متى تتوقف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل؟

تنضم الجامعات الأميركية والأوروبية إلى قافلة الاحتجاجات والمخيمات الاعتصامية ضد الحرب في غزّة بشكل متسارع ولافت. ومن البديهي القول إن الجامعات هي المؤشر الحقيقي على توجه المجتمعات ووجهة نظرها الحقيقية تجاه ما يجري من أحداث داخلية وخارجية، وهنا أشير إلى ما يجري في فلسطين منذ السّابع من أكتوبر الماضي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الثقافة المجتمعية القائمة في هذه المجتمعات ذاتها تناصر الصهيونية ظالمة أو مظلومة. ومن المؤكد أن رد الفعل القمعي حيال هذه الاحتجاجات سيؤدي بالضرورة إلى تزايدها وتفاقمها، حتى لو أقرّ مجلس النواب الأميركي عشرات القرارات المتعلقة بالتعريفات المقترنة بمعاداة السامية، كما فعل مؤخرا وأثار الانتقادات ضده.
أصبح مصطلح معاداة السّامية مصطلحا فضفاضا؛ فلو طبقناه اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، لوجدنا أن رأس الأدب الغربي وأفضل كتابهم على الإطلاق شكسبير ضد السامية ومعادٍ لها، وذلك من خلال شخصية “شايلوك” التاجر اليهودي الطماع في مسرحيته ذائعة الصيت “تاجر البندقية”. كذلك الروائي الإيطالي إلبرتو مورافيا، وهو من أصل يهودي من ناحية الأب، الذي عُرفت عنه مناصرته للقضية الفلسطينية ونقده الحاد لإسرائيل من خلال مقالاته.
◄ تصرفات وتصريحات القادة الإسرائيليين الهمجية والمتطرفة ترفض علانية حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وحقهم في الوجود
لقد تجاوزت المذبحة الفلسطينية كل الحدود الإنسانية التي يمكن أن يتقبلها أي عقل بشري، ولعل انعكاساتها لن تتوقف على الجامعات فقط، فهناك تحركات قانونية مقبلة، تجبر إسرائيل على أن تهرع لائذة بالولايات المتحدة خوفا وجزعا منها. فمن المتوقع إدراج إسرائيل الشهر المقبل على قائمة الأمم المتحدة السوداء للدول والمنظمات التي تُلحق الضرر بالأطفال في مناطق النزاعات. وللعلم فإن دخول إسرائيل ضمن هذه القائمة سيضعها في مكانها الطبيعي، جنبا إلى جنب مع المنظمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام.
وفي سياق متصل ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أنه من الوارد صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي وآخرين بسبب ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزّة. وبالتالي هدد رئيس مجلس النواب الأميركي بفرض عقوبات صارمة على المحكمة وقلب الطاولة عليها حسب تصريحاته التي تناقلتها الكثير من وسائل الإعلام.
وبكل حيادية من الممكن القول إن غالبية القيادة الإسرائيلية الحالية اليمينيّة البالغة التطرف والمشبعة بالفوقية والعنصرية واحتقار الآخر (الغوييم) لا تختلف البتة عن التنظيمات الإرهابية الأخرى؛ فهي ترى، وذلك حسب تصريحات قيادتها، أن أفراد الشّعب الفلسطيني حيوانات بشرية ويجب أن تُلقى عليهم قنبلة ذرية لإبادتهم ويجب قتل أطفالهم لأن هؤلاء الأطفال عندما يكبرون سيصبحون إرهابيين وهم يحتقرون باقي الديانات الأخرى، وبعضهم يعتبر البصق على المسيحيين شعيرة.. إلخ. ومن التصريحات الموثّقة التي استخدمها فريق جنوب أفريقيا القانوني ضدهم في محكمة الجنايات الدولية تصريحات يمكن وصفها بأنها مقززة وتؤكد الدرك الأسفل الذي يعيش فيه هكذا بشر لا إنسانيين.
هذا التطرف اليهودي الشاذ كان سببا رئيسيا لإنتاج التطرف الإسلامي المتمثل في الحركات الإسلامية في فلسطين، والتي تعتمد ثقافة الغزوات والسبي والنهب والسلب والخطف كما حصل في السابع من أكتوبر، وهذا التطرف اليهودي أيضا هو بمثابة شماعة لخلق هكذا حركات خارج فلسطين أو تشكيل حالات فردية جهادية كما يسمون أنفسهم (الذئاب المنفردة).
◄ المذبحة الفلسطينية تجاوزت كل الحدود الإنسانية التي يمكن أن يتقبلها أي عقل بشري، ولعل انعكاساتها لن تتوقف على الجامعات فقط، فهناك تحركات قانونية مقبلة
ومن هنا يمكن القول إن اليمين اليهودي المتطرف هو الأب الروحي للحركات السنية التي مشت في طريقه واستخدمت أساليبه وحاربت بنفس أسلحته الشعبوية التي تعتمد على خطاب يستفزّ الشارع، إما نحن أو هم، خطاب يرضي الكثير ويغضب القليل المثقف والواعي.
وفي المحصلة لو أمعنا النظر في أربعة أمور ضاغطة ومحرجة في آن معا ألا وهي:
أولا، تصرفات وتصريحات القادة الإسرائيليين الهمجية والمتطرفة، والتي ترفض علانية حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وحقهم في الوجود وتعمل بشكل حثيث على تهجيرهم من أرضهم جهارا نهارا.
ثانيا، الخطاب الفلسطيني المعتدل والموضوعي من السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. وخير آية على ذلك مطالبة الرئيس العالم بالاعتراف بدولة فلسطين أسوة باعتراف العالم بدولة إسرائيل في المؤتمر العالمي للاقتصاد في الرياض، وأن الفلسطينيين ليسوا ضد أمن إسرائيل ومن واجبنا كدولتين متجاورتين أن نضمن أمن بعضنا البعض.
ثالثا، رد الفعل العالمي المناصر للحق الفلسطيني والمتمثل في مظاهرات الجامعات وتحركات المحكمة الجنائية الدولية مع التحاق تركيا العضو في حلف الناتو بدعوى جنوب أفريقيا.
رابعا، الغطاء الأميركي لهكذا مجازر ومذابح تجري على مرأى ومسمع من العالم كله، حتى أصبح لقب الرئيس الأميركي “جو الإبادة الجماعية”، والاضطهاد الأميركي السياسي والدبلوماسي الكامل لحق الفلسطينيين باستخدام الفيتو ضد حصولهم على دولة كاملة العضوية في مجلس الأمن، يطرح سؤالا مهما جدا.
متى تتوقف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل عسكريا وسياسيا؟