.