إسرائيل وهي تهمل عدالة "العين بالعين" الإبراهيمية

منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 إثر الحرب العالمية الثانية كانت العديد من الدول التي تحاول تجاوز المحرقة دون التعمق فيها تغض الطرف عن تجاوزات إسرائيل في علاقاتها مع الفلسطينيين.
السبت 2023/11/04
هذه ليست عدالة.. بل انتقام

تشمل العديد من السمات المشتركة بين كل الديانات الإبراهيمية، التي تنص عليها الكتب المقدسة لدى اليهود والمسلمين والمسيحيين، مبدأ العدالة النسبية المتجسد في العبارة القديمة “العين بالعين”.

ويبدو واضحا أن إسرائيل تهمل هذا المبدأ بتجاهلها كل الدعوات إلى ضبط النفس في تصميمها على تدمير كل أثر لحماس، بغض النظر عن الكلفة البشرية التي تطال الأرواح البريئة.

ولا يزال نقاش الحاخاميين وعلماء المسلمين والمسيحيين متواصلا في علاقة بالتفسير الصحيح لتحذير حُفر على الحجر، في نص قانوني أكادي مكتوب بين عامي 1792 و1750 قبل الميلاد.

كانت هذه شريعة ملك بابل حمورابي، الذي نُقشت قوانينه بالخط المسماري على البازلت، والتي يمكن رؤيتها اليوم في متحف اللوفر بباريس.

إسرائيل، التي لا يبدو أنها تسعى لتحقيق العدالة بل للانتقام لضحايا هجوم 7 أكتوبر الذين بلغ عددهم 1400 شخص، تسلك نفس المسار الدموي غير المعقول في غزة

وكان حمورابي من أكثر حكام بلاد ما بين النهرين القديمة تشددا وقسوة بكل المقاييس. وكان سيندهش بسبب الاهتمام الحديث بمنظومته القانونية التي يمكن وصفها بأنها قاسية ولكنها عادلة.

ولم تترك شريعة حمورابي مجالا للشك في عصره حول عواقب الأفعال التي اعتبرت منذ أكثر من 3800 سنة تجاوزات اجتماعية خطيرة. وجاء فيها “إذا ضرب الابن أباه، تقطع يداه”، و”إذا قلع رجل عين رجل آخر، تُقلع عينه”، و”إذا قلع رجل أسنان نظيره، تُقتلع أسنانه”.

لكن “الموت” كان الكلمة التي ظهرت كثيرا في القانون، وهي عقوبة تُفرض على الجرائم بما في ذلك السرقة والسطو والاغتصاب والقتل، بالطبع، بغض النظر عن سببه.

وتبدو قيمة الحياة البشرية التي توازي وزن سلة غلال في نظر الحساسيات الحديثة أمرا شنيعا، حتى يفكر المرء في البديل الفظيع.

وفي التاريخ الحديث المأساوي، تبنت الولايات المتحدة هذا البديل إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي قُتل فيها 2977 شخصا. وحدد مشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون أن حروب أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر في العراق وأفغانستان حصدت، حسب آخر إحصاء أرواح 14490 من الأفراد العسكريين والمقاولين المدنيين الأميركيين.

ولكن هذا الرقم الهائل يتضاءل مقارنة بالثمن البشع الذي سُجّل في العراق وأفغانستان، حيث دفع أكثر من 350 ألف جندي وطني من الجيش والشرطة والمدنيين حياتهم ثمنا للمذبحة التي ارتكبت في نيويورك وبنسلفانيا وفيرجينيا في 11 سبتمبر 2001 على يد 19 من أفراد القاعدة.

وتسلك إسرائيل، التي لا يبدو أنها تسعى لتحقيق العدالة بل للانتقام لضحايا هجوم 7 أكتوبر الذين بلغ عددهم 1400 شخص، نفس المسار الدموي غير المعقول في غزة.

تبدو قيمة الحياة البشرية التي توازي وزن سلة غلال في نظر الحساسيات الحديثة أمرا شنيعا، حتى يفكر المرء في البديل الفظيع

وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 8 آلاف مدني، أغلبهم من النساء والأطفال، قتلوا تحت قصف القنابل والرصاص الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر. ويبقى هذا الرقم محل خلاف. ولكن سواء كان العدد 8 آلاف أو 4 آلاف، تبقى المعضلة الأساسية هي الانتقام لخسارة أرواح الإسرائيليين الأبرياء بمذبحة غير متناسبة وعشوائية ضد الفلسطينيين الأبرياء.

والحقيقة التي ينبغي أن تصدم المجتمع الدولي هي أن مثل هذه المذبحة غير المتناسبة غير جديدة على دولة تفتخر بأنها نور في العالم. وكان العالم، ولا يزال، متواطئا في الأعمال الإسرائيلية الشنيعة التي تُرتكب باسم الدفاع عن النفس.

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قُتل 177 مواطنا إسرائيليا وجُرح 4735 آخرون على أيدي الجماعات الفلسطينية المسلحة والمدنيين من 1 يناير 2008 حتى نهاية سبتمبر 2023.

وخلال نفس الفترة، قُتل 3754 مدنيا فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، وأصيب أكثر من 152000 آخرين. وستزيد أرقام الكارثة الحالية عند جمعها وتأكيدها إلى الخلل في التوازن.

ليست هذه عدالة، بل هي انتقام جامح وبلا حدود.

ومنذ تأسيس إسرائيل خلال 1948 إثر الحرب العالمية الثانية، كانت العديد من الدول، التي تحاول تجاوز المحرقة دون التعمق فيها، تغض الطرف عن تجاوزات إسرائيل في علاقاتها مع الفلسطينيين. وبذلك، خذل أصدقاء إسرائيل البلاد نفسها.

8