مجموعة بريكس في 2024.. العام التوسعي

أصبحت سمة مجموعة بريكس في العام 2024 هي التوسع، ومعها تتزايد التساؤلات إن كان التوسع سيشكل تحديا مباشرا للنفوذ الغربي، فمع انضمام دول محورية بأهمية الإمارات والسعودية ومصر وإثيوبيا وإيران، وعلى الأقل من وجهة النظر الروسية والصينية، تدخل بريكس مرحلة جديدة، قد يزداد من خلالها التنافس الجيوسياسي مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، بينما يراها غالبية الأعضاء الجدد، فرصة قيمة لتنوع الأسواق وتعزيز الاقتصاد.
الأعضاء الجدد سيشكلون أهمية بالغة لعناصر القوة الكامنة في دول بريكس المؤسسة الخمس، فالإمارات والسعودية وإثيوبيا تشهد تطورات تنموية متسارعة، ومعها مصر ولو كانت تعاني من تحديات اقتصادية، ولكن سيظل مستقبلها التنموي واعدا، بينما تنضم إيران بأجندة مختلفة بسبب العقوبات التي فرضت عليها، فهي تبحث عن كيان مواز للغرب، تستطيع من خلاله تجاوز التحديات والمناورة السياسية.
وعلاقة الصين بصفتها عضو بريكس الأقوى اقتصاديا، تطورت بشكل بارز مع الدول المنضمة، فبكين تستثمر في إثيوبيا ومصر، وتملك علاقة اقتصادية قوية مع الإمارات والسعودية، وظهر نفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط عبر رعايتها للاتفاق السعودي – الإيراني، وهي جميعها حقائق لن تعجب الغرب، فمناطق نفوذ الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة، اتجهت إلى تنوع العلاقات والشراكات، فزمن استقطاب الدول انتهى وانتهت معه سياسة المحاور.
◙ أولويات مجموعة بريكس ستظل مرتكزة على الدعوة إلى نظام عالمي عادل ومنصف، يحترم استقلالية الدول ويعزز من خياراتها الاقتصادية
وستستفيد دولة الإمارات من الانضمام إلى مجموعة بريكس، كونها منصة مهمة لتنويع الأسواق العالمية وتوسيع نطاق التجارة والاستثمار، ما يتناسب مع سياسة الإمارات الخارجية المرتكزة على قواعد الازدهار والتنمية، والمبنية على تنوع الشركاء في الساحة الدولية، في ظل عالم مضطرب ومتغير، ما يتطلب التركيز على المشتركات الاقتصادية التي تجمع الدول، ما مكن نموذجها التنموي بشكل واسع، فالانضمام إلى بريكس لم يكن وليد الصدفة، بل تتويجا لمسارات إستراتيجية اتخذتها الإمارات بشكل استباقي، عندما انضمت إلى بنك التنمية الجديد عام 2021، بالإضافة إلى علاقاتها الاقتصادية المميزة مع دول بريكس المؤسسة خصوصا الصين وروسيا والهند.
انضمام الإمارات إلى بريكس لا يعني كسب نقاط ضد الغرب، بل على النقيض تماما يحسب للدبلوماسية الإماراتية أنها وبرغم اتجاهها منذ سنوات لتطوير علاقاتها مع روسيا والصين، حافظت على نفس القدر من المسافة على علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وحلفاء الغرب في آسيا، مثل كوريا الجنوبية واليابان، ما يعكس وعيا سياسيا مدركا لتحولات النظام الدولي الجديد المتجه نحو التعددية القطبية، وما توسيع مجموعة بريكس، إلا دليل على تنامي الاقتصادات الناشئة والمتوسطة.
قد يترجم انضمام دول جديدة إلى تكتل بريكس، أنها تريد تحقيق التوازن بين الشرق والغرب، وأراه بتقديري توازنا إيجابيا للدول العربية المحورية التي تخطط لمراحل ما بعد النفط، فالوصول إلى أسواق جديدة سيعزز من تحقيق الطموحات التنموية، والإمارات استطاعت تحقيق زاوية التوازن الإيجابي من خلال فاعليتها في مجموعة العشرين والتي تشارك بها كدولة ضيف، وأسهمت من خلال دبلوماسيتها في الخروج بمشروع طريق الممر الهندي الاقتصادي، والذي سيربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، وهناك توافق بين بعض دول بريكس المؤسسة والأعضاء الجدد حول أهمية الحفاظ على العلاقات مع القوى الغربية، فمكاسب بريكس الاقتصادية من الشراكات والمداولات المالية بالعملات المحلية، أكبر بكثير من التعقيدات الجيوسياسية بين القوى العالمية.
◙ علاقة الصين بصفتها عضو بريكس الأقوى اقتصاديا، تطورت بشكل بارز مع الدول المنضمة، فبكين تستثمر في إثيوبيا ومصر، وتملك علاقة اقتصادية قوية مع الإمارات والسعودية
لن تشكل مجموعة بريكس تحديا للغرب بشكل مباشر على الأقل في المدى القريب، ولو أرادت الصين وروسيا ترسيخ تلك الفكرة، ومن المفهوم أن ينتاب القلق الدول الغربية على الصعيد الإستراتيجي البعيد، فتوجه حلفائها نحو بريكس بحثا عن المزيد من الاستقلالية السياسية والاقتصادية والأمنية، يؤكد تراجع النفوذ العالمي الغربي، مقارنة بأواخر حقبة التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين.
ولهذا، من الطبيعي أن تقوم الدول العربية المحورية، مثل الإمارات والسعودية ومصر ومعها إثيوبيا، بتقديم سياساتها الخاصة التي قد تختلف قليلا عن الخط الغربي، والانضمام إلى مختلف التكتلات الإقليمية والدولية بشكل مستقل يحفظ أمنها الوطني ويعزز من إستراتيجياتها التنموية، باستثناء إيران التي تأمل أن تتحول بريكس إلى تحالف مناهض للغرب.
ستظل أولويات مجموعة بريكس مرتكزة على الدعوة إلى نظام عالمي عادل ومنصف، يحترم استقلالية الدول ويعزز من خياراتها الاقتصادية، وقد لا يكون للتكتل الثقل الكافي الذي يستطيع التأثير على الغرب في الوقت الراهن، ولكن من زاوية محددة، ستستفيد الاقتصادات المتوسطة القوية بشكل كبير من وجود نظام دولي متعدد الأقطاب.