مبادرات دولية لحماية الاقتصاد العالمي من الانهيار

تسارع سباق الحكومات والبنوك المركزية إلى طرح كل ما بوسعها من حلول لمواجهة تفشي وباء فايروس كورونا، إلا أن الأسواق لا تزال تتأرجح بين التشاؤم الحاد والهلع في أكبر أزمة تواجهها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
لندن - تواصل إعلان الدول الكبرى أمس عن برامج تيسير نقدي وخفض أسعار الفائدة وبرامج دعم واسعة للشركات، لكن محللين يشيرون إلى صعوبة ضخها بطريقة عادلة ومنسجمة في شرايين الاقتصاد.
ويكمن الخطر الأكبر في انهيار الملايين من الشركات الكبيرة والصغيرة وعدم وجود آليات لتخفيف الضغوط خاصة على الشركات الصغيرة والأفراد المتضررين.
وأقر خبراء مؤسسة “آي.أن.جي” المالية في مذكرة أمس بأنه “بصراحة لا يوجد تيسير مالي أو نقدي يمكن أن يكون له تأثير مساو لتأثير العثور على لقاح ضد الفايروس”.
ووصل الأمر بألمانيا أمس، إلى عرض ما يشبه التأميم الجزئي بإعلان استعداد الحكومة لشراء حصص في الشركات الألمانية الرئيسية لمساعدتها في مواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار فايروس كورونا المستجد.
ونقلت مجلة دير شبيغل عن وزير الاقتصاد بيتر ألتماير قوله إن “موضوعات تتعلق بالسيادة الاقتصادية والتكنولوجية للدولة يمكن أن تظهر في ظل الأزمة التي تسبب فيها فايروس كورونا”.
وأضاف أنه لا يوجد في الوقت الحالي ما يشير إلى الحاجة لعملية تأميم واسعة، رغم أن قطاع الصناعات الدولية الذي يشتري أغلب مستلزمات تشغيله من آسيا قد يحتاج إلى المساعدة الحكومية.
وقبل ذلك انضم البنك المركزي الأوروبي إلى مساعي تقوية الاقتصاد العالمي بإعلانه عن خطوات إضافية لتشجيع البنوك على تقديم القروض إلى الشركات المتعثرة.
إلا أن البنك أحدث مفاجأة بتركه معدلات الفائدة الرئيسية دون تغيير، على عكس ما فعل البنك المركزي الأميركي والبريطاني وغيرها من البنوك المركزية.
ولم يتمكن خفض أسعار الفائدة الطارئ خلال الأسبوعين الماضيين من وقف حالة الفزع في الأسواق المالية. ولم تساعد كذلك وعود الحكومات بزيادة الإنفاق، رغم أن الأسواق استعادت أمس بعض خسائر اليوم السابق.
وكان الكونغرس الأميركي قد أقر قانون إنفاق بقيمة 8.3 مليار دولار لمكافحة فايروس كورونا، إلا أن طلبات الرئيس دونالد ترامب في عامه الانتخابي للقيام بخطوات معينة مثل خفض الضرائب على الدخل، لم تلق قبولا لدى الكونغرس.
وخفض مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) وبنك كندا المركزي والمركزي البريطاني أسعار الفائدة الرئيسية بنصف نقطة مئوية.
ووفر صندوق النقد الدولي 50 مليار دولار كمساعدات للدول الأفقر، محذرا من أن النمو العالمي يمكن أن ينخفض الآن إلى أقل من نسبته العام الماضي والتي وصلت إلى 2.9 في المئة، في وقت يرجح محللون سيناريوهات أسوأ بكثير.
وقالت رئيسة صندوق النقد كريستالينا جورجييفا الأسبوع الماضي، إن الوباء “لم يعد قضية إقليمية بل مشكلة عالمية تتطلب استجابة عالمية”.
ولكن على عكس ما حدث في عام 2008، لا تزال الشركات تنتظر عبثاً استجابة منسقة من قبل الحكومات، التي فاقمت أزماتها أحيانا، مثل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حظر استقبال المسافرين من منطقة شينغن الأوروبية، والذي أثار انتقادات واسعة.
ووافق البنك المركزي الأوروبي على جولة جديدة من القروض الميسرة لبنوك منطقة اليورو، وسيطرح 120 مليار يورو إضافية (135 مليار دولار) من مشتريات الأصول في إطار “التيسير الكمي” هذا العام.
وجاء ذلك بعد تبني الاتحاد الأوروبي لصندوق استثماري بقيمة تصل إلى 25 مليار يورو لدعم الرعاية الصحية والوظائف والشركات الصغيرة.
وتعتبر إيطاليا الدولة الأكثر تضررا في الاتحاد الأوروبي بفايروس كورونا، وقد فرضت السلطات إغلاقا على البلاد. وتعهدت بإنفاق 25 مليار يورو بمفردها لمحاربة الوباء، وهو ما يعرضها لخطر تجاوز الحدود التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي بشأن الديون والعجز في الميزانية.
وتريد إيطاليا وفرنسا ودول أخرى في منطقة اليورو أن تخفف بروكسل من قيود الالتزام المالي، بسبب الظروف الخاصة لهذه الأزمة العالمية.
وحددت بريطانيا، التي أصبحت الآن خارج الاتحاد الأوروبي، التحفيز المالي بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني (39 مليار دولار) وخفضت أسعار الفائدة إلى ربع نقطة مئوية وأبدت استعدادها لاتخاذ المزيد من الإجراءات.
وخفضت الصين أسعار الفائدة وتعهدت بمجموعة من الإجراءات بما في ذلك تخفيضات ضريبية والمزيد من التحويلات المالية من بكين إلى المناطق المتضررة من الفايروس.
وكشفت أستراليا الخميس عن خطة إنفاق ضخمة بقيمة 11 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أقل من واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، للمساعدة على تجنب أول ركود لها في 29 عاماً.
وقدمت الحكومة 1280 دولارا أميركيا لكل مقيم دائم، في جهودها للتغلب على الركود الناجم بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي تفاقمت الآن بسبب تفشي فايروس كورونا.
وأعلنت طوكيو هذا الأسبوع عن حزمة طوارئ ثانية لتخفيف تأثير الفايروس، تتضمن ضخ 15 مليار دولار في برامج القروض لدعم الشركات الصغيرة. وأكد بنك اليابان أنه “سوف يسعى جاهداً لتوفير سيولة وفيرة وضمان الاستقرار في الأسواق المالية”.
وتتطلع إندونيسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند أيضاً إلى تخصيص مليارات الدولارات كمحفزات إضافية في اقتصاداتها المدفوعة بالصادرات.