ماذا تبقى من اتحادات الكتاب العربية
يبدو أن الكثير من العلامات المضيئة قد بدأت تختفي في فضاء العالم العربي، منها ظاهرة اتحادات الكتاب التي أصابها الصدأ، ولم تعد حاضرة في مسرح الثقافة العربية وفاعلة كما كانت في الماضي، أي منذ حصول بلداننا على الاستقلال إلى فترة التسعينات من القرن العشرين.
في الحقيقة فإن هذه الاتحادات كانت بمثابة الواجهة الثقافية لكل دولة من دولنا، إذ من خلالها كان الأدباء والمفكرون يلتقون في الندوات والمهرجانات الأدبية والشعرية التي تعقد هنا وهناك، ويتبادلون الخبرات والتجارب، ويتعرفون على إنتاج بعضهم البعض وغيرهم. وأكثر من ذلك فإن اتحادات الكتاب القطرية في بلداننا، رغم البعض من النقائص وكثرة محاولات الأنظمة السياسية لكبسها ورصها في صفها، قد تمكنت من إنشاء اتحاد الكتاب والأدباء العرب، الذي كان يعتبر خيمة للمبدعين والمفكرين بمختلف مللهم ونحلهم، ولقد كان الأدباء العرب يعتبرون مؤسسة هذا الاتحاد مقدمة للوحدة من المحيط إلى الخليج. أذكر جيدا كيف كنا نلتقي بفرح وشعور الانتماء يغمرنا في بغداد، ودمشق، وتونس، واليمن، والجزائر، والمغرب، وفي غيرها من بلداننا التي كنا ننظر إليها بقلوبنا وأرواحنا كجزء عضوي من كريات دمائنا.
لن أنسى أبدا مؤتمر الأدباء العرب الذي انعقد في الثمانينات من القرن الماضي باليمن، عندما كان منقسما ورفضنا حينذاك أن ننتقل من عدن عبر تعز والمرتفعات الخلابة إلى صنعاء بجوازات السفر، بل فقد أذن لنا أن نتحرك في الفضاء اليمني كله بعيدا عن شبح الانفصال، وكان ذلك تجاوزا رمزيا لحالة تقسيم الوطن الواحد في ذلك الوقت.
لاشك أن اتحادات الكتاب ببلداننا ظاهرة جميلة، ولكنها تكلست منذ سنوات عدة، ولم تعد تلعب الدور الحيوي في إنعاش الحياة الفكرية والإبداعية، وفي التعريف بالإنتاج الشعري والروائي والنقدي والمسرحي وغيرها من أنماط وأشكال الإبداع الثقافي الفني. ففي أيامنا هذه تحولت اتحادات الكتاب إلى جمعيات ثقافية مجهرية، تسند إلى شلل وأشخاص لا علاقة لأغلبهم بهمّ وفتوحات الإبداع الأدبي والفكري، إلا في حالات شاذة لا يقاس عليها كما يقول النحويون وفلاسفة المنطق.
كان مشروع اتحادات الكتاب في عصرها الذهبي أكثر فعالية من دواوين الثقافة التابعة للدولة، وأخصب حضورا ثقافيا من وزارات الثقافة، فماذا حدث لها ولماذا ضمرت، وكادت تصبح مثل المستشار السياسي العربي الذي لا يستشار إذا حضر، ولا يسأل عنه إذا وقع في أسر الغياب؟ إن تهميش وتبديد اتحادات الكتاب والأدباء العرب في بلداننا هو نتيجة لمعاملة الفكر والأدب باحتقار، ولإهمال الفعل الثقافي الإبداعي ورموزه في حياتنا، التي تجفف ضفافها من أبعادها الروحية والحضارية مع الأسف.
كاتب من الجزائر مقيم بلندن