ماذا لو نجحت الصين في صنع قطع "الليغو"

إذا كانت الحاجة أم الاختراع، فلماذا تدفع واشنطن بكين إلى وضع تضطر فيه لبذل كل ما بوسعها للاعتماد على النفس لتجاوز الحصار المفروض عليها. يبدو أن واشنطن مؤمنة باستحالة المهمة، يشجعها على ذلك رأي الخبراء الذين يرون أن بداية بكين التكنولوجية جاءت متأخرة جدا.
التحدي التكنولوجي المقصود هو صناعة أشباه الموصلات، حجر الزاوية في الصناعات الرقمية، مثل أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية. إضافة إلى تطوير أنظمة التشغيل، خاصة بعد أن حسم الأمر لصالح الشركات الأميركية، مايكروسوفت وأبل تحديدا.
ثقة ترامب، الذي افتتح عهدته الرئاسية بالضغط على الصين اقتصاديا، تدعمها آراء مختصين في هذا المجال، ومنهم غابرييل تشو، رئيس مجموعة آسيا لإحصاءات التجارة العالمية لأشباه الموصلات، الذي أكد أن وضع الصين “يشبه شخصا قادرا على صنع تصميمات رائعة من قطع الليغو، لكنه لا يعرف كيف يصنع قطع الليغو نفسها”.
الصين، حسب رأيه “نجحت في الهيمنة على أسواق البيع، مثل أسواق الهواتف المحمولة أو غيرها من المنتجات الاستهلاكية. لكن أشباه الموصلات تتطلب الكثير من المهارات العلمية الأساسية”.
حجج ترامب التي ساقها لفرض الحصار على العملاق الصيني للهواتف المحمولة هواوي التي أزاحت أبل عن موقعها، لتحتل المركز الثاني بعد العملاق الكوري الجنوبي سامسونغ، هي اتهامات أمنية.
وتتهم الولايات المتحدة الشركة بأن لها علاقات مع الجيش الصيني، وتخشى أن يؤدي تركيب الشركة شبكات اتصالات في جميع أنحاء العالم إلى تعريض البيانات الحساسة للخطر.
ولم يُطمئن نفي بكين الاتهامات شركاء هواوي حول العالم، الذين سارعوا للتخلي عنها. خاصة بعد تحرك واشنطن لحظر بيع الرقائق المهمة والبرمجيات، التي تشكل نقطة ضعف رئيسة لطموحات المجموعة.
فاليوم لا توجد أي بدائل لأنظمة التشغيل المعتمدة في أجهزة الكومبيوتر الشخصية، أو أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة التي تسوقها غوغل وأبل ومايكروسوفت.
عوائق، بالتأكيد كبيرة، قد لا تزيلها دعوة الرئيس الصيني إلى الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، مذكرا أن الصين اجتازت “مسيرة طويلة” ضد المنافسين الأجانب.
وضخت بكين أموالا طائلة، سعيا لتطوير أشباه الموصلات، وتصميم الرقائق الخاصة بها، لكنها لم تنجح في سد الفجوة مع منافسيها الأميركيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين.
سبق للصين أن حققت معجزة اقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتقلت من مجتمع زراعي متخلف إلى عملاق اقتصادي، يمتلك اليوم أكبر احتياطي من العملات الأجنبية، تجاوز 3 تريليونات دولار، ويصنف كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بناتج إجمالي يفوق 11 تريليون دولار. وارتفعت حصة الصين في الاقتصاد العالمي من 1.8 بالمئة عام 1978 إلى 18.7 بالمئة عام 2019.
ولم تبخل الصين في ضخ النقود تلبية لدعوة رئيسها، حيث ارتفعت قيمة صناعة أشباه الموصلات إلى 231 مليار دولار عام 2018، وهو ما يمثل نحو نصف حصة السوق العالمية.
الضغط الذي مارسته السلطات الأميركية على الشركات الصينية لوقف تطوير التكنولوجيا الفائقة أدى إلى نتائج عكسية، فشهدت الصناعات التكنولوجية الصينية نموا غير مسبوق في 2018، لتصبح واحدة من القوى الدافعة الرئيسية لتطوير صناعة أشباه الموصلات في العالم.
وبشهادة أميركية صادرة عن رئيس مكتب تكنولوجيا المعلومات بالولايات المتحدة، كريستوفر ميلوارد، الصين، اليوم، ليست مستهلكا رئيسا لأشباه الموصلات فحسب، بل هي أيضا مبتكر ومطور.
ويتهم مسؤولون حكوميون تايوانيون الصين باستهداف الشركات التايوانية، التي تقوم بتصنيع الرقاقات الخاصة بأكبر الشركات الأميركية، بما في ذلك شركة أبل وإنفيديا وكوالكوم، في محاولة لسرقة الموظفين وبيانات التصنيع.
وتهدف بكين إلى الضغط على تايوان، التي تعتبرها إقليما منشقا، وتسعى لتحقيق هدفها الاستراتيجي الخاص بتقليل اعتمادها على الموردين الأجانب، واللحاق بركب الشركات العالمية المتطورة تقنياً في مجال تصميم وبناء كافة أنواع الرقاقات الإلكترونية، وذلك وفقا لتقرير صادر عن وول ستريت جورنال.
تعلم الصين اليوم أن حصر أنشطتها على الاقتصاد التقليدي، ليست نتائجه مراوحة في المكان فقط، بل تراجع إلى الوراء، لذلك ستعمل كل ما في وسعها على افتكاك مكان ريادي في الاقتصاد الذكي، ولو كلفها ذلك 3 تريليون دولار.
بوسع خلية النحل الصينية، بمجرد أمر تتلقاه من أصحاب القرار، أن تجيش نفسها وتفاجئ العالم، بنظام بديل عن أنظمة مايكروسوفت وغوغل وأبل. وما استطاعت تلك الشركات أن تنجزه خلال عقود ثلاثة قد يتمكن التنين الصيني من إنجازه بثلاث سنوات.
ترامب، مطمئن اليوم إلى أن الصين لن تنجح في اللحاق بركب مصنعي الرقائق والبرمجيات الرواد، ولكن ما هو موقفه لو تمكن التنين من صناعة قطع “الليغو” واللهو بها.