مجموعة السبع تحسم أمر ترويض عمالقة التكنولوجيا ضريبيا

اتضحت أخيرا العلامات الأولى لحصار عمالقة التكنولوجيا ضريبيا بعد سنوات طويلة من المناقشات، حيث تتجه مجموعة الاقتصادات السبعة الكبرى إلى إبرام اتفاق يمهد الطريق أمام أكبر تغيير في الضرائب الدولية على الشركات متعددة الجنسيات منذ قرن، مما يحد بشدة من قدرتها على تحويل الأرباح ودفع رسوم منخفضة.
بروكسل/ واشنطن - اقتربت أكبر سبعة اقتصادات في العالم من إبرام اتفاق اعتبره خبراء مصيريّا بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، وخاصة العاملة في التكنولوجيا، ما يجعله أرضية لعقد صفقة عالمية في وقت لاحق من العام تضع قواعد جديدة لفرض الرسوم.
ويشكل القرار انقلابا جذريا على الخلافات التي كانت قائمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول فرض ضرائب أكبر على عمالقة التكنولوجيا والتي استطاعت التهرب لسنوات من دفع رسوم حقيقية على أعمالها عبر المنصات الرقمية.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” الاثنين إن الاتفاق المزمع قد يتم نهائيا بحلول نهاية هذا الأسبوع بين بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان، فيما تجري مفاوضات بشأن اللمسات الأخيرة على النظام الضريبي الجديد.
ويأتي هذا الأمر بعد أن وافقت الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة مع الشركات الكبرى، واقترحت فرض 15 في المئة كضريبة في تحول مغاير لموقف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي عارض ذلك بشدة خوفا من أن يضر ذلك بموقف الشركات الأميركية التي تعمل على الصعيد العالمي.
وتتوج الخطوة مسارا كانت قد قادته فرنسا قبل عدة سنوات بمفردها لإقناع الدول الأوروبية بجدوى اتباع مثل هذه التدابير لتحصيل عائدات ضريبية عادلة من أعمال الشركات، وخاصة التكنولوجية منها، وفي مقدمتها أمازون وغوغل وفيسبوك.

برونو لومير: المقترح الأميركي بشأن فرض رسوم ضريبية حل وسط جيد
واعتبر وزير المالية الألماني أولف شولتز خلال توجهه للعاصمة البرتغالية لشبونة لحضور اجتماع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي الاقتراح الأميركي “انفراجة” في هذه القضية التي أثارت جدلا كبيرا وأخذت وقتا طويلا من المناقشات.
وفي حين اعتبر شولتز أنه “من الواقعي أن يكون هناك اتفاق عالمي على حد أدنى للضرائب على الشركات الكبرى”، وصف نظيره الفرنسي برونو لومير الأمر بأنه “حل وسط جيد”.
وكان لومير قد قال في أبريل 2019 إن بلاده اقترحت على المفوضية الأوروبية تطبيق ضرائب على أي شركة تتجاوز عائداتها العالمية 750 مليون يورو وتتجاوز مبيعاتها في فرنسا 25 مليون يورو، والتي تمثل نحو 30 شركة.
ويقول المنتقدون إن الشركات متعددة الجنسيات تستخدم كل الوسائل المتاحة لكي تحرك أرباحها حول العالم وتدفع عنها أقل ضرائب ممكنة. وهناك نقطة خلاف أخرى متكررة تتعلق بشركات الخدمات الرقمية والتكنولوجيا، والتي تدفع ضرائب قليلة في البلدان التي تعمل فيها.
والمؤكد أن قلق شركات وادي السيليكون سيتفاقم من الحملة الضريبية العالمية الجديدة لفرض ضريبة تجبرها على الالتزام بضوابط المنافسة وتجنّب الاحتكار، وهي مبادرة تعكس الرغبة في افتكاك بعض الدول حصة من السوق الرقمية العالمية.
ومن المرجح أن يضمن الاتفاق الجديد دفع الشركات الرقمية الأميركية العملاقة المزيد من الضرائب في البلدان التي قامت فيها بالمبيعات.
وحاليا تقوم الشركات الكبرى العابرة للحدود بتحويل أرباحها إلى الدول ذات النظام الضريبي المنخفض بهدف دفع أقل قيمة من الضرائب على الدخل وصافي الربح.
وعلى سبيل المثال عززت فرنسا في مارس 2019 سباق مطاردة عمالقة تجارة التجزئة الإلكترونية حينما أعلنت عن خطط لفرض ضرائب بنحو 5 في المئة على مداخيلها السنوية، إذ تستهدف باريس جمع نحو نصف مليار يورو كحصيلة ضريبية سنوية من هذه الشركات.
وقد مهد تطبيق الضريبة في فرنسا دخول عدد من دول الاتحاد الأوروبي في مقدمتها بريطانيا والنمسا بشكل منفرد لعدم وجود إطار موحد للدخول في هذه المغامرة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن معدل الضريبة الحالية على عمالقة التكنولوجيا في أوروبا يبلغ حوالي 9 في المئة، فيما تدفع شركات في قطاعات أخرى ضريبة بنسبة 23 في المئة.
15
في المئة نسبة الضرائب المتوقع فرضها على الشركات متعددة الجنسيات بما فيها التكنولوجية
وتسعى دول كثيرة للحد من تهرب شركات التكنولوجيا العابرة للحدود من الضرائب من خلال اتخاذ مقرات في ملاذات ضريبية تمنحها تسهيلات غير قانونية، الأمر الذي يقلص إيرادات الحكومات والسلطات المحلية من الضرائب.
ويمتلك الاتحاد الأوروبي تاريخا في وضع الشركات العملاقة تحت رقابة مشددة. وقد فرض العشرات من الغرامات التاريخية في مجال حماية البيانات وحرية المنافسة ومنح الحصول على تسهيلات ضريبية غير عادلة.
وبرز التكتل ككيان مناهض لشركات التكنولوجيا الكبرى بعد أن طور وطبق قواعد صارمة تتعلق بحماية بيانات المستخدمين والضرائب وقضايا حرية المنافسة ومكافحة الاحتكار.
وتعاني الكثير من الدول من تراجع حصيلة الضرائب بسبب اختفاء المبيعات عن رقابتها بسبب اتخاذ شركات مبيعات التجزئة عبر الإنترنت مقرات في ملاذات ضريبية أو بلدان تمنحها إعفاءات كبيرة.
وتشكو شركات مبيعات التجزئة التقليدية من أنها ضحية منافسة غير عادلة لأن شركات التجزئة عبر الإنترنت لا تدفع الكثير من الرسوم والضرائب التي تترتب على المتاجر التقليدية.
ولا تقتصر الانتقادات على بلدان الاتحاد الأوروبي، فقد انتقد ترامب ذات مرة تأثير شركة أمازون على متاجر التجزئة ودعا لزيادة الضرائب المفروضة عليها وأمر بإجراء تحقيق في السجلات المالية للشركة.
وفي مايو 2018 دخل قانون حماية البيانات الجديد المسمى اللائحة العامة لحماية البيانات حيز التنفيذ، والذي وضع قواعد صارمة جديدة لكيفية معالجة الشركات للبيانات الشخصية.