مبروك عطية.. أزهري يمسك الورود بيد ويبارك العنف ضد المرأة بالأخرى

عكس الأساليب التقليدية التي يتبعها عدد كبير من علماء الأزهر ورجال الفقه في مصر، يظل مبروك عطية صاحب طلة غريبة من نوعها في أسلوب الرد على طالبي الفتوى وتفنيد الرؤى الدينية من حيث خفة الظل، ما جعله مختلفا عن الكثير من الدعاة، ويحمل صفة الشيخ الحداثي حاليا.
يحظى عطية بقبول عند شريحة كبيرة من الجمهور المصري لبساطة أسلوبه والفكاهة والسخرية التي تتسم بها غالبية أحاديثه، وأصبح اسمه يرتبط بالقضايا الفقهية الخلافية، وكثيرا ما تصدر محركات البحث على الإنترنت لأسباب مختلفة. لا يكل من إثارة الجدل والدخول في صدام مع بعض رجال الدين الذين يبتعدون عن وسطيته.
الخطاب الديني الذي يستخدمه عطية يعتمد على التحدث بلسان البسطاء، إذ يتكلم في البرامج التلفزيونية بطريقة توحي بأنه يجلس مع الجمهور على المقهى، ويستخدم عبارات دراجة على ألسنة الكادحين، ولذلك صار بالنسبة إليهم الداعية المفضل الذي يبسط المعلومة ولا تحتاج فتاواه للمزيد من التفسير.
لديه عادة غريبة يتميز بها عن الكثير من رجال الدين، حيث اشتهر بتقديم برامج دينية وهو ممسك بباقة من الورود، وحين أصر جمهوره على معرفة سر ذلك، أفصح الشيخ مؤخرا عن السبب بقوله "أنا أظهر بالورد كتعبير على أن الإسلام دين وورود وجنات، دين دعا إلى السلام والمحبة لا العنف والتشدد والتطرف".
من خلف النظارة السوداء
يكاد يكون الداعية الوحيد الذي يطل على جمهوره وهو يرتدي النظارة السوداء في الأستوديو، برر ذلك بأنه أجرى عملية جراحية في العين وفشلت بسبب خطأ أحد الأطباء. يقول "من يخرج عليك بوردة لن يؤذيك بمظهر عينه، لذلك أضطر لإخفائها عن المشاهد حتى لا يرى ما لا يسره أو يشاهد في وجهي شيئا يؤلمه ويؤذيه نفسيا".
لم يلبث الداعية المصري أن تخلى عن النظارة السوداء وتحلى بالجرأة في أن يخرج على الجمهور بشكل طبيعي أمام بعض الأصوات التي انتقدت تبريره ارتداء النظارة، وتلميحه بأن الذي لديه مشكلة في الإبصار شخص مؤذ للآخرين، وبدأ يتجنب الخروج في البرامج بالورود طالما حقق هدفه وامتلك شعبية واسعة.
اعتاد الرد على الجمهور المستفتي بطريقة تحمل خفة ظل لتوصيل المعنى من الفتوى، وبات نجما لامعا على منصات التواصل الاجتماعي نتيجة انتشار مقاطع فيديو له مقتبسة من حلقاته التلفزيونية وقيام بعض المشاهير بتقليده على تطبيق "تيك توك"، وهو ما أبدى ترحيبه به، معتبرا أنه يعكس حجم محبة الناس له.
صدمة البعض في عطية كبيرة منذ أن أعلن بلا مقدمات وأمام لحظة استفزاز له أنه “شيخ السلاطين”، في إشارة إلى عدم ممانعته أن يعيش في كنف السلطة، وهي الهاوية التي سقط فيها العديد من رجال الدين.
اكتسب بساطته من نشأته الريفية، حيث ولد في إحدى قرى محافظة المنوفية، شمال القاهرة، والتحق في سن صغيرة بأحد الكتاتيب لحفظ القرآن، ثم بمعهد أزهري، وكان من المتفوقين وحصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة الأزهر، وتم تعيينه رئيسا لقسم الدراسات الإسلامية ثم عميدا لكلية تحمل نفس الاسم بجامعة الأزهر.
ألّف العشرات من الكتب، ومع ذلك يرفض أن يقال عنه الشيخ مبروك عطية ويميل إلى وصفه بالدكتور، فهو أكاديمي يمتعض من التصاق اسمه بكلمة شيخ من كراهيته للسلفيين، وعناصر الجماعة الإسلامية عموما، حيث يكن لهم العداء المطلق ويرى أنهم أساؤوا للدين بسبب الأفكار المتطرفة التي عكفوا على نشرها بين الناس لعقود طويلة.
اكتسب شعبيته على وقع الاستفسارات الغريبة التي تصله من الجمهور، فهو يفتح الاتصال في البرنامج على الهواء ليسأل ويرد، مستثمرا حالة الهوس الغريبة بالفتاوى، والاعتماد عليها في كل ما يخص شؤون الحياة، حتى صارت هناك قاعدة متعارف عليها بأن من يريد الشهرة السريعة عليه أن يدخل للناس من بوابة الدين.
أزمة عطية الذي خلع العمامة الأزهرية ليبدو في صورة داعية حداثي أنه نادرا ما يرد على استفسارات طالبي الفتوى وهو يستشهد بآية قرآنية أو حديث نبوي، بل يُفتي وفق قناعات شخصية، لا أحد يعلم إذا كانت على صواب أم خطأ، ويصدقه الكثيرون ولو كانت الآراء التي يبديها مناقضة لما حسمته دار الإفتاء ومؤسسة الأزهر.
لم يُعرف عنه الاستشهاد بحكاية من التراث الفقهي عند إصدار الفتوى، بل يستعين في ذلك بمنطقه الشخصي في حل الأمور والحكم على الوقائع التي تصل إليه للفصل فيها، وهذه مشكلة البعض من رجال الدين في مصر، حيث ينصبون أنفسهم كحاكمين بأمر الله دون تقديم دليل يؤكد صحة مواقفهم، ويعولون على مصداقية متوارثة.
يظل عطية من الدعاة المعاصرين الذين ارتبطت أسماؤهم بإثارة الجدل، في الصواب والخطأ، فلا أحد يعرف بالضبط إن كان الرجل يحتكم لمنهجية وضعها لنفسه ليفصل بها في القضايا الدينية، أم يتعمد عدم الإفصاح عن الحجج التي يستند إليها، ولم يعرف عنه الاعتذار للمستفتي بعدم معرفته الرد الصحيح، يفتي كأنه عالم بكل شيء.
العيش في جلباب الحكومة
في الفترة الأخيرة ترافق اسم عطية مع جملة فتاوى قلبت عليه الجمهور، حيث شعر الناس بأنه داعية يعيش في جلباب الحكومة، فقد دعا إلى ضرورة الصبر وتحمل الغلاء والتماس الأعذار للنظام الحاكم لأنه لا يملك بديلا لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
تعرض على إثر هذا الحديث السياسي المصبوغ بالدين لهجوم واتُّهم بأنه يتملق للحكومة وهناك من يوجهه ليدافع عنها مستغلا شعبيته، لكنه دافع عن نفسه وأقسم بأنه ليس موجها من أحد ليدافع عن النظام المصري، ويتحدث وفق قناعاته الشخصية ورؤيته للمشهد، قائلا "لا عيب في الداعية إذا دعا الناس إلى الصبر والتحمل".
أزمة عطية الذي خلع العمامة الأزهرية ليبدو في صورة داعية حداثي أنه نادرا ما يرد على استفسارات طالبي الفتوى وهو يستشهد بآية قرآنية أو حديث نبوي، بل يُفتي وفق قناعات شخصية
كرست شواهد عديدة أنه أصبح يستغل جماهيريته في التملق لدوائر صناعة القرار، فقد اعتاد وصف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرجل "المخلص"، وبأنه "يستحق أن يظل في حكم مصر مدى الحياة"، مضيفا "طالما اخترنا رئيسا، فما الداعي لتغييره بعد سنوات، وماذا أخذنا من الديمقراطية وهذا الكلام الفارغ".
من المفارقات الغريبة أنه يميل إلى إظهار التباهي بدعمه للحكومة وتمجيد رئيس الدولة، وقد سبق له أن عبّر عن امتعاضه من أن يكون هناك انتماء سياسي للدعاة، أو إقحام أنفسهم في السياسة أو التحزب، لأن ذلك ينتقص من رصيد الدعوة الإسلامية التي تحولت من عزم الأمور إلى توافهها، وبات خطاب الفقهاء مشكوكا في نزاهته.
يبدو أن عطية وجد في كثرة ظهوره ببرامج تلفزيونية شهيرة مكافأة له على تمجيده الدائم للحكومة وقت الأزمات، فقرر المضي في نفس المسار من دون إدراك لتأثير ذلك على مصداقيته وسط جمهور وثق في آرائه الدينية الخالية من التوظيف السياسي.
كانت صدمة البعض فيه كبيرة عندما أعلن بلا مقدمات وأمام لحظة استفزاز له أنه “شيخ السلاطين”، في إشارة إلى عدم ممانعته أن يعيش في كنف السلطة، وهي الهاوية التي سقط فيها العديد من رجال الدين، واهتزت مصداقيتهم، فالمواطن المصري بطبعه متدين لكن شريحة كبيرة فيه تتذمر من خلط الدين بالسياسة.
تحريم زواج الفقراء
يُحسب لعطية قدرته الفائقة على إدارة تناقضاته الشخصية، فهو يميل إلى التواجد باستمرار في مساجد الطبقة الفقيرة والانخراط في صفوفهم ويتحدث إليهم ببساطة وينزل بمستوى كلامه إلى أسلوب قد لا يتناسب مع طبيعة الأكاديمي، حيث يُفتي بأن الإسلام اشترط القدرة المالية في الزواج ولا شيء اسمه “خذوهم فقراء يغنهم الله".
توحي فتوى عطية بأن الزواج محرّم على الفقراء في المجتمع، وهي دعوة صريحة لاقتصار تكوين الأسرة على المقتدرين ماديا فقط، والمعضلة أن الرجل أفتى بحرمة ذلك دون دليل قاطع، ثم عاد وكرر نفس الفتوى رغم الهجوم عليه، وقال مع الإعلامي شريف عامر في برنامج “يحدث في مصر”، إن الزواج واجب فقط على من توافرت فيه القدرة على الإنفاق والمعاشرة.
عطية متهم بأنه يستغل جماهيريته في التملق لدوائر صناعة القرار، فقد اعتاد وصف الرئيس السيسي بالرجل “المخلص”، وبأنه “يستحق أن يظل في حكم مصر مدى الحياة”، مضيفا “طالما اخترنا رئيسا، فما الداعي لتغييره”
استند في تحريمه لزواج غير المقتدر إلى أن ثلاثة أرباع سكان مصر ولدوا لزيجات حرام، ما أثار غضبا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، ما استدعى نقابة الإعلاميين إلى إصدار بيان حاد ضد البرنامج وإدارة القناة، واتُّهم عطية بأنه تعمد الكذب والتضليل والإهانة للشعب المصري لكونه نطق بما لا يعي وفسّر بطريقة تسيء لأعراف المجتمع.
مشكلة عطيّة أنه بدأ يعوّل على اهتمام الحكومة بخطابه الدعوي وأسلوبه في التفسير والفتاوى، متجاهلا رأي الجمهور في شخصه، باعتبار أنه يكفيه رئيس الدولة، حيث تحدث إليه السيسي في مداخلة مع برنامج "يحدث في مصر"، معبرا عن سعادته بآرائه في تناول القضايا المختلفة وأنه من العلماء الأجلاء الذين لا تُقال لهم ملاحظات.
لم يدرك الداعية الحداثي أن الرئيس السيسي اعتاد التحدث بهذه النبرة التي تنم عن احترام وتقدير للعلماء المتخصصين في مجالاتهم ويصر على توقيرهم كجزء من شخصيته، وهذا ليس قاصرا على عطية وحده، بل شملت عددا من رجال الدين، بالتالي فالاحتماء بالتقدير الرئاسي لا يكفي لترميم شعبية داعية اهتزت صورته.
من بين تناقضات عطية أنه كان قد استنكر مصطلح الخطاب الديني ثم بدأ يتبنى فكرة ضرورة التجديد مع دخول الرئيس السيسي على الخط، ولا يكل من الدعوة إلى تنقيح التراث دون المساس بالثوابت، ما يعكس جزءا من شخصيته المتقلبة أحيانا.
وصف منصات التواصل الاجتماعي بأنها مليئة بالقاذورات، ووباء لا بد من القضاء عليه، لكنه ما لبث أن وجدها وسيلة مثالية لتوسيع الشهرة، وأنشأ صفحة تحمل اسمه، ليظهر عليها بشكل متكرر، ويخاطب جمهوره عبر تقنية البث المباشر، وأصبح مدمنا لنشر أحاديثه عليها والتواصل مع الناس من خلالها.
عدو المرأة أم صديقها
تظل التهمة الأكبر الذي صارت تطارده أنه الداعية الأكثر تحريضا على العنف ضد النساء والحط من كرامتهن والتعامل مع الزوجة كأنها وعاء لتفريغ الشهوات، وظهر ذلك في فتاوى دعا فيها الرجال إلى الزواج مرة ثانية وثالثة دون إبلاغ الزوجة الأولى، فليس لها الحق في أن تعترض.
ذات مرة سألته امرأة عن تفكيرها في طلب الطلاق لأنها تتعرض للعنف الزوجي بطريقة وحشية وصلت حد تقييدها وتعذيبها وتعرضها للضرب، فطالبها بالصبر والتحمل ولم يبد تعاطفا معها أو يُفتي بحرمة العنف ضد الزوجة، بل قال إن النساء عموما يبالغن في الشكوى من أزواجهن كأنهن ملائكة.
تحريمه لزواج غير المقتدر زعم عطية أنه يستند إلى أن ثلاثة أرباع سكان مصر ولدوا لزيجات حرام، مما صب عليه غضبا واسعا من شبكات التواصل الاجتماعي، واتهمته نقابة الإعلاميين بإهانة الشعب المصري
يوحي بأنه رجل دين منفتح على العصر ويسعى إلى تصدير أفكار حضارية عن المرأة، لكن أحيانا يتحدث بطريقة مهينة عن السيدات اللاتي يقدسن التراث. وبعيدا عن رفضهن الاعتراف بعدم وجود علاقة بين الدين والتحرر من الزي الشرعي، هناك من اتهمه بتدني مستوى أسلوبه في الخطابة عن النساء، وأن ذلك تطرف وليس تحررا.
وصف المرأة التي ترتدي النقاب بأنها تشبه الرجل وخالية من ملامح الأنوثة ولا تستحق أن ينجذب إليها الذكور، وهي توصيفات تحمل قدرا من الإهانة والسخرية والحط من المرأة المنتقبة، لكن هي عادته في انتقاء عبارات قاسية تصل إلى حد استخدام ألفاظ نابية بحق المستفتين، حيث يقدس وصاية رجل الدين على الجمهور.
يتناقض تبرير عطية للعنف ضد النساء مع مظهره وهو يمسك بالورود ليعبر عن محبته للسلام ويظهر طبيعة الإسلام السمحة، مع أنه بذلك يسيء للدين الذي لا ينحاز إلى العنف ولا يبرره، لكنه يتناسى أنه بارك العنف أمام الملايين من المشاهدين الذين اعتادوا انتظار برنامجه، ما قاد إلى اتهامه بأنه عدوّ المرأة.