مباحثات إحياء الاتفاق النووي وإصلاح الاقتصاد أهم الملفات أمام رئيسي

طهران - يُدشن الرئيس الإيراني الجديد المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الثلاثاء رسميا عهدته الرئاسية خلفا للمعتدل حسن روحاني حيث سيتولى الرئاسة لمدة أربعة أعوام يواجه فيها تحديات إحياء الاتفاق النووي وإصلاح الاقتصاد الذي تضرر كثيرا بسبب العقوبات الأميركية المسلطة على البلاد.
وسيتم تنصيب رئيسي الفائز في انتخابات يونيو، رسميا الثلاثاء خلال مراسم يصادق فيها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على “حكم رئاسة الجمهورية”.
وسيؤدي رئيسي البالغ من العمر 60 عاما اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى (البرلمان) الذي يهيمن عليه المحافظون الخميس، في خطوة يتبعها تقديم أسماء مرشحيه للمناصب الوزارية من أجل نيل ثقة النواب على تسميتهم.
ونال الرئيس السابق للسلطة القضائية نحو 62 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي، وشهدت نسبة مشاركة بلغت 48.8، هي الأدنى في استحقاق رئاسي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.
وسيطوى بذلك عهد روحاني الذي تألف من ولايتين متتاليتين اعتبارا من 2013، وشهد سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كانت أبرز محطاتها إبرام اتفاق فيينا 2015 بشأن البرنامج النووي مع ست قوى كبرى وهي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، والمانيا.
وأتاح الاتفاق رفع عقوبات عن إيران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
لكن مفاعيله باتت شبه لاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018، وإعادة فرض عقوبات على طهران، انعكست سلبا على اقتصادها.
وستكون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العائدة بشكل أساسي للعقوبات، وزادت من تبعاتها جائحة كوفيد – 19، المهمة الأولى لرئيسي الذي رفع خلال انتخابات 2021، كما في 2017 حين خسر أمام روحاني، شعارَي الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد.
ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا كليمان تيرم إن “هدفه (رئيسي) الأساسي سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المجاورة”، وذلك عبر “تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية”.
ويضيف الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، إنه من خلال هذه المقاربة “يصبح رفع العقوبات الأميركية هدفا له الأولوية لكن من أجل تحسين نوعّي ونمو في حجم التبادلات التجارية بين إيران والدول غير الغربية على الساحة الدولية” مثل روسيا والصين والجوار.
وشهدت إيران خلال الأعوام الماضية، لاسيما شتاء 2017 – 2018 ونوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
كما شهدت محافظة الأحواز جنوب غرب البلاد احتجاجات خلال يوليو، على خلفية شح المياه. وترافق ذلك مع انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى، تعزوها السلطات لأسباب منها زيادة الطلب ونقص الموارد المائية لتوليد الطاقة.
ويرى مراقبون أن الرئيس الجديد سيكون متشددا إزاء الغرب عكس الرئيس روحاني وذلك بالتزامن مع بدء المفاوضات من أجل إحياء الاتفاق النووي.
وغالبا ما وجّه المحافظون المتشددون الذين ينظرون بعين الريبة الى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مرارا بالتركيز على الجهود المحلية للحد من آثار العقوبات.
واعتبر الاقتصادي الإصلاحي سعيد ليلاز، المقرب من الرئيس المنتهية ولايته، أن “روحاني كان مثاليا جدا بشأن علاقته مع الغرب. كان يعتقد أنه سيكون قادرا من خلال ذلك على حل كل مشاكل البلاد سريعا في الأمد القريب”.
ويضيف “لا يبدو أن الأمر هو ذاته لدى السيد رئيسي”.
وأكد رئيسي بعد انتخابه أن أولوية سياسته الخارجية هي العلاقات مع دول الجوار.
وسيتولى رئيسي منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق النووي من خلال تسوية ترفع العقوبات الأميركية وتعيد واشنطن إليه، في مقابل عودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها النووية التي تراجعت تدريجيا عن تنفيذها بعد عام من انسحاب واشنطن.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تولى مهامه خلفا لترامب مطلع 2021، أبدى استعداده للعودة الى الاتفاق.
وأجريت ست جولات مباحثات في فيينا بين أبريل ويونيو، دون تحديد موعد جديد. وأكد مسؤولون إيرانيون أن التفاوض لن يستكمل قبل تولي رئيسي منصبه.
ويرى كليمان تيرم أن لتأجيل استئناف المباحثات أسباب عدة من المنظار الإيراني، منها “الإظهار للجانب الأميركي عدم وجود استعجال لدى طهران من أجل التوصل الى تسوية سريعة”.
ويوضح تيرم أنه من الأسباب أيضا “السياسة الداخلية ورغبة الحكومة المحافظة الجديدة في إثبات قدرتها على نيل اتفاق أفضل من الحكومة السابقة”.
وفي لقائه الأخير مع أعضائها الأربعاء، رأى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن تجربة حكومة روحاني أثبتت أن “الثقة بالغرب لا تنفع”، وفق بيان نشره موقعه الإلكتروني.
وأشار خامنئي الذي تعود إليه الكلمة الفصل في السياسات العليا للبلاد، الى أن واشنطن ربطت عودتها الى الاتفاق بإجراء مباحثات لاحقة تتعلق ببرنامج إيران الصاروخي وقضايا إقليمية، وهو ما سبق لطهران أن رفضت إدراجه ضمن مباحثات نووية.
وسبق لرئيسي الذي يعد مقربا من خامنئي، التأكيد أنه سيدعم المباحثات التي تحقق “نتائج” للشعب، لكنه لن يسمح بـ”مفاوضات لمجرد التفاوض”.
ويرى ليلاز أن “مصير الاتفاق النووي” هو من العوامل المؤثرة في حل الأزمة الاقتصادية، معتبر أن “عدم اليقين” الراهن حيال هذا الملف “مضرّ، وسيكون أشد ضررا في حال أعلنت إيران أنها لن تفاوض وتاليا ستبقى العقوبات”.
لكنه يرجّح عدم بلوغ هذا الحد “لأن إيران والولايات المتحدة غير قادرتين على الإبقاء على الوضع القائم، وعلى الطرفين الوصول الى تسوية”.