ماذا يفعل الأدباء في الوقت الذي لا يكتبون فيه

ليست الكتابة كما يظن البعض قلما وورقة أو حتى كمبيوترا أو آلة راقنة ومكتبا، هذه ربما لحظة إنجاز الكتابة، لكن لحظات ولادتها الفعلية ليست هذه بل هي في ما يقرأ الكاتب وما يعيشه من أبسط الأمور يومية واعتيادية من الشوارع والأشياء المهملة وتقاطعه مع الناس والفنون الأخرى وغيرها من تفاصيل حياة كاملة. “العرب” استطلعت آراء كتاب عرب حول ماذا يفعلون حين لا يكتبون؟
الكتابة عملية مترابطة مع التركيبة النفسية والذهنية ويلعب فيها المزاج دورا في تحديد أعرافها. لذلك تختلف المسالك التي يختارها أصحاب هذه المهنة. بالطبع الأساليب والاتجاهات المتبعة تصبح جزءا من شخصية الكاتب. فقد كان همنغواي مواظبا على كتابة 400 كلمة يوميا، وقبل أن ينفد مخزونه يتوقف محتفظا بما يمكنه الاستئناف من حيث انتهى إليه لاحقا.
ويقتفي هاروكي موراكامي أثر مؤلف “الشيخ والبحر” ينسحب من الطاولة عند النقطة التي يشعر فيها أنه يستطيع الكتابة أكثر. وبذلك يستمر الإيقاع سلسا وانسيابيا. واللافت في تجربة موراكامي هو ممارسته لرياضة الجري ومشاركته في سباق المسافات الطويلة، وهذا الجانب من اهتماماته يكمّل الشق الإبداعي في تكوين شخصيته. إذ يؤكد بأن الهدف من التمرين هو الحفاظ على حالته الجسدية وتحسينها بغية مواصلة كتابة الروايات.
يحيل رأي موراكامي إلى ما يقوله سيباستيان باري بأن القيام بشيء آخر غير الكتابة يفيد الكتابة. إذن النشاطات التي قد تبدو بأنها غير مجدية في الظاهر ربما تضيء أبعادا جديدة في المجال الإبداعي.
على أيّ الأحوال يصعب تخيل الكاتب في صورة مصارع الكلمات على الطاولة باستمرار لأن ما يستمد منه أفكاره ومواده للتأليف والكتابة ليس إلا واقع الحياة والأجواء الحافلة بالتنوع. تقول جوناثان كو إنها تفضل الكتابة في الأماكن العامة الصاخبة، موضحة “إنْ كنت مركزا على العمل فإن الأصوات ستتلاشى تماما، وإذا كنت تبحث عن فكرة ولم تقتنصها، فقد يساعدك الاستماع إلى الصخب من حولك على ترويض تلك الفكرة”.
ما يجدر بأن يكون موضوعا للنقاش هو ما يسكت عنه الكتّاب، ونعني بذلك الأيام التي تمر دون كتابة. هل هي أوقات عادية يتنفس فيها الكاتب الصعداء أو يحسبها ساعات ضائعة في سجل زمنه الشخصي؟
أهمية المشي
يصرح الكاتب العراقي لؤي حمزة عباس بأن أوقاته الصعبة هي تلك الأوقات التي يقضيها دون مشاريع الكتابة، إذ يلازمه الشعور بالجزع وعدم الاستقرار، بل هي مواسم متلبدة بغيوم الكآبة وتقريع الذات بالنسبة إليه، غير أن كل ذلك يتبدد حالما يشرع في الكتابة كأنه يعيش لحظة الإشراقة أو “كما لو كانت للكلمات قوة سحرية تأخذني من توتري وشرودي، ومن شعوري بفقدان الجاذبية الأرضية، إلى الاستقرار والتركيز والإحساس بالارتباط الواثق بجهة مّا من جهات العالم، إنها جهة الخيال الفسيحة مطلقة الأرجاء”.
يذهب مؤلف “بجوار الكتب” في أوقاته الفارغة من الكتابة نحو القراءة التي لا ينقطع عنها أبدا، ويجد فيها مستراحا للتأمل ومحاورة الذات والآخر. كما يتابع الأفلام حتى يكون في قلب العالم وهو يشاهد من خلال السينما العالم بتفصيلاته الدقيقة، وما تسعى إليه السينما حسب رأي صاحب “مدينة الصور” هو رصد الإنسان حيثما كان والتدقيق في مشاكله المختلفة. أما المشي فهو ممارسة يومية، لا يمنعه عنها سوى ارتفاع درجات الحرارة في مدينة تعيش على حافة الجحيم كل عام، بالمشي يجدد طاقته وشحن بطاريته الداخلية لخوض مشاريع جديدة.
تؤكد الشاعرة اللبنانية ندى الحاج بأنه في الوقت الذي لا تكتب فيه لا تشعر بأنها بعيدة عن الكتابة لأن كل ما ينطبع في داخلها من مجريات وقراءات وتحولات، يحضّرها للكتابة في حالة انصهار مستمرة بين الوعي واللاوعي. الأهم بنظر الحاج هو التجدد في الحياة بتموجاتها التي لا تعرف الثبات. لأن الإنسان في حالة عبور دائم والكتابة الشعرية تجسيد حيوي لهذا العبور.
وما تتوخاه صاحبة “عابر الدهشة” هو الحفاظ على إيقاع حياتها الهادئة رغما عن كل ما يدور في بلدها وفي فلسطين، هذا عدا الضغوط السلبية التي تخترق وتهاجم العقول والمشاعر. كل شيء، كما تقول، دون الانسياق وراء موجة الغضب أو الغرق في أوحال اليأس والاستسلام. سلاحها وسط دوامة العالم التي لا تهدأ هو التمسك بالصفاء والامتنان والرجاء. وما يحميها من الانجراف في طنين القلق هو قوة إيمانها الروحية التي تستمد منها نعمة الوعي بقيمة الحياة والإنسان والكائنات الحية الأخرى.
بين القراءة والكتابة تمارس ندى الحاج المشي في الطبيعة قريبا من سكنها في منطقة تعلو 600 متر فوق بيروت. تختلي بنفسها في سكون غابة صغيرة برفقة العصافير متأملة سحر الغروب فوق زرقة البحر. وأحيانا تكتب قصائدها في هذه اللحظات متمتعة بعزلتها الثمينة. تختار من كتب ومقالات ما يمنحها متعة وغنى محفزا على الحلم والمعرفة. والاختيار نفسه ينسحب على البرامج التلفزيونية الثقافية وبعض الأفلام السينمائية الفرنسية. كل شيء هو مخزون للكتابة وامتداد لها كالنور وظله، كالشجرة ونسغها، كالنفس والهواء.
لا تفرق ندى بين الحياة والكتابة، حتى في الوقت الذي لا تتابع فيه فعل الكتابة. وهي تختم رأيها بسؤال هل من فاصل بين الطير والفضاء حين يتحدان؟
ولا يعتبر الروائي السوداني أمير تاج السر نفسه كاتبا متفرغا في الحقيقة حيث يصف علاقته بالكتابة قائلا “لا أكتب بشكل يومي إلا عندما تكون لديّ رواية قيد الإنجاز، في هذه الحالة أعمل عليها يوميا في فترة الصباح حتى الظهر، ثم أذهب إلى عملي الذي أحوله إلى المساء، أيضا. قد أجلس للكتابة إذا كنت ملتزما بمقال لجهة ما، أو الإجابة على حوار تعهدت به لإحدى الصحف، لذلك لا يمكن أن تعدني كاتبا يوميا ملتزما، أو متفرغا. ما عدا ذلك، فيومي روتيني عادي، هو يوم داخل الأسرة، حيث أقوم بقضاء مستلزماتها، من تسوق وغيره، وأيضا واجبات اجتماعية مثل زيارة الأصدقاء والمشاركة في المناسبات العامة والخاصة”.
ويضيف “أمارس المشي تقريبا ثلاث مرات في الأسبوع، وحين أكون في إجازة من العمل، أمارسه يوميا، وأستمتع بذلك، ورأيي أن رياضة المشي، رياضة سهلة ومفيدة. ليس التلفزيون ضمن اهتماماتي، ولا أشاهد برامجه إلا نادرا، ومنذ اندلعت الحرب في بلادنا، لم أعد أعثر فيه على مواد تشدني، لكن قد أتابع بعض الأفلام والمسلسلات، وبعض البرامج الوثائقية، لأن فيها ثقافة ومعرفة. لا تشغلني مخطوطاتي داخل جهاز الكومبيوتر، فلديّ عدد قليل غير منجز، وهذه لا أعود إليها، وأعتبرها نصوصا مهملة، لأن الإحساس بها يكون قد انعدم، وانقطع خيط الإيحاء”.
من الواضح أن البيئة تؤثر على إيقاع الزمن والخيارات الحياتية وهذا ما يكشفه كلام الكاتبة السورية سها مصطفى وهي توزع أيامها بين سوريا والإمارات، تقول لافتة إلى تباين الإيقاع في مكانين “في الشارقة والإمارات وقع الحياة سريع، لذا يوم العطلة هو اليوم المناسب للقراءة أو المباشرة بمشاريع جديدة خارج إطار الوظيفة. فأقوم بقراءة بعض الكتب التي أرغب بقراءتها أحيانا. أما في سوريا في اللاذقية وقت الفراغ مناسب للمشي قرب البحر أو بين الجبال الشاهقة الخضراء التي تختزن التاريخ والسحر والطقس يساعد بذلك صيفا”.
وتتابع “المشي بالنسبة إليّ متنفس حي للانصراف عن التفكير وتفريغ الطاقة السلبية التي تتراكم داخلنا في الغربة وداخل الوطن أمام سوء الأوضاع في سوريا. لذا عندما أكون في سوريا غالبا أتجول ما بين الطبيعة والحقول في اللاذقية بين كسب وصلنفة وجبالها التاريخية الممتدة إلى بحر أزرق متوسطي ساحر في البسيط ووادي القنديل أو التنزه في آثار أوغاريت في راس الشمرا حيث كبرت وعشت في منطقة تمزج الأوابد التاريخية مع موج البحر وزبده وأساطيره لذا تناولت ذلك في روايتي الأولى”.
وتضيف “أو كما هو الحال الآن أتجول قرب بحيرة الشارقة أو في متحفها. أو اكتشاف طرق وأماكن جديدة داخل دبي خاصة مثلا ما تحفل به من محال للطعام من دول مختلفة. أو زيارة برج خليفة ومكتبة الشيخ محمد بن راشد أو معارض التشكيل في السركال وإكسبو وغير ذلك من الأمكنة التي تتيح لك رؤية الجديد والمبدع. أما عندما أكون في دمشق عادة أتجول وأختي بين باب توما وباب شرقي بكل معالمها وأبوابها التاريخية الأثرية وأسواقها الشعبية ومطاعمها وكنائسها”.
جهد يومي
الكتابة في برنامج الصحافي والكاتب العراقي علي حسين أصبحتْ بمرور الوقت طقوسا يومية. يطبق مؤلف “لماذا نقرأ الكتب المملة؟” نصيحة توماس مان ومفادها اكتب كل يوم صفحة واحدة ثم أعد مراجعتها وتنقيحها واحتفظْ بها في ملف، بعد عام ستجد نفسك كتبت رواية من 365 صفحة. هكذا تعلم حسين ألاّ يخسر يوما من أيام حياته دون الكتابة، فالكتابة أصبحت جزءا من نسيج حياته اليومية، يعيد مراجعة ما يكتبه يوميا أكثر من مرة، وبعد أن يتحول إلى مخطوطة، يقرؤه من جديد وقد يضيف أشياء جديدة، والأمر لا يخلو من الندم خصوصا عندما ينشر موضوعا ما ويصادف أن يحصل بعد ذلك على كتب جديدة أو دراسات تتعلق بالموضوع نفسه.
وفي مشاهداته للبرامج لا يبتعد مؤلف “دعونا نتفلسف” عن عالم الكتب فيعجبه ما يقدمه بلال فضل بعنوان “عصير الكتب” لأنه برنامج زاخر بحوارات معرفية، وعمله بالصحافة يحتّم عليه متابعة بعض البرامج السياسية لكن ما يهمه بالمرتبة الأولى هو الحوار الثقافي، وقد تدخل الرياضة إلى يوميات علي حسين متابعا بعض مباريات الدوري الأوروبي، ويقرأ ما ينشره الأدباء والفلاسفة عن الساحرة المستديرة.
من جانبها تقول الكاتبة السعودية عهود عبدالكريم عن اليوم الذي لا تكتب فيه “تدور حول حمّى الكتابة، وذلك بالعودة إلى ما تسميه المعين الصافي ‘نهر القراءة’ مغترفة منه كتابا أو كتابين”، موضحة بأنها تصحب الكتاب إلى مقهى، حديقة، شارع منسي وتشارك الجلسة مع الكتاب وهناك “نبدأ بالقراءة سويا علنا أمام الآخرين”.
حين لا تكتب تخرج عهود للأسواق الشعبية، معاينة المكان والناس، مشترياتهم، أحاديثهم، وربما مشاجراتهم، باحثة عن ملامح وجوه روائية، وحوارات قصصية وعقد حكائية، لنقلها من الواقع إلى الخيال. عندما لا تكتب تعيد قراءة ما كتبت، يستيقظ حس الناقدة داخلها وتهش بملاحظاتها على السطور، مصدرة أحكاما مثل: تعبير ساذج، مفردات مكررة، جملٌ عادية، وبذلك تستفز الكاتبة في داخلها لتعيد صياغة كل سطر حتى يليق بروعة نص جدير بأفق التوقع القارئ. باختصار تسخر عهود عبدالكريم كل شيء حولها لتشكيل الرغبة في الكتابة.
لا يمضي الكاتب المصري ياسر عبدالحافظ الأوقات التي لا يكتب فيها بمتابعة كرة القدم لأن هذا العالم لا يعجبه. كما لا يضع المشي في خانة الرياضة. بل هو أحد الأفعال التي انتظم في أدائها مبكرا إلى أن أخذت طابعا روتينيا في أجندته. وهو يشير إلى أن عمله في مجال الصحافة وتخطيطه للمشاريع الإبداعية يضيّقان مساحة فراغه حتى ولو لم يكتب فإن الكتابة تشغل تفكيره. لكن كل ذلك لم يحل بين صاحب “رماد العابرين” وبين الرياضة ولا ينقطع عن ممارستها فقد حصل على “الحزام الأخضر” في الأيكيدو وفي هذه الأيام هو بصدد برنامج تدريبي مكثف استعدادا لاختبار “الحزام الأزرق”، وزيادة على ما سبق يمارس اليوجا والتاي تشي، لكنه ليس محترفا فيهما مثل الأيكيدو.
أما عن مراجعة المخطوطات يقول ياسر عبدالحافظ “لديّ ثلاثة أعمال منشورة كل واحد منها صدر بعد العديد من المخطوطات، وإلى جانب ما صدر لديّ مخطوطات شبه مكتملة، وأخرى أهملتها بعد أن عملت عليها بعض الوقت”.
كان بسبب الهوس بمراجعة مخطوطاته قد توقع بأنه لن ينشر شيئا لولا رفضه أن يكون مثل إحدى شخصيات ألبير كامو ذلك الشخص الذي يريد أن يكون كاتبا لكنه متردد في وصف مشهد ما. هل يناسبه هذا اللفظ أم ذاك. كان شخصا مثيرا للرثاء لهذا فقط قمع هوسه عند مرحلة ما ودفع بـ”المخطوط” للنشر للتخلص من إعادة النظر فيه.
الكتابة لعنة وحلم
تشدد الكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل على أن الكتابة ليست مهنة بل هي نمط عيش، كيان لا ينفصل عن الكاتب. فبرأيها أن الكاتب محروم من الإجازة ولا عطلة نهاية الأسبوع لا يملك رفاهية الهوايات وأوقات الفراغ والملل. الكتابة هي الكيان، هي الذات. لا يتوقف الكاتب عن الكتابة يوم السبت أو يوم الأحد. لا يتوقف عن الكتابة عند الخامسة مساء. الكتابة هوس، قلق، ضرورة، عمل يومي متواصل حتى في ساعات النوم.
وتضيف “لا يملك الكاتب رفاهية ألا يكتب أو أن يملك هواية غير الكتابة، هذا أمر مستحيل. إن كل ما يحيط بالكاتب أداة لنصه، كل من يحيط به شخصية لنصه. المطعم مكان بحث، الجامعة، البار، الباص، الطائرة، قاعة الانتظار. الحياة بأسرها ملعب الكاتب ومصدر إلهام له وهو عندما لا يكتب، إنما يفكر حتما بماذا سيكتب”.
تسترسل صاحبة “الجنة أجمل من بعيد” لافتة النظر إلى أن الكاتب كاميرا تصور وتراقب وتتابع وتسجل. الكاتب يرى ويراقب ويحلل ويفهم ثم يضطلع بفكرة وعن واقعها الشخصي. تقول “أنا نفسي عندما لا أكتب أكون مشغولة بفكرة تدور وتتبلور وتتخمر في رأسي. أكون قلقة. وعندما تخرج الفكرة إلى النور تتلون وتتغير وتزيد وتنقص لتبلغ شكلها النهائي الذي يرضيني ويرضي القارئ”.
تتحدث الطويل رامية أوراقها على الطاولة بالإشارة إلى أنها عالقة في دوامة، وتعني بذلك دوامة انتظار الفكرة أن تتماسك وتنصهر لتخرج إلى النور، على أمل أن تخرج بأجمل حلة.
يبحث الدكتور جمال علي حسين عن زاوية مختلفة للنظر إلى الكتابة والزمن الذي لا يكتب فيه والأمر لا يحتاج إلى الكثير من التمعن حتى يتم إدراك تأثير خلفيته العلمية على رؤيته لإشكالية الفراغ فبرأيه “لا شيء يبدو كبيرا أو لامعا بشكل مفرط يتمتع بصلاحية كبيرة. الجيد هو الذي يملأ كل شيء دون بريق كبير. كانت هذه فلسفتي العامة في التعامل مع اهتماماتي العلمية والفنية والأدبية والإعلامية وحتى داخل المجال نفسه، لذلك لا أحبذ أن يتم تعريفي – نقديا – بطريقة إجرائية. أفضل أن أعوم مثل مادة هلامية غير قابلة للإمساك، مثل كائن متغير الأنماط والألوان، وليس شخصا ممتهنا حرفة بعينها”.
ويضيف “لم تكن هذه فلسفة، بل مجموعة أحاسيس، فحبي للمجالات المتنوعة مثل حبي للطبيعة، لا يشترط أن أعرف لماذا وما هي. المهم وجدت نفسي أحب هذا المكان دون سواه. لعل البراءة الوحيدة هي عدم التفكير في كل خطوة تقوم بها، وهذا ما يجعلني أسعد بالشيء وليس من الضروري أن أفهمه. أما الفهم فسيأتي مع الكثير من الاختبارات والأخطاء والكثير من خيبات الأمل والحزن”.
ويتابع حسين “يقولون إنني متعدد الاهتمامات، من الفيزياء شرقا إلى الأدب غربا ومن الصحافة شمالا إلى الفن جنوبا، هذا صحيح. إلا أنه قليل أيضا، فمن وجهة نظري، أن على المرء أن يهتم بكل شيء في الحياة، وأبدأ من جديد في كل مرة، كان عليّ أن أغوص أكثر فأكثر في تجربة النعم وأن أنام وعيناي مفتوحتان وأحلم حتى بيدي. مثل الإسكندر الأكبر ينام مع ‘الإلياذة‘ تحت وسادته. أثناء تراجع القمر، أحتضن ‘الأوديسة‘ لهوميروس، أو ربما ستنسب جميع الكتب الباقية إلى مؤلف واحد غامض، مثل هوميروس. أحلم بصوت عالٍ وأردد العبارة من أعماقي لكي تتجذر في النص، في جذعه وأغصانه وفروعه وأوراقه، لتنطلق المفردة مع الطيور إلى النجوم”.
وما يمكن قوله تعقيبا على الآراء الوارد ذكرها في التحقيق أن الكتابة تتطلب إيقاعا منتظما وجرأة على الحذف لأن تدفق الكلمات يشبه الحفل الصاخب المجنون يستمر دون التوقف والفوضى التي يخلفها، ويحتاج إلى من يقوم بتنظيفها على حد قول الروائية هيلاري مانتل.