محادثات سلام أفغانية تختبر نوايا طالبان

كابول تعلن تنفيذ كافة التزاماتها لبدء مفاوضات السلام مع المتمردين.
الجمعة 2020/09/04
يد ممدودة وأخرى تخفي السلاح

تنطلق سبتمبر الجاري محادثات سلام أفغانية طال انتظارها وسط أجواء يسودها تفاؤل أميركي و يخيم عليها توجس الأطراف المتفاوضة، ما يعكس مناخ عدم ثقة يقول مراقبون إنه لا يؤشر على إجراء محادثات ناجحة يمكن تتويجها باتفاق قابل للتطبيق على أرض الواقع.

كابول – تختبر محادثات السلام الأفغانية المزمع انعقادها في العاصمة القطرية الدوحة خلال الأيام القادمة، نوايا حركة طالبان ومدى مصداقية جنوحها للسلم في بلد مزقته آفات الحروب، ويتطلع مواطنوه لمستقبل أفضل. لكن التفاؤل لدى السلطة الأفغانية يبدو ضئيلا، وهي التي خبرت مناورات المتمردين على مدى سنوات.

ويرى مراقبون أن قبول الحركة المتمردة الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع سلطة كانت تعتبرها دمية في يد الولايات المتحدة وترفض قطعا الجلوس إليها، يمكن البناء عليه لتثبيت أرضية سلام مشتركة قد تشهد عقبات لكنها قد تتوج في نهاية المطاف بالنجاح.

لكن آخرين يؤكدون أن السلطات الأفغانية تذهب للتفاوض مع حركة طالبان من موقع ضعف، بعد أن أضعفت مواقفها الضغوط الأميركية التي مورست عليها ودفعتها لتقديم تنازلات حذر الرئيس الأفغاني أشرف غني من تداعياتها الأسبوع الماضي بالقول “ستكون للسلام عواقب بعد أن دفعنا الجزء الأكبر من الثمن”.

أشرف غني: للسلام عواقب بعد أن دفعنا الجزء الأكبر من الثمن
أشرف غني: للسلام عواقب بعد أن دفعنا الجزء الأكبر من الثمن

وعبر الأفغان عن تفاؤل حذر بشأن المحادثات وسط مخاوف من انسحاب أميركي، فيما تتعرض قوات الأمن الأفغانية لخسائر فادحة تزامنا مع المفاوضات، والمدنيون يدفعون الثمن الأكبر بعد عقدين من سفك الدم.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة بأن أكثر من عشرة آلاف مدني سقطوا بين قتيل ومصاب في الصراع الدائر في أفغانستان في عام 2019 فقط، مما يرفع العدد الإجمالي للضحايا في العقد الماضي إلى أكثر من مئة ألف شخص.

والخميس، أرسلت كابول فريقا فنيا إلى قطر للتحضير للمحادثات المرتقبة بعد أن أكدت أنها نفذت كافة التزاماتها لبدء محادثات السلام التي توصلت الولايات المتحدة لاتفاق بشأنها.

ويأتي الإعلان بعد أنّ تجاوزت كابول مأزقاً كبيراً مع الجماعة المتمردة الاثنين، باستئناف عملية تبادل الأسرى التي شكّلت عقبة رئيسية في طريق بدء مفاوضات بين الغريمين في الدوحة.

وفي 29 فبراير الماضي، توصلت الولايات المتحدة وطالبان إلى اتفاق يُمهد الطريق، وفق جدول زمني، لانسحاب أميركي على نحو تدريجي من أفغانستان، وتبادل الأسرى.

ونص الاتفاق على إطلاق سراح حوالي 5 آلاف من سجناء طالبان، مقابل نحو 1000 أسير من الحكومة الأفغانية.

كما ينص الاتفاق أيضا على سحب الجنود الأميركيين البالغ عددهم 14 ألف جندي يتمركزون في أفغانستان منذ 18 عاما مقابل عدة ضمانات من طالبان منها عدم استغلال الأراضي الأفغانية لشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها.

وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إن الولايات المتحدة ستخفض عديد قواتها في البلاد إلى أقل من 5000 بحلول نهاية نوفمبر، لكنه أضاف أن ذلك “مشروط”.

ولم تخف الحكومة الأفغانية توجسها من صفقة بين المتمردين والولايات المتحدة تدفع بها إلى الهامش رغم التطمينات الأميركية المتكررة، لكن ضغوطا مورست على كابول أجبرتها على المضي قدما في التفاوض مع المتمردين والبناء على “المنجز” الأميركي الذي يحتاجه الرئيس دونالد ترامب بشدة قبل الانتخابات الأميركية المزمع عقدها في نوفمبر القادم.

ويدعم مسؤولون عسكريون أميركيون توجس كابول ويقولون إن واشنطن أهدت طالبان نصرا بدون مقابل وبلا ضمانات. ومفاوضات السلام التي تضغط فيها الولايات المتحدة باتجاهها متعثرة منذ شهور، لأن طالبان كانت تريد الإفراج عن الخمسة آلاف سجين كشرط مسبق.

واشنطن تضغط باتجاه إنجاح المباحثات
واشنطن تضغط باتجاه إنجاح المباحثات

وتأخر إطلاق سراح الدفعة الأخيرة التي تضم 400 محتجز لأسابيع، إذ أن الحكومة تتهمهم بارتكاب أسوأ أعمال عنف بالبلاد، ومن بينهم عدد صغير اعترضت قوى غربية على الإفراج عنهم لدورهم في هجمات على قوات أجنبية.

واستكملت الحكومة الأفغانية، الخميس، إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من سجناء طالبان، امتثالا للشرط المسبق الذي وضعته الحركة من أجل إجراء مباحثات سلام، إلا سبعة منهم تعترض فرنسا وأستراليا على إطلاق سراحهم وتقولان إنهم مورطون في قتل جنودهما.

ولتجاوز هذا المأزق الذي قد تستغله الحركة المتمردة بالالتفاف على المحادثات، وضعت كابول خطة تتمثل في نقل السجناء السبعة الباقين إلى الدوحة حيث سيبقون تحت المراقبة.

وقال مسؤول أفغاني إن هؤلاء السجناء السبعة أعضاء في قوات الأمن الوطني الأفغانية وألقي القبض عليهم لاتهامات بتنفيذ هجمات على قوات كانوا متمركزين معها. ووصفهم بأنهم موالون لطالبان أو أعضاء متخفون من الحركة.

ومع تواصل المواجهات بين المتمردين والحكومة المركزية بالتزامن مع تحديد تاريخ لبدء المفاوضات المباشرة، يحذر مراقبون من “المفسدين” الذين يريدون تخريب عملية السلام الهشة التي خرجت عن مسارها مرارا وتكرارا في الماضي القريب.

وذكرت تقارير إعلامية أن المبعوث الأميركي للمصالحة في أفغانستان زلماي خليل زاد، قال خلال مؤتمر صحافي بالمعهد الأميركي للسلام، إن أعداد القتلى بين القوات الأفغانية والمدنيين انخفضت بشكل كبير هذا العام، إلا أن تقريرا للأمم المتحدة أشار إلى أن شبكة القاعدة لا تزال نشطة في 12 إقليما أفغانيا على الأقل، وتقاتل تحت قيادة وراية طالبان.

5