ماذا يريد منتقدو المملكة العربية السعودية

تتجنّد بعض الجهات الإعلامية لانتقاد المملكة العربية السعودية، فتحركاتها لا تعجبهم سواء سارت المملكة نحو المزيد من التحرر والانفتاح أو رضخت لضغوط المحافظين المتشددين، شعارهم في ذلك النقد لمجرد كونها السعودية فقط، حتى أنهم لا يضيّعون فرصة واحدة لمهاجمة الفنانين والرياضيين والنجوم في شتى المجالات ممن يزورون السعودية في مهرجاناتها وتظاهراتها الفتية ويحاولون التأثير عليهم وبالتالي إحباط محاولات المملكة وجهودها للتغيير ضمن رؤيتها للعام 2030.
عزم تحالف من النقاد على اغتنام أي فرصة لاستهداف المملكة العربية السعودية، وذلك وفقا لبعض الإعلاميين المعروفين والمشكوك في أمرهم، حيث كان مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الأخير بمثابة “تلميع لسمعة ملطخة”.
وكان سباق الجائزة الكبرى للمملكة العربية السعودية الافتتاحي في ديسمبر ورالي داكار عبارة عن ممارسات مثيرة للريبة في مجال “الغسيل الرياضي”.
وينطبق نفس المنظور التشاؤمي على البطولة السعودية الدولية للجولف، والتي ستقام في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في شهر فبراير المقبل.
ماذا لو توقف منتقدو السعودية عن الهجوم وأبدوا شيئا من المرونة، كما يفعل بعض الفنانين والرياضيين البارزين؟
أما بالنسبة إلى العروض الأخيرة للمغني الكندي جاستن بيبر وفنان الـ“دي.جي” الفرنسي ديفيد غوتا، واللذان واجها وعارضا دعوات لمقاطعة المملكة، فقد فشل النقاد بشكل مخيب للآمال في التوصل إلى تفسير تشاؤمي مناسب.
ربما “انتهازيين”؟ ربما لا.
لكنّ هناك مقترحا، فبدلا من التهجم في كل مرة تتخذ فيها المملكة العربية السعودية خطوة أخرى نحو المشاركة البناءة مع العالم الخارجي، ماذا لو توقف منتقدوها عن الهجوم وأبدوا شيئا من المرونة، كما يفعل بعض الفنانين والرياضيين البارزين في العالم؟
وتعيش السعودية تغييرات بالغة الأهمية، وذلك بالطبع هو ما يدّعي نقادها الصاخبون والمتعالون المطالبة به، ولكن ما يثير السخرية أنهم لا يستطيعون الإشادة بتلك التغييرات حتى أثناء حدوثها.
وأولئك الذين ينتقدون المملكة لعدم تغيرها بوتيرة سريعة، أو بسبب جرأتها في وضع القوانين وتطوير العادات والالتزام بها، يجب أن يتوقفوا ويأخذوا في عين الاعتبار ليس فقط حجم وطبيعة التغييرات العظيمة التي يمر بها المجتمع السعودي، بل أيضا تاريخ دولة كانت حتى وقت قريب منفصلة عن العالم الخارجي.
والعديد من المطالب التي يتم طلبها من المملكة العربية السعودية تعكس جهلا كبيرا بتاريخ المملكة وبالثقافة الإسلامية التي يقوم عليها البلد.
وليس من مهمة القيادة السعودية مراعاة الحساسيات الثقافية للنقاد الأجانب، ولكن بعد أن انطلقت بكل جد في مسيرة التغيير، فإن مهمتها هي تحقيق التوازن بين هواجس وطموحات القطاعات المختلفة في مجتمعها.
ولا تعد تلك مهمة سهلة، ففي الوقت الذي تعترف فيه وتستجيب لآمال وتوقعات شريحة الشباب المنفتح على العالم الخارجي بصورة متزايدة، يجب على المملكة العربية السعودية، وهي مهد الإسلام، إبداء الاحترام والتعامل بحساسية مع مخاوف الأفراد الأكثر تحفظا في مجتمع شديد التدين وقائم على أساس الدين الإسلامي.
وتحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصراحة عن العواقب الوخيمة للثورة الإسلامية في إيران على بلاده وعلى شعب المملكة، والتي اشتعلت في عام 1979، والاستيلاء المفاجئ على المسجد الحرام بمكة المكرمة من قبل الأصوليين الإسلاميين، ويعتبر ولي العهد القوة الدافعة وراء التغييرات الكبيرة الحاصلة في المملكة.
وفي مواجهة تلك الأحداث الصاخبة، انغلقت المملكة على نفسها وعادت إلى تفسيرات صارمة للدين الإسلامي.
وقال الأمير محمد بن سلمان لشبكة ”سي.بي.أس نيوز” خلال مقابلة متلفزة في عام 2018 “كنا مجرد أناس عاديين، يمضون في مسيرة تقدمهم مثلهم مثل أي بلد آخر في العالم… كانت النساء يقدن السيارات، وكانت هناك دور سينما في المملكة العربية السعودية، وعملت النساء في كل مكان إلى أن وقعت تلك الأحداث”.
وعادت المملكة العربية السعودية لمسيرة التقدم مرة أخرى بعد مضي أربعة عقود، على الرغم من أنها ليست مثل أي دولة أخرى في العالم، فهي دولة رائدة في زمن النفط، وهي عازمة على أن تصبح في مقدمة الصفوف في مجال الطاقة المتجددة والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.
وتعمل السعودية جاهدة لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، بناء على رؤيتها لعام 2030، لكي تشق طريقها في عالم ما بعد النفط، وهي استراتيجية ستفيد العالم بأسره.
وتفتح المملكة العربية السعودية في الوقت نفسه أبوابها للعالم، حيث تهدف سلسلة من المشاريع العملاقة لجلب السياح إلى المملكة بأعداد كبيرة، من تطوير موقع الدرعية التاريخي إلى إنشاء مدينة عملاقة ذكية على البحر الأحمر.
وطلائع الزوار هم الفنانون البارزون والرياضيون والذين ستغير تجاربهم الشخصية ببطء تصور العالم للمملكة العربية السعودية، والذين يتعرضون الآن لسهام النقد كونهم منحوا المملكة وشعبها الفرصة التي يستحقانها.
نقاد السعودية الصاخبون والمتعالون يطالبونها بالتغيير، لكن ما يثير السخرية أنهم لا يستطيعون الإشادة بتلك التغييرات حتى أثناء حدوثها
لنأخذ على سبيل المثال بطل الفورمولا 1 أربع مرات سيباستيان فيتيل والذي نظم حدثا للكارتينغ للسيدات في جدة على هامش سباق جائزة السعودية الكبرى لشهر ديسمبر.
والذي قال لقناة ‘بي.بي.سي’ “بشكل عام، نركز على الأمثلة السلبية عندما يتعلق الأمر بأوجه القصور لدى بعض البلدان، وإذا نظرنا من منظور أوروبي غربي، فهناك الكثير من الأشياء التي يجب تحسينها ومعالجتها، ولكن من الصحيح أيضا أن بعض الأشياء تتغير”، كما أضاف “بالنسبة إلى النسوة اللواتي شاركن في الكارتينغ، تلك المشاركة أحدثت فرقا كبيرا”.
وتلك هي الفكرة التي يعجز عن استيعابها مجموعة النقاد الذين ينتقدون المملكة.
فأي نوع من البلدان يريدون أن تكون السعودية؟ مملكة مغلقة ومحافظة وعلى خلاف مع العالم الحديث؟ أو أمة منفتحة وسريعة التطور، والتي تعمل حاليا لإحداث التغيير والتقدم لصالح سكانها الشباب والعالم بأسره؟
والمملكة العربية السعودية بلد يزيد عدد سكانه عن 35 مليون نسمة، ونصفهم دون سن الخامسة والعشرين، وكل واحد منهم لديه آمال وأحلام لمستقبله ومستقبل أبنائه.
لقد حان الوقت بالتأكيد لإعطاء السعودية استراحة من تلقي سهام النقد، وفرصة لتُظهر للعالم ما تستطيع إنجازه، حتى لو كانت تلك الاستراحة من أجل جيل المملكة اليافع.
*سنديكيشن بيورو